مع دخول شهر رمضان المبارك يبدأ السباق في الإعلان عن المسلسلات وكأنه شهر الاعمال الفنية والمسلسلات التلفزيونية، ولكن في السنوات الأخيرة ظهر منافس جديد في التلفزيون هو الإعلان عن التبرعات من خلال المنافسة الشرسة بين الجمعيات الخيرية والمستشفيات لاستعطاف قلوب المصريين عبر المتاجرة بالمرضى والفقراء حتى أصبح المرض والفقر أهم سلعة يتم تسويقها في الفضائيات خلال شهر رمضان. وبالرغم من قيام بعض المحامين والمواطنين العام الماضي برفع قضايا لوقف إعلانات الشحاته والتسول والمتاجرة بالفقر والمرض والإساءة إلى مصر وشعبها عبر الشاشات إلا أن هذه الدعاوى القضائية لم تأخذ طريقها نحو التنفيذ وظلت حبيسة دهاليز المحاكم والجهات التنفيذية، وبدلاً من قيام المؤسسات الدينية والاجتماعية في مصر بتنظيم تلك العملية ووضع ضوابط قانونية واطر تشريعية تحول دون الاساءة للشعب المصري والمرضى والفقراء، إزداد الأمر سوا هذا العام، فقبل بداية شهر رمضان ومع بدء حملة توزيع "الكارتين" والشنط الرمضانية" لقيت سيدة مسنة، مصرعها، بمدينة نبروة، في محافظة الدقهلية، بعد سقوطها إثر التدافع من قبل مئات المواطنين الراغبين في الحصول على "شنطة رمضان" المقدمة من وزارة الدفاع، والمعهود بها إلى أحد المواطنين لتوزيعها بمناسبة الشهر الكريم. وبدلاً أن تكون الدولة القدوة والمثل ونموذج يحتذى به في توزيع المعونات من خلال قاعدة بيانات لدى الشؤون الاجتماعية تضمن وصول المساعدة لمستحقيها في سرية تامة، يتم توزيع الشنط في الشوارع وسط حالة من الفوضى والزحام وكأن الحكومة تتباهى بأنها توزع مساعدات على المواطنين في رمضان ونسيت أن من أهم واجباتها الحفاظ على كرامة المواطن وتلبية اجتياجاته وتوفير العيش الكريم له. إذا كان رب البيت في الفوضى سائر وبالرياء يوزع، فكان من الطبيعى أن تسير الجمعيات الخيرية في ذلك الدرب من خلال توزيع الشنط الرمضانية في مشاهد علنية يحفها الرياء ويغلفها النفاق، وكأنها تريد أن تفضح الفقراء بدلاً من العطف عليهم، بل زادت الجمعيات على ذلك باسنادها مهمة التوزيع هذا العام إلى بعض الأشخاص غير المؤتمنين في المدن والقرى، فبدأ بعض هؤلاء الاشخاص يوزعون الشنط على أمزجتهم وأهوائهم وكأنها منحة منهم يعطونها لمن يشاؤون، كما قام بعض الموزعين بالاعلان عبر شبكات التواصل الاجتماعي أنهم يقدمون معونات للمواطنين متناسين أن مايوزعه تم جمعه من ايدى المحسنين وأنهم مجرد موزعين غير آمنين. وسط الفوضى في التوزيع وتنافس الجمعيات الخيرية والمستشفيات عبر الشاشات سقط العمل الخيري في بئر الرياء والنفاق وتم تقزيم الوطن وتشوية كرامة المصريين والتلاعب بمشاعر المواطنين، فقد أصاب العمل الخيري ما أصاب الوطن من وهن وفساد وسوء للإدارة وغياب للرؤية ومعالجة حقيقية للأزمات وعلاج للمشكلات، ولم يعد الهدف هو الاجر الثواب من الله عزو جل ومساعدة الفقراء، وإنما التباهى بالعطاء. اذا كنا نلوم الجمعيات الخيرية والمستشفيات على سوءتها ومتاجرتها بالمرضى والفقراء، فإن اللوم الأكبر على المؤسسات الدينية والاجتماعية (الازهر الشريف- الاوقاف –وزارة التضامن) التي عجزت عن تنظيم العمل الخيري وتحقيق الهدف منه، فهناك ملايين الفقراء المتعففين الذين تمنعهم كرامتهم من الوقوف في طوابير الحكومة والجمعيات للحصول على المعونات، كان يجب على تلك المؤسسات أن تصل إليهم عبر قاعدة البيانات والدراسات الميدانية بدلاً من إنفاق الملايين على الدعاية في تشويه المحتاجين للاستعطاف المشاهدين لجذب المزيد من الاموال. نتمنى أن يدرك هؤلاء جميعاً أن النصيحة على الملأ فضيحة، فهل إذلال المتعففين والتشهير بهم من أجل الحصول على شنطة فيها القليل من الطعام من تعاليم الأديان؟