تعرضت سفينة الصحف المستقلة المصرية لأزمات عدة على مدار الأيام الماضية، تنوعت بين الإغلاق التام، أو إيقاف صدور العدد، وكذلك التضييق على بعضها لأسباب تتعلق بسياساتها التحريرية، ومنع نشر مقالات لعدد من الكتاب بعينهم، ناهيك عن حصار الصحفيين بالتشريعات القانونية، وتوجيه تهم بث الأخبار الكاذبة لهم، ما أحدث قلقا كبيرا بين الصحفيين العاملين بتلك المؤسسات، مع تكهنات باختفاء تلك الصحف تماما عن المشهد خلال سنوات، واقتصار الحياة الصحفية فى مصر على المؤسسات القومية، كما كان الحال خلال فترة ما قبل التسعينيات وحتى مطلع الألفية الثالثة. وأدت سيطرة رجال الأعمال على معظم الصحف المستقلة فى مصر، لاسيما عقب ثورتى 25 يناير و30 يونيو، إلى تحكمهم فى كل ما يتعلق بها، سواء الجوانب الإدارية أو التحريرية، وصولا لإيقاف صدورها تماما كما حدث مع جريدة "التحرير"، التى يمتلكها رجل الأعمال أكمل قرطام، والإعلان عن إيقاف صدور جريدة "البديل" نهاية نوفمبر الجارى، وكذلك منع عدد من الكتاب من نشر المقالات بجريدة "المصرى اليوم"، أبرزهم تامر أبو عرب وجمال الجمال، لمهاجمتهما نظام الرئيس عبدالفتاح السيسى بشكل مستمر، عقب القبض على مالكها رجل الأعمال صلاح دياب. يأتى ذلك وسط تردد أنباء عن توقف عدد من المواقع الإلكترونية الإخبارية مثل "فيتو" و"دوت مصر"، خلال أشهر، وتأخر صرف الرواتب بمؤسسات كبيرة مثل "المصرى اليوم" و"الشروق"، فيما يزداد غموض مصائر الصحفيين المفصولين من الجرائد والمواقع المتوقفة عن الصدور. لكن إحدى الأفكار المطروحة للإنقاذ، تمثلت فى تأميم الصحف المستقلة، بجعل الدولة شريكا فى الأسهم، حتى تكون ضامنا لاستمرار المؤسسة، وحفظا لحقوق العاملين بها، إضافة لتقليل أعداد المواقع والصحف المستقلة، لضمان حقوق صحفييها. ورفض أحمد حمدى، أحد الصحفيين الشباب الذى يعمل بالمهنة منذ 8 سنوات تنقل خلالها بين عدة مؤسسات، فكرة تأميم الصحف، بجعل الدولة شريكا فى المؤسسة، مؤكدا أن ذلك سيؤدى لهروب الاستثمارات من صناعة الصحافة، وعدم وجود منابر حرة، تنتقد الحكومة، أو تؤدى أبسط أدوارها فى كشف فساد الدولة. وضرب الصحفى الشاب مثلا بجريدة "النبأ" ونجاحها اقتصاديا بفضل تدبير موارد للمؤسسة، وتأسيس مطبعة خاصة بها، إضافة لطبع كتب ومجلات متنوعة، تدر أرباحا للمؤسسة. وأكد ضرورة إيجاد موارد دخل للصحف المستقلة وتنويعها وتنميتها، للتحرر من سطوة مصالح رجل الأعمال، عن طريق المشروعات الثقافية للمؤسسة، إضافة لضرورة عقد دورات تدريبية للصحفيين، والاستفادة من التطور التكنولوجى ودعمه للمواقع بأموال الإعلانات مثل "جوجل" و"يوتيوب" وغيرها. أما الكاتب والصحفى أحمد الصاوى،فأوضح أن الصحف المستقلة تعانى أزمة هيكلة، حيث تعتمد على فرد واحد، إضافة للتحايل على قانون الصحافة الذى ينص على ملكية الصحيفة لعشرة أشخاص، بواقع 10% لكل منهم، وعدم وجود صلة قرابة بين أى منهم. وشدد الصاوى فى تصريحات ل"المشهد"، أن المستثمر الوحيد للمؤسسة يمثل العبء الأكبر على هيكلة المؤسسة، نظرا لتدخلاته وتعارض سياساته ومصالحه الاقتصادية مع هيكلتها، مطالبا بتفتيت ملكية الصحف بين عدد من المستثمرين، لتفويت الفرصة على الدولة بالضغط على المستثمر الوحيد بسبب سياسات الصحيفة، وحماية المستثمرين، وتوزيع الاستثمارات على عدد كبير من الأشخاص، تفاديا للخسارة الكبيرة للشخص الواحد. كما طالب الصاوى إدارات الصحف المستقلة بتنويع المضمون، وإيجاد ناشرين متخصصين بالصحافة، لمنع الارتباك والإنفاق على أشياء غير مجدية، وكذلك إعادة مراجعة السوق الإعلانى لتحصل الصحف على النسب العادلة، وتوزيعها بشكل واضح، ووجود إدارات إعلانات للصحف الصغيرة، خارج الحملات الإعلانية المجمعة التى يمتلكها الوكيل الإعلانى. وفيما يتعلق بتوزيع الصحف، أشار إلى ضرورة زيادة توزيعهابالصعيد، مقترحا أن تتعاون الصحف فى تأسيس شركة لتوزيع إصداراتها بمناطق لا تصل إليها حاليا، أو حتى إنشاء مطبعة هناك لتوفير تكلفة النقل. وذهب الكاتب الصحفى عصام الشرقاوى، إلى ضرورة زيادة الدراسات حول الصحافة المستقلة ككل، وبحث الأسباب التى أنشئت من أجلها، مقترحا فتح الباب فى الصحف المتعثرة لمساهمين جدد، لضخ أموال جديدة، وأن تعيد هذه الصحف النظر فى المضمون، لمواجهة تغول المواقع الإلكترونية والفضائيات، خصوصا بعد تراجع توزيع الصحف الورقية، ما أدى إلى تراجع الإعلان بها، نظرا لاستقطابه من قبل المواقع والفضائيات. وتابع الشرقاوى فى تصريحات ل"المشهد": "يجب عقد مؤتمرات بين صناع الصحافة المستقلة، لبحث العوائق أمامها، بعد أن أصحبت الشريحة الكبرى من الشباب يعتمدون على الإنترنت، والبحث عن مغريات لجذب المعلنين، الباحثين عن الانتشار الأوسع، والأقل تكلفة، والتأميم مرفوض كليا، لأنه سيؤدى لهروب الاستثمارات المصرية والعربية من صناعة الصحافة بشكل عام".