دخل “بنك التنمية الإسلامي”، مع “البنك الدولي”، والأمم المتّحدة، في بحث جدّي لإصدار سندات مالية لمساعدة اللّاجئين المشرّدين، ودعم عمليات الإعمار في المنطقة التي تمزّقها الحروب، وتشمل سورية والعراق واليمن وليبيا، وإيجاد سبل تخفيف الأزمة الإنسانية والاقتصادية الناجمة عن الصراعات التي تشهدها هذه الدول، وذلك انطلاقاً من أنّ حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تؤثّر في العالم بأسره، ليس من خلال تدفّق موجات النازحين فقط، بل أيضاً من خلال الإرهاب والتذبذب في أسعار النفط. وقالت مؤسسة الفكر العربي: تُطالب المبادرةُ التي أُطلقت بعد اجتماعٍ لصنّاع السياسات العالميّين، عُقد مؤخّراً في ليما عاصمة بيرو، مجموعةَ الدول السبع ودولاً أوروبيّة أخرى، بأن تجمع مليارات عدّة من الدولارات خلال فترة تتراوح بين خمس وعشر سنوات، لدعم مراحل تنفيذها، وتوفير ضمانات لسنداتٍ، بعضها إسلامي، أو صكوك تستهدف المستثمرين في المنطقة، فضلاً عن تقديم منح لخفض أسعار الفائدة للدول التي تستضيف الجزء الأكبر من اللّاجئين، لتصل إلى مستوى الصفر؛ وستضع مجموعة دولية اللمسات الأخيرة على تفاصيل عملية جمع الأموال المقترَحة بحلول فبراير 2016. ونوهت المؤسسة في دراسة أعدها المحلل الإقتصادي عدنانكريمة: الى تأكيد المجتمع الدولي في الاجتماعات السنويّة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي عُقدت في أكتوبر الماضي في ليما على خطورة الوضع في كلٍّ من سوريا واليمن، محذّراً من تداعياته، وخصوصاً أنّ الأمم المتّحدة تتوقّع وصول مئات الآلاف من المهاجرين إلى أوروبا هذا العام نتيجة فرارهم من الحروب والفقر، في أكبر موجة نزوح منذ الحرب العالمية الثانية. ومن هنا تبرز ضرورة احتواء هذه الأزمة ومساعدة تلك الدول على استعادة الاستقرار والعودة إلى طريق التنمية والنموّ. وسيتمّ تخصيص الأموال المجمّعة من السندات والصكوك الإسلامية لدعم اللّاجئين والإسهام في تمويل مشروعات إعادة الإعمار، مع العلم أنّ أحدث تقرير قدّر تكلفة إعادة بناء ما هدّمته الحرب في سوريا بأكثر من 200 مليار دولار. والصكوك الإسلامية، أو ما يُسمّى “الأوراق الإسلامية” عبارة عن إصدار وثائق رسمية وشهادات مالية تُساوي قيمة حصّة شائعة أو ملكية ما، سواء كانت منفعة أم حقاً أم مبلغاً من المال أم دَيناً، وتكون هذه الملكية قائمة فعلياً أو في طور الإنشاء، ويتمّ إصدارها بعقد شرعي ملتزم. وتقوم فكرة الصكوك الإسلامية على المشاركة في تمويل مشروع، أو عملية استثمارية متوسّطة أو طويلة الأجل، وفقاً للقاعدة الفقهيّة الإسلاميّة التي تقول: ” الغنم بالغرم”، بمعنى “المشاركة في الربح والخسارة”، على منوال نظام الأسهم في شركات المساهمة ونظام الوحدات الاستثمارية في صناديق الاستثمار؛ ومن أهمّ مميّزاتها هو الاشتراك في الربح والخسارة، إذ تعطي لمالكها حصّة من الربح، وليس نسبة محدّدة مسبقاً من قيمتها الاسمية. وحصّة حملة الصكوك من أرباح المشروع أو النشاط الذي تموّله تُحدَّد بنسبة مئوية عند التعاقد. فمالكوها يشاركون