حدد مركز كارنيجي موسكو في دراسة تحت عنوان: "فهم إعادة إحياء العلاقات الروسية- الإيرانية"، والتي أعدها الباحث "نيكولاى كوزهانوف" أسباب التحول في مسار العلاقات الروسية – الإيرانية في مجموعة من الأسباب السياسية، والاقتصادية، بينها أن الثورات العربية أدت إلى تقليص الوجود السياسي والاقتصادي الروسي في منطقة الشرق الأوسط، ومن ثم اعتبرت موسكو أن طهران هي آخر موطئ قدم متاح لها في هذه المنطقة. ولفت الى سبب يتعلق بأنه قد اتضح عبر خطاب "روحاني" أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 سبتمبر 2014 أنه يضع على قمة أولوياته تحسين علاقات إيران والغرب. ومن ثم، انتبهت روسيا وبدأت في استغلال تلك الفرصة، حيث أيقنت موسكو أن طهران ستصبح لاعباً إقليمياً أكثر قدرة على التأثير، ومن ثم، من الضروري تطوير العلاقات معها. وأشار الى أن روسيا أرادت عبر تقاربها مع إيران موازنة الحملة المعادية لها في وسائل الإعلام العربية المدعومة من دول مثل قطر، وتنظر إيران إلى التعاون مع روسيا كخطة بديلة في حالة عدم تحقيق المفاوضات النووية للنتائج المرجوة. ولفت المركز في الدراسة التي نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة ملخصا لها، الى أن وفي أعقاب الأزمة الأوكرانية عام 2014، أدركت موسكو أهمية توطيد علاقاتها مع دول الشرق الأوسط، وعلى رأسها إيران، بما يكفل لموسكو تجنب العزلة الدولية وتخفيف وطأة العقوبات المفروضة عليها من جانب الغرب والولايات المتحدة وشركائهم، كما أدركت روسيا أن "روحاني" لديه قدرة أكبر من "أحمدي نجاد" على اختيار شركائه على الساحة الدولية. ومن ثم، باتت روسيا مجبره على إعادة تقييم الاقتراب الذي تتبناه حيال إيران. وحول الأسباب الاقتصادية في التقارب الروسي الايراني، نوه الى أن الجمهورية الإسلامية باتت ذات أهمية كبيرة لروسيا كمُصدر زراعي هام، خاصةً بعد انقطاع الصادرات الزراعية الأوروبية إلى روسيا، كشكل من أشكال العقوبات الدولية المفروضة عليها، منما بدأ الجانب الروسي في أعقاب توتر علاقته مع الغرب البحث عن فرص استثمار وتجارة في آسيا، بما في ذلك دولة إيران. فثمة مجالات متعددة تهدف موسكو للتعاون فيها مع الجانب الإيراني، مثل الغاز الطبيعي، والصناعات البتروكيميائية، والطاقة النووية، والكهرباء. ونوه الى قيام موسكو بتطوير خطط لتنسيق الجهود الروسية الإيرانية في مجال الطاقة، وذلك لضمان أن الأوروبيين لن يقوموا باستخدام الموارد الإيرانية لتقليل الاعتماد على الغاز الطبيعي الروسي. وقال مركز كارنجيي: تعد كثافة الاتصالات التي تتم ما بين موسكووطهران منذ عام 2012 أمراً غير مسبوق في تاريخ روسيا بعد الحقبة السوفيتية، حيث تسعى الدولتان إلى خلق أساس قوي للحوار الثنائي فيما بينهما. ويعكس سعيهما لتوطيد علاقاتهما الرغبة في تحقيق مصالحهما الجيوسياسية. ومع ذلك فثمة مجموعة من العقبات التي قد تحد من التعاون بين الدولتين في الوقت ذاته. ويرى "كوزهانوف" أنه لا يوجد دولة شهدت علاقاتها مع روسيا تقلبات حادة في فترة قصيرة من الوقت، مثلما حدث مع إيران؛ فعلاقات الدولتين تأرجحت خلال تلك الفترة ما بين التعاون والصراع، حيث تخلل فترة الحوار السياسي النشط بين البلدين (1991 – 2011) فترات من التوقف الطويل، تبادلت خلالها موسكووطهران الاتهامات حول الفشل في الوفاء بالوعود وعدم تلبية الالتزامات والتعهدات المشتركة. وقد وضعت روسياوإيران خلال تلك الفترة مجموعة من الأسس الحاكمة لتحركاتهما على الساحة الخارجية، كما قامتا بصياغة تلك الأسس من منظور براجماتي، فكل منهما كان يسعى لتحقيق مصالحه الجيوسياسية الخاصة، دون مراعاة مصالح الطرف الآخر، الأمر الذى أدى إلى توتر العلاقات بينهما. بالنسبة لروسيا، فقد أوضح "كوزهانوف" أن روسيا تحرص في تحركاتها على الساحة الدولية، على إيجاد قنوات اتصال بينها وبين الغرب بصفة عامة، والولايات المتحدة بصفة خاصة، طمعاً في الحصول على مساعدات اقتصادية ومالية، الأمر الذي يُفسد علاقتها بإيران في أحيان كثيرة. كما أشار الباحث إلى أن موسكو تسعى باستمرار لضمان هيمنتها على دول الكومنولث أكثر من حرصها على تطوير علاقتها مع إيران؛ فالإدارة الروسية تعتبر تأمين استقرار المنطقة المحيطة بدول الكومنولث قضية أمن قومي بالنسبة لها. ولفت الى أن الحكومة الروسية قد سعت لتطوير العلاقة مع طهران بحيث لا تتجاوز حداً معيناً قد يثير استفزاز الدول المعادية لإيران، وعلى رأسها إسرائيلن منوها الى رغبة إيران في امتلاك السلاح النووي يمثل مصدراً لتوتر علاقاتها مع روسيا، حيث دعمت موسكو في الفترة من عام 2006 إلى عام 2009 مجموعة من قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني. وبعد رفض طهران استبدال الوقود النووي منخفض التخصيب بالوقود النووي مرتفع التخصيب في عام 2009، وصف الرئيس الروسي حينذاك "ميدفيديف" التصرف الإيراني بغير اللائق. وفي سبتمبر 2010 فرض "مدفيديف" عقوبات على إيران من بينها حظر بيع منظومة S-300 للدفاع الجوي لطهران. ويرى "كوزهانوف" أن عودة "فلاديمير بوتين" إلى الكرملين في عام 2012 مثَّلت بداية مرحلة جديدة في العلاقات الروسية- الإيرانية؛ ففي سياق توتر العلاقات ما بين موسكو والغرب بسبب الخلافات حول الأزمة السورية وغيرها من القضايا، سعت روسيا إلى تطوير علاقات جيدة مع قوى غير غربية مثل إيران.