نافذة أمل في دخولك لعالم النشر يفاجئك السؤال: ماذا تنشر؟ ولديك اختياران؛ ما تحب.. أو ما يحبه الناس.. وعندنا لا أحد ينتظر ليسمع السؤال.. فنحن ننشر وننشر وننشر.. وكثيرا ما تصادف كاتبًا ليست لديه نسخ فيما تباع كتبه بالكيلو من الناشر الذي لا يستطيع تسويقها.. ليست مفارقة أن بعض الكتب تبيع آلاف النسخ، ولا أن بعض الكتاب يكسرون حاجز المليون.. وليس غريبًا أن كتبًا لا تتجاوز مبيعاتها عشرات النسخ.. المفارقة أننا لا نفكر لحظة في التفكير.. كيف يصبح النشر صناعة؟ وكيف يفيد الجميع من المنتج الفكري؟ لنأخذ الترجمة نموذجًا.. يبيع المركز القومي للترجمة كتابه في معرض الكتاب بجنيه واحد، ثم يستنجد بدور النشر الخاصة لطباعة المتأخرات.. تتكلف الدولة ملايين الجنيهات لترجمة الكتب (ترجمة الصفحة في المركز القومي مائة جنيه وفي سلسلة الجوائز خمسون تقريبًا هذا غير المراجعة الفنية والتدقيق اللغوي والمصاريف الثابتة التي تشمل إيجار المبنى وتأمينه وهيكله الإداري). لا يوجد للمركز القومي للترجمة منافذ توزيع.. ولا تصل كتبه المحافظات.. ولا تخرج من باب مكتبته إلا إلى معارض محدودة.. ولا تجد أعمال سلسلة الجوائز (هيئة الكتاب) بسهولة يدفع المركز القومي للترجمة حقوق ترجمة كبرى للمؤلف.. ولا يتم استغلال الكتب في البيع الإلكتروني أو تجهيز الطلبيات الكبرى للجامعات والدول. يبلغ دعم الترجمة وهو المبلغ الذي تدفعه المراكز الثقافية للترجمة 44 ألف جنيه، مقابل طبع كتاب واحد.. تتكلف طباعته وتجهيزه أربعة آلاف جنيه.. وتستأثر بهذا دور النشر الخاصة بهذه الكتب.. ولا يستطيع المركز القومي للترجمة أن يقترب من هذه الكتب حتى بتحديد عناوين الكتب وعدد المطبوع وسعره.. ولا توجد جهة تستطيع حتى أن تراقب هذه العملية باعتبارها إدخال نمط ثقافي جديد. ترصد الصين مليارًا ونصف المليار دولار لترجمة أعمالها.. فما خطتنا للإفادة فكريا مما سيترجم إلينا؟ وتتحكم المراكز الثقافية في ما يترجم لقرائنا.. فهل لدينا ضابط لما يترجمه المركز؟ هل لدينا دليل إرشادي؟ لست بحاجة إلى أن نقول إن المركز القومي نقطة في بحر النشر العشوائي الذي يمكن بقليل من التخطيط أن يصبح موردًا اقتصاديًّا ضخمًا، وسلاحًا نموذجيًّا من أسلحة القوة الناعمة.. حتى التجارب المبشرة مثل المائة كتاب فهي بحاجة إلى مؤسسية أكثر ودعم أكبر.. وهذا غائب في دولة تطبع كتابا يحمل عنوان "أسئلة الثورات العربية" لأكاديمي يرى أنه لم تقم ثورة أصلا، ويضمن كتابه الفكري قصائد بلا رابط ولا منهج ترتيب ولا يكلف نفسه بقراءة ما كتب فيصدر الكتاب وقد عرف شاعرًا هكذا (الشاعرة المصرية مصطفى إبراهيم) عن كتاب أسئلة الثورات العربية لأيمن تعيلب الصادر حديثا عن هيئة قصور الثقافة (ولهذا حديث تالٍ). نحن إذن أمام معضلة حقيقية فما ينشر كنز إن اختير وروعي جيدًا، وعبء ثقيل كما يحدث في حالنا الآن.. فهل نستطيع الإفادة من ثرواتنا الهائلة وطاقاتنا المعطلة. لهذا أقدم لكم كتاب هذا العدد وأولهم الأكاديمي الشاعر شاكر لعيبي ليتحدث عن تجربته الإبداعية علنا ننتبه له ولأمثاله بدلا من أن يكون معيار سلاسل الإبداع العربي لدينا هي العلاقة بالكاتب المنشور له أو بمناصبه في بلاده. فيما يتحدث مدحت طه عن دوافع ترجمته لرواية "قلب الظلام" إحدى روائع الأدب العالمي الصادرة عن آفاق عالمية التي يرأس تحريرها الشاعر والمترجم رفعت سلام، وفي صناعة النشر يقدم المؤلف موجزًا عن مشروعه الذي سيتحول إلى كتاب إن وافقت دار النشر عليه، مع تقديم نموذج منه.. علَّ من ينشر يعرف أن لدينا مبدعين يكتبون ما يحب أن يقرأ المواطنون. ##