لقد انعقدت أخيرا قمة عربية على مستوى الجامعة بشرم الشيخ المصرية و قد سجلت حضور عدد من الرؤساء و رؤساء الحكومات العربية. فما هي التوصيات التي خرجت بها هذه القمة، و ما هي المكاسب التي يمكن أن تتحقق أجلا أم عاجلا؟ إن هذه القمة لم تكن قمة عادية، روتينية، بل كانت قمة استثنائية ، فاعلة و مميزة. إن الحضور المكثف و رفيع المستوى الذي مثل العديد من الدول العربية، و القضايا المطروحة على طاولة التفاوض شكل أهم ميزات هذه القمة. لقد جاء الرئيس اليمني عبد رب منصور هاديء يحمل رسالة أكيدة، مضمونها ضرورة القيام بعمل عسكري في بلاده للحد من زحف الحوثيين أو ما سماهم ب"العصابة" درءا للخطر الذي يحدق ببلاده، كما طالب بضرورة مواصلة الضربات حتى يستسلم الحوثيون و يخلوا كل المناطق التي احتلّوها. من جهته فان الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز الذي قاد هذه الضربات بمعية بعض الدول العربية التي تشارك في الهجوم مستهدفة المواقع العسكرية للحوثيين و الصواريخ البالستية و مخازن الأسلحة دون أن تستثني مراكز الحرس الجمهوري التابع للرئيس السابق علي عبد الله صالح أكد أن "عاصفة الحسم" ستستمر حتى تحقيق أهدافها. أما الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي فقدم إلى مصر حاملا رسالة تدعو إلى ضرورة تكاتف و تعاون الدول العربية من اجل مقاومة الإرهاب و دحره، خاصة بعد الهجوم الدموي على متحف باردو و ما خلّفه من ضحايا في صفوف السواح الأجانب و من اثر عميق لدى الرأي العام العالمي. فماذا عن الرئيس الفلسطيني؟ فبالإضافة إلى تجاوبه مع بقية الرسائل المطروحة على القمة ، إلا أن عزاءه الوحيد يبقى في إيجاد حل لقضية وطنه الأم ، لقد مرّت على حرب 1967 قرابة نصف قرن دون حلحلة في الوضع أو تغيير فيه، فها هو اليوم يطلب سندا قويا و مؤازرة كبرى من قبل الرؤساء و الملوك العرب لتقديمه مشروع قرار ينهي الاحتلال للأراضي الفلسطينية باعتبارها قضية عادلة و مشروعة. أما البلد المضيف ، و هي مصر و على رأسها السيسي الذي طرح موضوعا قديما ، جديدا ، و هو تأسيس جيش عربي للتدخل عند الأزمات. إجمالا، فان بقية رسائل الوفود المشاركة تصب في نفس الخانة، غير أن الرئيس القطري أبدى تمسكه بعدم التعامل مع النظام السوري الحالي و استبعاده من أي تسوية سياسية لاحقا. عموما فقضية الأمن هي التي طغت على طاولة الحوار، فلا لاستحواذ الحوثيين الشيعة على الحكم، و لا لوضع إيران موطئ قدم بهذا البلد المحادي للسعودية و المهدد لأمن مصر، هذا المد الشيعي الإيراني الذي بدأ يتوسع بدءا من لبنان إلى سوريا، إلى العراق، إلى البحرين، إلى الجزر الإماراتية المحتلة . فهل تنجح هذه الحملة العسكرية العربية في كسر شوكة إيران في اليمن أم أنها ستؤدي إلى حرب إقليمية؟ هذا من جهة، أما من جهة ثانية، فقضية الدولة الإسلامية بدأت تؤرق القادة العرب من الخليج العربي إلى منطقة الشرق الأوسط إلى بلدان شمال إفريقيا، فهل من إستراتيجية واضحة توصّل إليها العرب لكبح جماحها و وضع حد لإراقة دماء الأبرياء و نشر هذا الغزو الفكري الدخيل على الأمة العربية؟ أما القضية الفلسطينية، فهل من تعاط جديد مع هذا الملف أمام عدم جدية إسرائيل في الاعتراف بدولة فلسطين على حدود 1967 رغم الضغوط المتزايدة عليها من قبل برلمانات العديد من الدول الأوروبية التي اعترفت بشرعية الدولة الفلسطينية؟ فهل يستثمر العرب هذا الواقع الجديد و يساندون المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولة فلسطينية مستقلة مع التأكيد على عدم أبدية الاحتلال و اعتباره أمرا واقعا؟ أخيرا و دون تجن ، هل تنجح القمة العربية في إذابة بعض الجليد على العلاقات العربية؟ و هل سيتغير المشهد السياسي والأمني العربي مستقبلا؟ فلن تستباح خرائط الأمة ، و لن تنكس راياتها، و لن تموت فلسطين خلف جدران الأسى. يقول الشاعر: أنا عاشق وطنا تتفتح فيه المودة رغيفا و زيتونة للجياع و من يخنق الأفاعي الحقودة و من يوقف القصف قبل فوات الأوان.