كُنْ كما أنت بقامتِك ولا تنحنِ تحت المِقصَلة وضَعْ رَبِك نُصب عينيك ولا تَستجدِ أياماً مُزَيلَة واَمتطِ فرسك الجامح بسماءِ التمنى ولا تَزهد صَهيلَه فهزيمتك بقانون الحياة قد تكون نصراً بقانون الآخرة لم يكن فاصلاً شعرياً أو ما شابه، لكنها مجرد ارتجالات افرزتها انعكاسات التجربة وما تحويها من يوميات ثقيلة متخمة بإرادة مُذَبذبة ومعاناة مطولة والتى دائماً ما تُدخِلنا فى صراع لا يمكن التكهن بنهايته ، فكثيراً ما تعصف الدنيا بنا وتحفظ لنا بين دفاترها يوميات قاسية .. قد تكون أشبه بتفاصيل مشهد النهاية لمناضل عنيد تحت المِقصَلة يتحدى الألم ويستلهم القوة والسكينة من مصدر النور الساطع بقلبه رغم غروبه عن دنياه، وقد تكون غير ذلك، فقد تتباين المشاهد الختامية وفقاً لتركيبة أصحابها. إذن ما الذى يفعله الابتلاء بالبشر ؟؟ وكيف يكون رد الفعل الانسانى عليه ؟؟؟ هناك من يَهتِك (الابتلاء) عرض صَبرِهم ويَجعلهُم عرايا بمرآة الإيمان، عندما تلحق بهم الهزيمة فى ساحة الاختبار، وتُشهِر أسلحتها مجتمعة فى وجوههم، بينما يتواروا خوفاً خلف صليل السيوف المتحرشة ويصبحون مجرد (صيد سهل لا متعة فى اصطياده)، فإذا ب (جهاد النفس) يخونهم ويخرجون من الدنيا خالين الوفاض. وهناك من أمكنهم (المواربة) مع الأهوال، فلا يسمحوا لها أن تمُر بأكملها ولا يقفوا فى وجهها بسذاجة الظافر المُغيَب.. تلك هى لعبة التوازن التى تؤرجحهم على حبال الأقدار، ولكن عليهم الاكتراث والحذر من السقوط أرضاً، كما عليهم أن يعطوا أنفسكم هامشاً من التقاعس المقبول فى بعض الممرات، فلسنا ملائكة فى النهاية، ولكننا بشر نملك اختياراتنا، فنُحَاسَب عليها، ونحاور اختباراتنا بالدعاء فيتلطف الله بنا. كما يوجد فريق ثالث تنهشه الصدمة ويقع فى مرحلة وسطية ما بين الهزيمة وذكاء المحاورة.. هُم أصحاب عقول مُتنصِلة من ذنب الظنون، وقلوب متوقفة عن الاحساس اللحظى بما حولها، وأرواح مُعَلقة فى برزخ الأحداث بلا هوية أو مأوى.. هؤلاء الذين يخطفهم الشتات ويَحسِمون الجولات الصعبة بهروب وجدانى من هذا وذاك، و(هُم) الأكثر شقاءً، إذ يظلوا قابعون بوعيهم المعَطل فى فناء شخصياتهم الخلفية، فتتقاذفهم نيران الهواجس المستعرة، وغالباً ما يظلوا آسرى فى نفق هروبهم المؤقت، الذى يباغتهم بإقامة جبرية رهناً للاحتجاز الطويل. وأخيراً تجىء النُخبَة.. أصحاب القلوب الواثقة المطمئنة.. الطائرون (كالريشة) فى مهب الرياح الألهية.. الصفوة من بنى البشر الذين يسيرون فى دروبهم بحدس إيمانى بالغ الشفافية والصفاء.. المُتَوجون ب (صَبرٍ) لا يتحلى بها سوى أصحاب الأحمال الثقيلة شكلاً والخفيفة مضموناً.. هؤلاء من أولى القلوب المنتفضة فى عشق الذات الالهية، الذين تهون عليهم ابتلاءاتهم بعونٍ إلهى و مددٍ ربانى يستحقونه. وجميع هذه السيناريوهات أعتبرها فى رأيى (يوميات تحت المِقصَلة) مع تفاوت درجة الأداء.. فالصراع دائم ومتواصل ومتداخل الأطياف والانكسارات الضوئية المتمازجة بين المعاناة والصبر.. الادراك والجنون.. الارادة والهزيمة.. السكينة والاضطراب.. الارتواء والخواء.. ولنا أن نتخيل الشىء ونقيضه يجتمعان فى تربص على طاولة الأحاسيس المتضاربة تحت وطأة الظروف والاختبارات. أتمنى أن نَنجوا من تحت المِقصَلة بأعناق يافعة تتدفق بها دماء الصلادة والكبرياء حتى وإن كانت نازفة بحكم الاحتكاك الواجب، ولا أن نخرج من اليوميات القاسية بأعناق راكعة تنظر لأسفل، ليس خشوعاً بل خوفاً من النظر فى مرآة الذات الكسيرة وما يتدلى بها من وخزات ندم على سوء الاختيار وركاكة الأداء. المشهد .. درة الحرية المشهد .. درة الحرية