هناك قبلات تمنحنا لحظات من السعادة المؤقتة ، وقبلات تمنحنا سعادة دائمة ،وقبلات تمنحنا حياة !هذه هي القبلات التي منحتني الحياة: الأولى :عندما ناقشت رسالة الدكتوراه ،ولم يستطع والدي الحضور لأنه مريض وكم أحزنني هذا الأمر، إلى أن جاء اليوم الذي حلمت به طويلا ، وتمت المناقشة فاتصل والدي بأحد أقاربنا من الحضور سائلا عن تقديري فقال له :( مبروك يا عم محمود مرتبة الشرف الأولى ) وعدت إلى منزلي فما كان من والدي سوى قبلة على جبيني باكيا وقائلا: ( شرفتيني ورفعت راسي ربنا يحفظك) وبعدها بعام فارقني صاحب القبلة التي أسعدتني وأبكتني ! في حياة والدي كنت دائما مشغولة بهذا القلب الذي علمني ورباني على قيم الدين والأخلاق، كنت مشغولة بحالته الصحية ،ولم تكن جملة (بابا انت عامل ايه ) مجرد أحرف جوفاء بل عبارة تعني أن حياتك هي حياتي، فارجوك كن بخير! وبعد وفاة والدي ظللت مشغولة باطمئنان من نوع آخر: ( كيف حالك فى العالم الآخر ) يا والدي فى الدنيا كنت أطمئن بنفسي عليك، ألمس بيدي كل شئ ،أرتب لك حاجاتك فكيف لي أن أعرف كيف أنت الآن ؟ وفي يوم جمعة رأيت أبي في مشهد لا أنساه أبدا ،حيث عدد من الناس وأنا مصرة على الاطمئنان على والدي والدخول إليه ،فرأيت وجها نضرا جميلا مبتسما وأعين خضراء! وقبل أن أسأله عن أى شئ أمسك يدي وقبلها هو! يا الله كيف لي وأنا التي أطلب رضاك عني ،وأقبل يديك وجبينك، وكنت أسأل الله أن يسامحني لوأن ثمة تقصير مني ؟ إنها قبلة موت وحياة ! الموقف الثاني عندما قبلتني أمي على جبيني، عندما قررت بعد وفاة والدي السفر إلى السعودية بعد أن رفضت عشرات العروض من السفر من قبل في حياة والدي ،أمي كانت تعلم أن تعلقي بها تعلق طفل صغير لا يري الحياة ولا يشعر بها إلا في أحضان أمه، ودائما كانت تشفق علي من أوجاع الزمن واكسارات الحياة ،لم افارقها لحظة هي ووالدي ،رفضت كل شئ من اجل البقاء معهما حتى الخروج العادي كنت أخرج بحساب فلا شئ يستحق سوى الحياة مع أمي وأبي ! قررت فجأة السفر ،وجاءت لحظة الوداع فالتقت العيون وهي تتساءل: كيف لهذه القلوب أن تفترق ،وأنتما معا روحا واحدة ! تزاحمت الأسئلة ،وتساقطت الدموع ،ثم كانت اللحظة الفارقة وقبل أن أقبل جبين أمي ،قبللتني هي فانسالت دمعة من قلبي لم تجف بعد حتى الآن ! القبلة الثالثة التى لم أنسها عندما كنت في مكتبي، وفي الممر المؤدي اليه أجد طالبة تخترق زحام البوابة ،وتقتحم ضجيج وصخب الطالبات في أول يوم دراسي، مسرعة إلي ثم تصر على الدخول إلى مكتبي ،وأسمعها تقول :( فقط أريد أن أقبل جبين أستاذة سحر ،لأنها درستني العام الماضي وتعبت معنا ،) وبالفعل أقبلت الطالبة مسرعة باسمة و طبعت قبلة على جبيني ! بينما لم ينطق لساني بكلمة واحدة ، فقد ترك هذه المهمة الصعبة لقلبي الذي انسالت دموعه فرحا بلحظة وفاء تعادل الحياة! رحم الله والدي الحبيب وحفظ الله أمي وبارك الله في طالباتي الأوفياء. ----------- [email protected] المشهد .. درة الحرية المشهد .. درة الحرية