في “غنمها” وفق الاتّفاق المبيّن في نشرة الإصدار، ويتحمّلون “غرمها” بنسبة ما يملكه كلّ منهم. وتصدر الصكوك بفئات متساوية القيمة، لأنّها حصصٌ شائعة في موجودات مشروع معيّن أو نشاط استثماري خاص، وذلك لتيسير شراء هذه الصكوك وتداولها. أزمة مالية عالمية ثانية وقالت المؤسسة: تحصل كلّ هذه التطوّرات في وقت يتّجه فيه الاقتصاد العالمي نحو أزمة مالية عالمية ثانية بعد سبع سنوات على الأزمة المالية الأولى في العام 2008 إثر أزمة الرهن العقاري التي أدّت إلى إفلاس بنك “ليمان براذرز” في الولايات المتّحدة، وتبعتها أزمات متعاقبة في عدد كبير من الدول المتقدّمة، وخصوصاً في أوروبا التي عانت طيلة السنوات الماضية من مخاطر كثيرة، بسبب أزمات المديونية، ولا تزال تواجه تداعياتها، مثل اليونان وبولندا وإسبانيا والبرتغال. وتأتي خطورة الأزمة المالية الثانية المرتقبة، وسط تفاقم مشكلات ناتجة عن فشل السياسة النقدية والمالية في جميع أنحاء العالم، وبروز علامات تباطؤ الربح والنموّ الاقتصادي في الولايات المتّحدة، وعثرات تواجه الدول الكبرى والناشئة، بدءاً من انهيارات أسعار النفط والسلع والمعادن، مروراً بتباطؤ النموّ في الصين، ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم. وتعاني روسيا مشكلة اقتصادية هيكلية، بسبب استنزاف عوائدها النفطية، كذلك يشهد الاقتصاد الياباني بدوره تراجعاً مستمرّاً في معدّلات النمو وسط انكماش مستوى المعيشة. وقالت مؤسسة الفكر العربي: من أجل ذلك خفض صندوق النقد الدولي توقّعاته لنموّ الاقتصاد العالمي في آخر تقرير له صدر في أكتوبر لماضي بنسبة 0.2 في المائة إلى 3.1 في المائة في العام 2015 ونموّ 3.6 في المائة في العام 2016، محذّراً من المخاطر الناجمة عن تباطؤ الاقتصاد الصيني وعدد من الأسواق الناشئة، ووصف الصندوق الاقتصاد العالمي بأنّه يتّجه إلى أسوأ عامٍ له منذ الركود العالمي في العام 2009، بعدما كان قد سجّل نموّاً بنسبة 3.4 في المائة في العام الماضي. وأكّدت المدير العام للصندوق كريستين لاغارد أنّ النموّ المتوقّع للعامَيْن الجاري والمقبل لن يكون كافياً لتلبية احتياجات القضاء على الفقر والبطالة، ودعت واضعي السياسات حول العالم، لاتّباع أفضل الممارسات المالية والاقتصادية التي تؤدّي تلقائياً إلى تنشيط النموّ. وقالت المؤسسة: من هنا تبرز أهمّية تطوّر الاقتصاد الإسلامي ودوره في الاقتصاد العالمي، وخصوصاً أنّ المراقبين يتوقّعون أن تنقل القمّة العالمية للاقتصاد الإسلامي، التي عُقدت في مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في دبي، العالم إلى مرحلة اقتصادية جديدة، تشكّل فيها الاستثمارات الإسلامية العصب الحيوي للنشاط الاقتصادي العالمي. ولفتت الى أنه ومع انهيار النظام المالي التقليدي في أزمة العام 2008، لم تتأثّر الأصول الإسلامية، ما شجّع كبرى المراكز المالية في العالم على الاهتمام أكثر بتطوّر منظومة الاقتصاد الإسلامي الذي أثبت حضوره كرافدٍ أساسي للاقتصاد العالمي. وقد سجّلت الإمارات نجاحاً كبيراً في استقطاب