معرض السعادة 8 فى أكتوبر 1973، وفى قلب الحرب، سقط صاروخ إسرائيلى على بلدتى الصغيرة الصناعية "كفر الزيات" ، أتذكر هذا الحدث رغم أننى كنت فى الثالثة من العمر، لأننا كنا نعيش فى منطقة المصانع واتذكر الهلع واللهفة بوضوح لسببين. الأول أن أبى، الموظف الكبير فى واحد من المصانع، كان مسئولاً يومها عن المصنع بالكامل وهو الذى كان بوسعه عمل الإتصالات والتصرف بالأمر. وثانيهما أن فى بيتنا كانت خالتى وصغيريها، كانوا جميعاً فى ضيافتنا لأن والدهم، زوج خالتى كان طبيباً ضابطاً على الجبهة. لآ أتذكر أى شيء قبل أو بعد، فقط صورة واضحة لأبى بجلبابه الأبيض، يحمل إبنة خالتى الرضيعة على كتفه، يقف فى بلكونة بيتنا الأرضية يتابع ألسنة اللهب البعيدة، وأنا أقف على باب البلكونة ومن خلفى أمى تصرخ فينا أن ندخل خوفاً من تطور الأمر، وأبى يجرى على التليفون، ويعاود الخروج للبلكونة وأمى تعاود الصراخ. ثم تختفى الصورة تماما، فى الأغلب يخرج أبى لمتابعة الموقف من أرض الواقع لننى لآ اراه فى صور ذاكرتى البعيدة هذه، ثم يظهر مشهد آخر لا أتذكر توقيته لثلاثة اطفال دون الرابعة، أنا وإبن خالتى الذى فى مثل عمرى وإبنة خالتى الرضيعة، نناقش الأمر فى غرفتى، تحت الفراش، ربما كنا خائفين وهذا سر إختبائنا، لا أتذكر الخوف، ما أتذكره جيداً هو شعورنا بضرورة الرد، وبالقدرة على الرد وبأن الصاروخ الذى نزل سنرد عليه، ثلاثتنا، بصواريخ كثيرة، وكنا نشير إلى أماكن فى الغرفة سنطلق منها الصواريخ إنتقاماً لمن تجرأ! وفى خلفية الصورة، وفى كل حوارالصغيرين كان هناك والدهما الضابط الطبيب على الجبهة فى إحدى مدن القناة، إبن خالتى يذكرنا عدة مرات فى الساعة أنه حين يكبر سيكون " ظابط دكتور" مثل أبيه، وأنا أتخيل أين هو الآن وماذا يفعل، وصورة له أتذكرها جيداً بالزى العسكرى، بالأبيض والأسود، ربما موجودة فى حقيبة خالتى أو معلقة على الحائط أو على منضدة ما، لا أتذكر أين هى ، فقط أتذكر الصورة وكيف كنا نتطلع إليها من وقت لآخر وكأننا نطمئن عليه. فى أسبوع أحداث سيناء الدامى، نفس الأحداث الدامية التى تتكرر فى رمضان كل عام منذ 2012 ضد جيشنا الباسل، تلح على ذكرى هذين القمرين الغائبين بشدة، دون أن ندرى كان هناك من يحمى الحدود على الجبهة الخارجية، ومن يحمى الناس والمصانع والبلد فى جبهتها الداخلية، وكنا على قلب رجل واحد، حتى نحن الأطفال كنا على نفس الموجة الوطنية الواضحة، نرد من غرفنا على صواريخ العدو بصواريخ نبنيها فى خيالنا ونجهزها. ما أحوج سماءنا المعتمه لهذين القمرين المنيرين! وما أحوج قلوبنا لعبور جديد يأخذنا لبر أمان! المشهد .. لاسقف للحرية المشهد .. لاسقف للحرية