تحرك المملكة العربية السعودية وقيادتها تحالف عربي لضرب الحوثيين في اليمن كان مفاجئا وقويًّا، ليس فقط لأوساط المثقفين والاعلاميين والسياسيين ولكن الحوثيين والايرانيين وللغرب ايضا، المملكة قادت تحالفا عربيا لأول مرة في التاريخ الحديث لا يقتصر فقط على دول مجلس التعاون الخليجي ولكن يشمل دولا اخرى مثل مصر لقهر الحوثيين الذين احكموا سيطرتهم على مفاصل اليمن طيلة اكثر من مائة يوم، بل يحاولون السيطرة على مضيق باب المندب الممر المائي العالمي والمتحكم في 10 ٪ من التجارة العالمية التي تمر من قناة السويس وهو ما يشكل تهديدا عالميا، وتهديدا مباشرا للمصالح المصرية لأنهم بيحكمهم هذا يمكنهم تعطيل مرور قوافل السفن العابرة للقناة، لذلك حسنا فعلت مصر بمشاركتها في التحالف. التحرك العسكري العربي لفرض دولة القانون وإعادة الشرعية للرئيس اليمني المغلوب على أمره، والذي خانه جيشه وتحالف مع عدوه، وفتح الطريق للحرفيين لدخول صنعاء بل سلمهم أسلحة وعتاد الجيش ومعسكراته دون مقاومة وبكل أريحية هو تحرك عربي نادر أعاد للعرب مكانتهم الدولية المنتقدة طيلة السنوات الماضية، فلأول مرة يشكلون تحالفا عسكريا لمواجهة مشكلة تهددهم دون اللجوء الى تحالف دولي تقوده امريكا او دول أوروبية، وهو ما يشكل خريطة جديدة في المستقبل، تكون السعودية ومصر هما القادة الفاعلون فيها خاصة في المنطقة العربية والشرق الأوسط، فيبدو ان السعودية قد تخلت عن سياستها المتحفظة التي التي اتبعها الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز ال سعود لتعلن عن نفسها قوة إقليمية يحسب الها الف حساب خاصة من ايران وحلفائها الإقليميين في عدد من الدول العربية. ثاني دلالة لتشكيل هذا التحالف وقيامه بتوجيه ضرباته القوية والمتتالية لكسر شوكة الحوثيين لتمهيد الطريق امام القوى الاخرى الموجودة على ارض اليمن والمساندة للرئيس هادي، انه يمكن للعرب ان يفعلوا الكثير وخاصة اذا أرادوا لانه لا ينقصهم مال ولا عتاد عسكري ولا رجال يستطيعون فعل الكثير اذا أحسن توجيههم وتدريبهم للقيام بمهمة الدفاع عن اوضانهم ومواجهة هذه الفئات التي عاثت في الارض فسادا ونهبا. الدلالة الثالثة هي ان السعودية التي تصور البعض أنها ستظل محكومة بسياسات تقليدية متحفظة خالفت هذا التصور لما أيقنت أن الخطر بات في عمق أراضيها وأن التهديدات تشمل الخليج والمنطقة العربية عبر إيران والتنظيمات والميليشيات التابعة لها فلم تجد بد من إزالة التحفظات والخروج من عباءة التقليدية إلى جرأة المواجهة وسرعة التحرك، وهذه السلوك يجب ألا يكون لمرة واحدة وأقصد أن جوهر فكرة التحالف العسكري يجب أن يصبح متينا وقويا ومستمرا وواسعا لمواجهة أي تهديدات للبلدان العربية من أي طرف والإمساك بمقود القيادة للتدخل لحل الأزمات دون استدعاء الخارج وأن يكون نواة لفكرة القوة العربية الموحدة. الدلالة الرابعة اثبتت ان جماعة الحوثي ليست دولة عظمى، ولا دولة عادية، بل هي ميلشيا مسلحة وسط أحزاب وجماعات وقبائل يمنية لا تجاريها في التسليح والتمويل والاستعداد، لكن المشكلة ليست في تلك الجماعة، إنما في إيران التي تقف وراءها وتدعمها وتتخذها ستارا لتنفيذ مخططاتها انطلاقا من اليمن، ومن هنا فإن الرسالة موجهة بالأساس إلى طهران بأن تفيق، وإيران صباحا أرغت وأزبدت في رفض العملية العسكرية، ثم في المساء تراجعت وطالبت بالحوار لحل الأزمة، فهل الرسالة وصلت؟. اما الدلالة الخامسة والاخيرة فانه من الواضح أن العملية العسكرية في اليمن، فاجأت مصر، وهو ما يمكن الاستدلال عليه، من رد فعل القاهرة على "عاصفة الحزم". الخطاب الرسمي تحدث بلغة المستقبل: سوف نشارك، وجار التنسيق مع الرياض، بشأن المشاركة المصرية.. وهي اللغة التي تعني، أن القاهرة عرفت لاحقا بموعد العملية السعودية، ولم تُطلع الأخيرة مصر عليها. صحيح أن مصر أعلنت رسميًا مشاركتها في التحالف الخليجي العربي بقيادة السعودية للتدخل عسكريًا باليمن، غير أن الإعلان صاحبه كلام باهت بشأن تحرك الآليات على الأرض، وكلها كانت من قبيل النوايا، بشكل يشير إلى "عتاب مكتوم" من القاهرة، لعدم وضعها في الصورة، منذ اليوم الأول للتحضير السعودي للعمليات. الخلاصة انه اذا ارادت السعودية والتحالف العسكري معها ان يؤتي تحركهم أكله فلا بد من استمرار الحملة، وإنهاء الوجود الحوثي تماما كقوة عسكرية ، الحوثيون قوة طائفية مسيسة ، لا بأس ، ويمكن أن يكون لهم حضور في أي تسويات سياسية مستقبلية لا تقصي أحدا ، ولكن هذا لا يمكن أن يحدث قبل تقليم أظافرهم وكسر شوكتهم العسكرية وإنهاء أي قدرات لهم على تهديد الآخرين ، داخل اليمن وخارجه ، ليعودوا حزبا سياسيا مدنيا يخضع لقوانين الدولة ودستورها ومؤسساتها .