على مر الدهر سمعنا عن أناس عاشوا وماتوا وظلت أسمائهم تُذكر أكثر مما تذكر وقت أن كانوا على قيد الحياة.. هؤلاء المناضلون من كتاب الكتب والمقالات والشعر الذي يهاجم السلطة ويحرض الناس ضدها؛ عاشوا وماتوا وهم واقفون ثابتون مستمرون بكل قوة في الدفاع عن قضيتهم, رغم ممارسات السلطة المستمرة ضدهم بالقهر الشديد سواء كان بالتضييق عليهم تاره إذا كانوا قد تبوأوا مكانة كبيرة في المجتمع, وباعتقالهم تارة إذا كانوا متوسطي الشهرة وتعذيبهم تارة أخرى إذا كانوا في البدايات.. وكانوا وإن اختلف الغالبية معم فالجميع يقدروهم ويثمنون قيمتهم وقامتهم ويحترمون أراءهم ومواقفهم ومبادئهم الثابتة ولم يخوضوا ويستبيحوا أعراضهم.. والبعض الأخر وكانوا قليلون بنسبة لا تُذكر يتهمونهم بأنهم عديمي التربية. الأن تُنتهك أعراض مثل هؤلاء ليل نهار من غالبية الشعب؛ فقط لأن الناس في مصر باتت تُصدق أكاذيب السلطة وإعلام النظام ومنافقيه بأن هؤلاء عملاء للأمريكان والأوروبيين والإسرائيليين وللقطريين وهم جميعاً ممولين ويريدون هدم الوطن كما يريدون من مولوهم, فضلاً عن الخوض الجنسي في أعراضهم وأعراض أسرهم.. يصدقون لأن الناس لم تعد لديهم قناعة بأنه يوجد على أرض هذا البلد من هو على أتم استعداد ليفقد حياته في سبيل الدفاع عن مبادئه التي يراها هي السبيل الوحيد لإنقاذ هذا الوطن الغارق في الهاوية, دون البحث عن مقابل مادي.. لأن الناس وللأسف أصبح المال هو ملاذها الوحيد ومأمنها.. فطالما غابت الرؤية للمستقبل يصبح المال هو الضامن الوحيد للبقاء.. وهذا ما يفسر سر إصرار الناس على أن وحدة قياس الإنسان الأن في مصر أصبحت هي العُملة. بعد الثالث من يوليو 2013 بدأ هؤلاء يتساقطون واحداً تلو الأخر في بئر الخوف, وهم محقون في هذا تماماً.. فالخوف الأن أصبح واجب على كل من يمتلك أسرة, سواء كان في أعلى درجات الشهرة أو أدناها.. لأن النظام الأن لم يعد يُفرق بين هذا وذاك, وعلى أتم الإستعداد للتنكيل بأسرة أياً من هؤلاء الذين يقولون في وجهه "لا" دون أدنى تراجع.. فالقوانين التي صيغت بليلٍ في العامين الماضيين تجعل كل من يعارض السلطة متهم ب "التأمر على الوطن" على أقل تقدير.. والخوف ليس من الكاتب أو الإعلامي المُعارض على نفسه.. بل على أسرته.. والحقيقة أن النظام سخر القانون لخدمته, وأصبح أي اتهام لأي معارض بمثابة حكم مؤكد عليه لان الصياغة في القوانين أصبحت فضفاضة لتشمل كل شيء.. إنه عصر فُجر السلطة في التعامل مع من ليس معها.. عصر الكرنك - والبريء - واحنا بتوع الأتوبيس! كل إنسان من هؤلاء له عالم صغير هو الأسرة والأهل والأصدقاء, وعالم الكبير هو مصر, ولن يستطيع أن يضحي بعالمه الصغير في سبيل العالم الكبير الذي يسبب له التهديد والأذى النفسي والبدني لأن منه السلطة والفاسدين والمنافقين والجهلاء.. ثم يأتي بمنتهى البلادة واللا مبالاه والتفليط هؤلاء المزايدين المجهولين الجالسين في غرفة المعيشة مع أبائهم وأمهاتهم وزوجاتهم وأبنائهم ويلعقون أظافرم؛ يتهمون هذا بالجُبن وذاك بأنه كان له دور وانتهى, دون ادنى تدبر في حجم المخاطر الذي يواجهها هؤلاء, وعلى أكثر تقدير سيكون رد فعل المُزايد إذا حدث أذى لأحد هؤلاء بأنه في نفس جلسته بغرفة المعيشة سيكتب كلمتين تضامن عبر "الهاشتاج" ويعتقد أنه بهذا قد فعل الواجب تجاه المحبوس ويتركه هو وشأنه يواجه مصيره ومصير أسرته المجهول, وينعم المُزايد بالعيش السعيد مع أسرته. عليكم أن تتأكدوا أن ما من كاتب أو إعلامي صاحب مبدأ ثابت يتنحى جانباً بإرادته حتى ولو لم يُفصح عن التهديدات التي تطاله.. كل صاحب رأي وفكر ما يقدمه عزيز جداً عليه ويعشقه ولن يبعده عنه سوى الخوف الشديد على ما هو أغلى من نفسه, ويكفيه أنه لم يساوم على مبادئه من أجل أن يستمر على حساب خديعة الناس وتضليلهم. في النهاية.. كل إنسان فاعِل في المجتمع له طاقة يواجه بها المعوقات, فإذا جاءت المعوقات فوق طاقته سيتنحى جانباً خشية التهلكة, وسيبحث عن مكانه في موقع المشاهدين إلى أن يستطيع العودة لمواصلة مشواره.. المهم ألا يضعه المزايدون في قفص الإتهام مع المتهمين بالجبن وبيع القضية.. فقط تذكروا شيئاً جيداً كان قد فعله في الماضي القريب يكون شفيعاً له عندكم.