يظل الشاعر المصرى الكبير طاهر أبو فاشا حالة فريدة فى الشعر العربى فى القرن العشرين، سوف يمنحه البعض لقب راهب الليل مستعيرا هذا اللقب من اسم ديوانه الشعرى الشهير، وسوف يعتبره البعض واحدا من أكبر ظرفاء عصره، على الرغم من أن حياته كانت قصيدا دراميا مأساويا، خاصة فى السنوات الأخيرة من عمره، حين فقد ابنه الشاعر الواعد فيصل طاهر أبو فاشا، ولأن الحياة تعلمنا أنه لا يميت الرجل حتف أنفه إلا وفاة ابنه على حياة عينه، فقد كانت وفاة فيصل مقدمة لوفاة الشاعر ذاته بعد شهور قليلة جدا. تميزت قصيدة طاهر أبو فاشا على المستوى الفنى باهتمامها الكبير بالعاطفة الإنسانية الجياشة، التى تستخرج أصفى ما فى نفس الشاعر من أحاسيس، وتخاطب أجمل ما فى نفس المتلقى من مشاعر، كما تميزت بمنطقية مدهشة فى رسم الصورة الشعرية، فهو لا يتفنن فى الجرى الحثيث وراء الصور الغريبة أو التركيبات الغامضة واللامنطقية ، فالصورة عنده وسيلة لا غاية ، يتوسل بها طاهر أبو فاشا لتعميق الإحساس وإيصال المعنى، وهو لا ينشغل بها إلا بقدر ما تمنح قصيدته من شاعرية محلقة وإنسانية دافئة وتحليق فى فضاءات المعنى، كما تميزت بالتواصل الحميم مع التراث العربى . فى أصفى منابعه والتماهي معه بصورة مذهلة. هو فى "القيثارة السارية". وفى "دموع لا تجف"، وفى "الليالى"، كما فى بقية دواوينه ، يكشف عن روح شديدة المصرية، بكل ما تحمل الروح المصرية من سمات. وهو فى "شهيدة العشق الإلهى رابعة العدوية" يكشف عن نفس شديدة التوهج الصوفى السامى. ثم هو فى معالجته الدرامية المعجزة لألف ليلة وليلة، يكشف عن تمثل عميق للتراث الصوفى على الرغم من صعوبته وخصوصيته وتميزه. إذا ما أردت أن ترى الشخصية المصرية فى صبرها وجلدها ، فإنى أدعوك لأن تقترب من حياة هذا الشاعر الفريد ، وإذا ما أردت أن تراها فى ظرفها الإنسانى وروحه الساخرة،فإنى أدعوك لمتابعة نوادره وحكاياه ومسامراته وحتى كتبه ومؤلفاته المشهد .. درة الحرية المشهد .. درة الحرية