الاستثمارات الإسلامية، وشكّلت دبي نموذجاً مثالياً من خلال تطويرها لقطاعات مختلفة، على رأسها التمويل الإسلامي، حيث تبوّأت المركز الأول عالمياً في إدراج الصكوك، كما تفوّقت في عقد الشراكات التجارية. وتشير الدراسات إلى توجّه عالمي ونموّ حقيقي في الصكوك السيادية وأدوات التمويل الإسلامي التي يبلغ حجمها عالمياً نحو 1.8 تريليون دولار، ومرشَّحة لتتضاعف 75 في المائة خلال السنوات الخمس المقبلة، وخصوصاً أنّ حجم إنفاق المسلمين يُتوقّع أن يرتفع من 1.8 تريليون دولار في العام 2014 إلى2.6 تريليون دولار في العام 2019، وذلك عبر جميع قطاعات الاقتصاد الإسلامي، ومع وفرة الثروات والأصول الإسلامية، تحظى الصكوك السيادية باهتمام متزايد من قبل المستثمرين الباحثين عن عائدات ثابتة بأقلّ المخاطر على المدى الطويل.
ضمانة ضدّ الأزمات ولفتت المؤسسة الىأنه وفي افتتاح القمّة الاقتصادية الإسلامية في دبي، وصف الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس دولة الإمارات ورئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، منظومة الاقتصاد الإسلامي بأنّها منظومة تتناغم فيها الأخلاق مع الإبداع في العمل، والالتزام العالي بغايات التنمية الحقيقية لتكون نتائجها بحجم آمال شعوب الأرض كافة وتطلّعاتها، مهما اختلفت الساحات أو العوامل والظروف، وقال: ” إنّ الاقتصاد الإسلامي ليس وسيلة لإنتاج السلع ونموّ الثروات فحسب، بل هو حاضنة إنتاج القيم والأخلاق التي تحقّق رفعة الإنسان وتطوّر الشعوب، ولا أظنّ أنّنا في حاجة لبذل جهد كبير في إقناع العالم بجدوى الاقتصاد الإسلامي، لأنّه، وبكلّ بساطة، بات يشكّل ضرورة موضوعية ملحّة للخروج من الأزمة الاقتصادية المتواصلة حتّى اللحظة”. ومؤكّداً ” أنّ الاقتصاد الإسلامي ليس وسيلة لعلاج الأزمات، بل هو الضمانة الأكيدة لعدم تشكّلها من جديد”. واشفت: لقد أثبتت نتائج الأزمة المالية العالمية الأولى في العام 2008 أنّ صناعات الاقتصاد الإسلامي أكثر قوّة من الصناعات التقليدية، وخصوصاً مع تطوّر أدوات التمويل وتكاثر عدد المسلمين الذي يزيد على ربع سكّان العالم، ويبلغ حالياً نحو 1.7 مليار نسمة، ويتوقّع أن يصل الى 2.2 مليار بحلول العام 2030. وتشير التقديرات إلى أنّه من أصل 25 بلداً هي الأكثر نموّاً في العالم، هناك 10 بلدان تتمتّع بغالبية مسلمة، وتزيد قيمة الناتج المحلّي الإجمالي لدول منظّمة التعاون الإسلامي (57 دولة) على 6.7 تريليون دولار. ويؤكّد صندوق النقد الدولي أنّ معدّل نموّ الاقتصادات التقليدية بين العامَيْن 2015 – 2019 سيصل إلى 3.6 في المائة، في حين أنّ النموّ القويّ المتوقّع أن تسجّله اقتصادات دول المنظّمة الإسلامية يصل إلى 5.4 في المائة، بحيث يصبح حجم الاقتصاد الإسلامي العالمي نحو 3.75 تريليون دولار، ما يدلّ على أنه يسير بخطىً واثقة ومتسارعة نحو ذروة نموّه وازدهاره. ولكن، على الرغم من كلّ هذه التطوّرات الإيجابيّة، فإنّ الاقتصاد الإسلامي لن يكون بديلاً من الاقتصاد العالمي، بل مكمّلاً له ومساهماً في دعم مسيرته الإنمائية.