أخى القارئ.. أى صفحات من تاريخ حياتك ترغب فى تقليبها وإعادتها ؟! أى زمان تأمل فى استرجاعه، وتود العيش فيه؟! تأكد أنه بإمكانك أن تحزم أمتعتك وتسافر فى زمنك أينما شئت، ولكن.. قبل أن تقرر السفر وتحدد وجهة الزمن انتبه.. إلى أى زمن انتويت ؟؟ وما جدوى سفرك إليه ؟ وهل ستطول إقامتك فيه ؟! ولماذا؟! أنت وحدك من سيقرر، فقد تستطيع أن تصنع من رحلتك متعة وفائدة، فتعود منها مثلوج الصدر، مصلوح البال، وقد تحيلها إلى مشقة وعناء فتكون رحلة خائبة!! لعلنا فى كل يوم نمارس الرحيل فى أرض الزمن نقلع بذاكرتنا إلى الماضى.. نتأمل ملامحه ونطيل النظر فى تقاسيمه، فقد نرسم البسمة على شفاهنا حين نمر بذكرياته الجميلة وصوره البريئة.. وقد تفيض الدموع من أعيننا حين تطأ أقدامنا بعضا من جراحاته. ولكن مهما كانت من جراحات الماضى أو مآسيه، أجزم لك أخى القارئ أن كل قديمٍ كان جميلا فى كل شىء، بدءا من المأكل والمشرب، نعم.. حيث كانت الحياة أسهل رغم صعوباتها، كان الستر ديدن الكل رغم الفقر والحاجة والعوز، كانت الناس لا تمتلك مصابيحا كهربائية، ولكن أفعالهم الطاهرة كانت تشع نورا وتضيئ الطريق، كانت حياتهم بلا تكييفات لكن المحبة بردت قلوبهم ونسمت حياتهم، كانوا يقطعون الأميال لوصل الأرحام على الرغم من صعوبة المواصلات، كانوا لا ينامون ليلهم وجارهم مريض، كانوا يهرعون إلى مساعدة الأخرين ويقومون بالواجب دون أوامر تُسن وتصدر، إلا من أخلاقياتهم وقيمهم التى تربوا عليها ولم يتنكروا لها. كم من قيم تعلمناها صغارا وباتت اليوم استثناء بعد أن كانت قواعد وأصولا يتوارثها الأجيال، كان للكلمة وقع عند الرجال أوثق من كل العهود والعقود، واليوم حتى العقود والعهود المكتوبة لا تُحترم، كان الصغير يحترم الكبير، واليوم أصبح الصغير يحقر الكبير ويسفه رأيه، كان الجار يربى أبناء جيرانه إن صدر منهم خطأ، حيث كانت الجيرة أشبه بصلة الأهل والإخوان، أما اليوم تُرتكب جرائم القتل والحرق وسفك الدماء إن تحدث جار بكلمة واحدة محاولا أن ينصح بها أبناء جاره أو يوجههم، كانوا يقولون قديما الأقارب عزوة، واليوم تتردد جملة الأقارب عقارب، كان الأخ يدافع بكل ما يملك من أجل إخوته فينجح إذا نجحوا ويفشل إذا فشلوا، واليوم أصبح يتمنى زوال النعم من أهله الذين تربطهم به علاقة الدم، لقد حل الإجرام محل الاحترام، واستبدلت الأمانة بالخيانة، واخترقت الرذيلة الفضيلة، واختلط الحابل بالنابل، فعطبت القلوب، وفسدت النفوس، وتلفت الأرواح، فتجمدت القرائح. آآه يازمن الصدق والحب الجميل هل من الممكن أن تعود؟؟ ربما يعود.. لو ندمنا على أخطائنا فى حق أنفسنا وفى حق غيرنا، ومحونا هذا الرصيد من الآثام التى اقترفته أيدينا.. ربما يعود لو أخذنا من قسوة الحاضرة عبرة نعيد من خلالها ماضينا بقيمه وعاداته الأصيلة التى ألقينا بها فى بئر عميق بدعوى الحرية، ربما يعود لو نقشنا تاريخ الماضى وأمجاده بنبضات قلوبنا وعاشته جوارحنا وأحاسيسنا.. ربما يعود لو شققنا خطا بأقدامنا للخير ومن أجل الخير.. ربما يعود لو نقينا قلوبنا ووصلنا أرحامنا واهتممنا بجارنا.. ربما يعود لو وحدنا كلمتنا وقضينا على انشقاقاتنا وسرنا معا فى صف واحد.. ربما يعود لو جعلنا من ماضينا شمساً تشرق على حاضر أيامنا.. فنصنع من خلالها غدا أفضل.. ربما يعود لو ندمنا على فرطنا فيه من حقوق الله، وعلى كل ورقة سقطت من شجرة أعمارنا لم تشهد لنا إلا بالهفوات والتقصير.. ربما يعود لو أوقفنا متاجرتنا بالدين وبالوطنية.. ربما يعود لو جعلنا من الماضى أرضا نشد رحال تفكيرنا إليها.. فهل يتحقق ذلك؟!!،ربما ولكننا الآن لا نملك إلا أن نبكى على الأطلال. المشهد .. درة الحرية المشهد .. درة الحرية