إن حالة البؤس المخيمة على ليبيا بفعل الدمار الذي خلفته الحرب و الاقتتال المتواصل بين الإخوة الأعداء منذ سقوط النظام البائد إلى الآن خلّف أثارا سلبية و انتكاسة كبرى للشعب و الوطن، فما هو مرّد هذا الصراع و ما هي نتائجه و مرجعيته التاريخية؟ إن انتهاء الحكم الايطالي بليبيا و سيطرة الفرنسيين و الانقليز على البلاد بين سنتي 1943 و 1951 قسّم ليبيا إلى ثلاثة إدارات عسكرية إدارة برقة تحت الإشراف البريطاني، أما فزان فهي تحت الوصاية الفرنسية فيم بقيت طرابلس تحت الاحتلال الايطالي. قطعا فالعوامل التاريخية و الخارجية لا سيما التدخل العسكري الأخير للإطاحة بمعمر القذافي ساهمت إلى حد كبير في تأزم الوضع الليبي و خلخلته. أما داخليا، فالثورة سرعان ما انقلبت إلى حرب بين مناصري النظام و معارضيه و انتهت بالقضاء على راس النظام و أتباعه و على اثر ذلك تشكلت أحزاب تفتقر إلى رؤية واضحة و برامج مضبوطة إضافة إلى صغر حجمها و افتقادها الفكرة الموحدة أو القاعدة الجماهيرية العريضة التي يمكن أن تساعدها على إنقاذ البلاد. إن غياب الدولة و بروز حكومتين على الساحة السياسية زاد في تعقيد الأمور، فعطل الحوار الوطني قسّم الشعب إلى قسمين متناحرين ومتصارعين، و كذلك الجري وراء الزعامة و الجماهيرية المفقودة بين هذه التنظيمات السياسية و العسكرية جعل منها فصائل اقرب إلى الحرب منه إلى السلم و جرّ ليبيا إلى اتون من الفتن و الاقتتال بين الليبيين أنفسهم. إن اتساع ليبيا و امتداد أراضيها و ترامي حدودها مع عدة دول افريقية و في ظل غياب الدولة سهّل على المتشددين التسلل إلى الأراضي الليبية و بناء قواعد عسكرية و مراكز تدريب و من ثم تصدير عناصرها إلى الدول المجاورة مثل تونس و مصر، الشيء الذي قوّض استقرار ليبيا و خلق مشاكل أمنية لدول الجيران . إن عدم التوصل إلى حلّ بين الزعامات الليبية ، في أكثر من لقاء في عدة دول و أخرها بالمغرب و الجزائر من شانه أن يزيد في تعميق الهوة و إذكاء الفتن و تواصل عمليات القتل و التخريب. أن جبهات الحرب في ليبيا لم تنته منذ أربع سنوات ، والدستور لم يسن إلى يومنا هذا، و التوافق بين السياسيين و العسكريين لم يتم بعد، فهل تساق ليبيا إلى المجهول أم إن دعوة حكومة الإنقاذ الوطني إلى التعبئة العامة ضد تنظيم الدولة الإسلامية هو شعور بخطر داهم و مؤكد خاصة بعد أن أعلنت داعش على سيطرتها على مدينة سرت و تهديدها بدخول مصراته؟ و هل هي دعوة غير مباشرة إلى الوحدة الوطنية الحقيقية لإنقاذ ليبيا؟ أم أن الوضع بهذا البلد أصبح مطابقا لأوضاع العراق و سوريا و خرج عن السيطرة؟ لقد انتشر الخراب و غاب الأعمار بهذا البلد، و أصبحت الوجهة إلى ليبيا تشكل خطرا على العمال و الجاليات المقيمة بها، كما أن البعثات الدبلوماسية و الإعلامية لم تعد في مأمن أو حماية بل هي عرضة للاستهداف المباشر و غير المباشر. فما هو مصير العمال الذين بقوا بالتراب الليبي و لم يغادروا بعد؟و ماذا عن العمال الذين عادوا إلى أوطانهم و غادروا إكراها؟ هل هم محل متابعة جدية من قبل حكومات بلدانهم أم أنهم باتوا محل إهمال ونسيان؟ ------------------- * كاتب تونسي