بعد أيام من التوقف عن ركوب الدراجة بسبب الطقس الغريب والمتقلب، خرجت السيدة أزهار فى جولتها وقت العصرية، مسحت أنفها بعد نصف المسافة بسبب البرد وفكرت فى هذا الربيع الذى أتى بكل فصول السنة فى أسبوعين وكيف عاد بهم لعز الشتاء وكأنه يمارس سطوته ويعلن جنونه. ثم جلست على الكرسى الخشبى فى أطراف المدينة تشهد الغروب وتكلم زهرة التى باتت تنتظر هذه الإجتماعات لتعرف أكثر عن كل شيء. همست أزهار: "ما حكاية هذا الربيع؟" -زهرة: مسكونة أنت بالحكايات يا أزهار! كل شئ له عندك حكاية. ألا توجد حقائق بدون حكايات؟ -أزهار: هذه هى الطريقة التى أرى بها الكون، كل شئ حكاية، حدوتة. خلق الكون وقصة آدم وحواء حدوتة، التاريخ الذى نقرأه حدوتة، ما يحدث لنا فى اليوم وحوارات الناس معنا ننقلها فى حدوتة. أحلامنا حدوتة.صدقينى ستجدى كل منا ينسج الحواديت طول الوقت. -ولماذا هى مهمة الحواديت؟ -هى الطريقة المثلى لكى نفهم أنفسنا، النفس هى أكبر لغز فى هذا الكون الواسع وفهمها لايأتى ابداً بالتقارير أوالحقائق، فقط بالحكايات، تماماً مثل الأحلام، ألا تاتينا الأحلام فى شكل حكايات؟ -صحيح، وأوقات تأتينا فى شكل حكايات لامعنى لها، أو تأتى تفاصيلها غريبة لدرجة عدم التصديق.أو تكون مففكة ولا سبيل لتجميعها. -هكذا كل الحكايات. ما لامعنى له لو تم تفسيره ستجدين له معنى ، والتفاصيل الغريبة موجودة طوال الوقت حولنا على مستويات عدة من الوعى. المهم أن النفس تتعلم من الحدوتة ما لاتتعلمه من أى شئ آخر، ألا تعرفين أن من أكثر سور القرآن شيوعا عند الناس سورة يوسف؟ هذا بسبب توافر عناصر الحدوتة بها من شخصيات وصراع وحبكة وحوار. حكى الحواديت هو سحر الجدات والجدود، والليالى القمرية وسحر شهرزاد. أتعلمين ان شهرزاد إستخدمت الحدوتة فى العلاج النفسى؟ -وهل كان هناك علاج نفسى أيام شهريار؟ -بالطبع لا. لكن شهرزاد الذكية إكتشفت هذا وطبقته، أحضرت له من كل الحواديت القصص التى تهون عليه مصيبته، وتظهر له أن هناك من ملوك الجن والإنس من حصلت له مصائب أعظم من مصيبته، وشغلت تفكيره عن أزمته حتى إستعاد روحه المفقودة .الحكى الشفوى للحواديت من أقدم وأجمل الفنون على الإطلاق. -هل لدينا هذا الفن الآن؟ - الحق انه كان قد إندثر إلى حد بعيد لكن محاولات جادة لإحيائه و نشره تتم منذ 2009 على يد حكاءة شهرزادية، سحر الموجى . سحر تقيم ورش لتدريب الحكى، يتعلم فيها الموهوبون التعبير فى نصوص، ثم جعلها قابلة للحكى، ثم التدريب عليها وحكيها فى وجود جمهور متفاعل. آخر هذه الورش ورش سيشت فى دوم، يحكى فيها الحكاؤون حكايات عادية، عن الألم والفرح، الخيبة والنصر، عن كل الأشياء العادية التى هى كل حياة للناس العادية وحين يحكونها لاتصبح أبداً عادية. -تتكلمين بالطلاسم. حكايات عادية لناس عادية ولا تصبح بعد الحكى عادية. ماهذا؟ -مثلاُ يحكون عن اللوبيا التى تٌطبخ فى المآتم. ويحكون عن حوارات الأفراح، والسيدات " القراشانات" ويحكون عن الهذيان والفشر، عن أضعف ما فينا، وعن أجمل مافينا، عن الإنسانية فينا. -هل تاخذيننى معك يوما إلى هذا الحكى؟ ولم لا؟ أفعل قريبا جدا، وننافشه معاً. ركبت السيدة دراجتها، وفى قلبها، كانت زهرة تفكر فى الحكايات ومعانيها. والحكى الشفوى للحدوتة، عن الجدات وبالطبع عن سحر الموجى و شهرزاد. من العدد المطبوع من العدد المطبوع