تحركت الطائرات الروسية لإنقاذ الأسد، كما تحركت قواتهم وجحافلهم فى السابق لإنقاذ حليفهم نجيب الله.. فى أفغانستان وكان انفجار الوضع لما لا نهاية. وما طلبه بوتين وافق عليه مجلس الاتحاد الروسى صباح 30 سبتمبر بالسماح باستخدام القوات الجوية الروسية خارج الحدود بما فيها سوريا، والذى أكد بعده مباشرة مدير الديوان الرئاسى سيرجى إيفانوف إن القرار يطال السماح باستخدام القوات الجوية فى سوريا، وهو ما شاهدناه فى نفس اليوم من ضربات وجهت لمعارضى بشار. الطائرات الروسية والدعم الروسى كان موجودا من قبل لبشار الأسد ولكنه زادت بعد أزمة الأخير، وبعد زيارة قاسم سليمانى زعيم الجهاديات الإيرانية فى سوريا والعراق، وأقر الجميع بسيناريو الدعم المكشوف لنظام الأسد المترنح. سوريا وما فيها من فوضى وتوحش، تملأه داعش وبقايا الأسد من جهة والمعارضة المعتدلة من جهة أخرى، هى ليست أوكرانيا التى سمح نفس المجلس لبوتين باستخدامه قواته المسلحة فيها فى مارس 2014، ليست نفس السياقات، ولا المسارات ولا القوى المسلحة الأيدولوجية، لا يملك فيها الروس من يؤيدونهم كما كان فى جمهورية القرم التى ضمها لبلاده سريعا. أتت الخطوة الروسية بعد يومين فقط من لقاء الرئيس الروسى مع نظيره الأمريكى باراك أوباما على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد اجتماع استمر ساعة وأربعين دقيقة، فيما كان وقته الرسمى المعلن 55 دقيقة فقط، انتهى بتصريح بوتين أن العلاقات بين بلاده وبين الولاياتالمتحدة وصلت لأدنى مستوياتها، باختيار واشنطن وليس باختيار موسكو حسبما قال. وكان واضحا اختلاف موقف كل منهما بخصوص سوريا والعديد من المسائل الأخرى، فقد تناقضت مواقف الرئيسين الروسى والأمريكى بشكل خاص حول مستقبل الرئيس السورى بشار الأسد، وبشأن العمل معه لمواجهة "داعش"، إضافة إلى الاختلاف حول مسئوليته عن الوضع فى بلاده. كما اختلف الرئيسان فى رؤيتهما لأسباب ظهور "داعش"، وفيما تحدث أوباما عنها كما لو أنها ظهرت فجأة من لا شىء، شدد بوتين على أن التنظيم لم "يسقط من السماء"، بل جرت رعايته كأداة ضد الأنظمة غير المرغوب بها، وأنه تمكن من ملء الفراغ الذى نتج عن الفوضى فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، واستفاد من غزو الولاياتالمتحدة للعراق عام 2003 بانضمام الآلاف من جنود الجيش العراقى الذى حلته واشنطن. كما تعارضت وجهات النظر الروسية والأمريكية بشأن أوكرانيا، إذ تمسك أوباما بتحميله روسيا المسئولية عن هذه الأزمة التى نشأت بفعل نشر ما يعرف بالثورات الملونة واشتعلت بعد الإطاحة برئيس البلاد الشرعى. ربما يتفاءل البعض ويرى فى الحضور الروسى القوى والمعلن بموازاة الولاياتالمتحدة والتحالف الدولى للحرب على داعش فرصة للضغط من أجل حل سياسى والخروج من السرداب اللانهائى للأزمة السورية، حيث يحضر الأقوياء وإمكانات الدمار المتبادل فيضطرون للتنازل المتبادل وإجبار الفاعلين الأقل على القبول بحل وسط! ولكن ما نظنه أن بوتين الذى يسعى كما يبدو بإصرار على إعادة نظام القطبية الثنائية وتحدى الولاياتالمتحدة والغرب والانتقام منها بسبب العقوبات التى تؤثر بشكل واضح على الاقتصاد الروسى، وأنه يسير فى نفس اتجاه آخر معارك الاتحاد السوفيتى السابق فى أفغانستان، ربما مع فارق سلبى وحيد أعلنه بوتين والإدارة الروسية وهو أنه لن تتم الاستعانة بالقوات البرية وأنه أمر مستبعد. والقوات الجوية لا تحسم حربا.. ولكن مع وجود نمط حرب العصابات فى سوريا ووجود ميليشيات قوية على الأرض ستنتقم من مستهدفيها، والخلاف البين والواضح فى الرؤيتين الروسية والأمريكية، حيث يستهدف بوتين إنقاذ الأسد والقضاء على معارضته دون داعش، ويستهدف التحالف داعش دون المعارضة ويطالب برحيل الأسد. وحتما النتائج هى التى ستحسم المعارك، إما بإنقاذ الأسد على يدى قوات "بوتين"، وربما تنزلق مرة أخرى إلى مستنقع التجربة الأفغانية، فى حال اضطر إلى التدخل البرى.