أخيرا التفت نادي قضاة مصر إلى الفوضى غير الخلاقة التي اجتاحت شوارع وحواري وأزقة مصر المحروسة حينما نجحت بعض المراكز التي لا أفطن دلالتها هل هي اجتماعية أم سياسية أو قانونية وقامت بدغدغة مشاعر المصريين المتلهفين لهوس الألقاب الكارتونية ومنحتهم لقب مستشار التحكيم الدولي ضاربة بعض الحائط كافة القيم والمبادئ القضائية التي تحكم سلطة القضاء ونتباهى بها ليل نهار في الصحف والمجلات وأمام كاميرات التليفزيون لكننا في الحقيقة نسهم بصورة غير مقصودة في احتراف الفوضى والعبث والجهل والتخلف حينما نملأ صفحات شبكة التواصل الاجتماعي بعشرات التبريكات للواهمين والمغفلين الذي استحقوا لقبا وهميا كاذبا . والموضوع برمته بدأ بلقب الدكتور أي الحاصل على شهادة دكتوراه الفلسفة ، وقد انتشرت معاهد كثيرة في مصر وبعض المؤسسات السخيفة التي لا تحمل صفة الأكاديمية أو المهنية العلمية وقامت بإعطاء بعض التدريبات وتدريس حفنة من المقررات المجتزئة من كتب ومعارف ، ولهج إليها مئات المصريين الأكثر غفلة وحماقة بهدف اقتناص لقب علمي هم غير جديرون به نهائياً. وقامت هذه المؤسسات التي احترفت النصب باسم العلم بمنح هؤلاء المغفلين الجهلاء شهادة ورقية مطبوعة باستخدام طابعة إليكترونية بسيطة تحمل كلمة الدكتوراه والتخصص وربما أوهمت هذه المراكز والمعاهد روادها البسطاء بأن هذه الشهادة ستؤهلهم للالتحاق بجامعات هارفارد وكامبردج وبتسبرج وأوهايو وشنغهاي . واليوم احترف المصريون الفوضى بأقصى وأقسى صورها المشبوهة حينما قامت بتدريب مجموعة جديدة من المغفلين ومرتزقة الهوى والهوس ثم منحهم شهادة وبطاقة هوية تفيد بأنه أصبح مستشارا للتحكيم الدولي . وهذا الأمر يعصف بهيبة ومكانة القضاء المصري العريق والأصيل ، ويكرس لثقافة الفهلوة ويعزز حدوتة سرقة الألقاب والصفات والسمات الوظيفية والعلمية . وحينما قرر نادي قضاء مصر أن يتقدموا ببلاغ للنائب العام المستشار هشام بركات هو خير فعل صوب هؤلاء وهؤلاء . هؤلاء الذين استخفوا بعقول البسطاء من المصريين ومنحوا ما لا يملكوه في الأساس من لقب علمي ومكانة مجتمعية حصل عليها أصحابها الحقيقيون نتيجة جهد وتعب ومذاكرة واجتهاد . ومنحوا شهادات وهمية غير معترفة أمام المحاكم لاسيما أن شهادة التحكيم الدولي نفسها تحتاج إلى مفسر وثمة تأويل توضحها ، فأين سيقف هذا المستشار المزيف أمام المحكمة ؟ وأية محكمة ستقبله ؟ وما نوع القضايا الدولية التي سيتناولها ؟ وأية منصة قضائية ستسمح له بالمثول خلفها وأمام من ؟ . كلها أسئلة كان لابد على قضاة مصر جميعهم أن يهرعوا بالبلاغ إلى سيادة النائب العام في ظل تفشي فوضى مؤسسات وهيئات ومراكز احترفت النصب ومنحت شهادات وألقاب لأشخاص دونما دلالة أو برهان . أما هؤلاء ، فهم المصريون الذين يمكن تصنيفهم وتفسيرهم وفق زاويتين سيكولوجيتين ؛ الأولى هي حالة الفقر المعرفي والثقافي والجهل الفكري لديهم مما جعلهم يبحثون عن مكانة علمية مزيفة يعلمون عدم أحقيتهم في استخدامها لاسيما وأن هؤلاء الممنوحين لقب مستشار تحكيم دولي يعملون بمهن لا تتصل أصلا بالقضاء والمحاماة ، فمنهم المدرس والموظف بالجهاز الإداري للدولة ، ومنهم الحاصل على شهادة جامعية ولا يعمل ، ومنهم ومنهم وهؤلاء خير دليل على فوضى الحالة الثقافية في مصر الآن . والزاوية الثانية هي أن بساطة بعض المصريين وسذاجتهم وفقرهم القانوني وعدم الاحتكام لقواعد العقل والمنطق جعلهم سريعي الاستقطاب من هذه المراكز التي تستخدم شعار القضاء على كارنيهات ورقية لا صلة لها بالقضاء المصري العريق . وإذا كنا قد تناولنا حكاية مستشار التحكيم الدولي ، فإنه من الأهمية تناول موضوع المراكز المنتشرة في الشوارع والميادين والحواري وتحت بير السلم والتي تدعي أنها مراكز علمية معتمدة تقوم بإعطاء دروس لمقررات جامعية وتمنح بعذ ذلك أو بالأحرى تبيع الوهم العلمي لروادها بعض الشهادات الورقية التي تفيد بأنهم حاصلون على ليسانس أو بكالريوس في القانون والتجارة وريادة الأعمال ، وصناعة الاستثمار وهندسة الكومبيوتر وفن إنتاج الهاتف المحمول وقريبا أعالي البحار والسفر إلى كوكب المريخ . ولأننا بحق نجتهد جميعا أن نبني الوطن ونشيده ونعيد حضارة مصرية قوية وأصيلة ، ونسعى لأن نجعل مصر بحق أم الدنيا فعلى المجلس الأعلى للجامعات ووزارة التعليم العالي ووزارة البحث العلمي أن تهرول بجدية صوب النائب العام أيضا لتتقدم ببلاغات فردية وجماعية ضد هذه المراكز التي احترفت النصب على المواطنين . إن مصر اليوم في طريقها نحو التقدم والبناء ، ولقد شاهدنا جميعا عظمة مصر وريادتها وهي تدشن ملحمة اقتصادية واستثمارية من خلال مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري ( مصر المستقبل ) لكن لا تزال هناك بعض الجهات والتيارات والفصائل والمراكز والأفراد الذين يسعون في أرضنا الطيبة فسادا ويعبثون بمقدرات الوطن البشرية ويسعون لتقويض وطن كريم عظيم كمصر ، لذا لابد من استفاقة سريعة ومواجهة حاسمة .. تحيا مصر . المشهد.. لاسقف للحرية المشهد.. لاسقف للحرية