محافظ الدقهلية يوجه بسرعة الانتهاء من تطوير كورنيش شربين على النيل    حبس سنتين ل3 متهمين في قضية معامل التحاليل الوهمية والاستيلاء على أموال نقابة الصحفيين    محافظ سوهاج يعتمد تنسيق القبول بمدارس الثانوي العام والفني    الجيش الإسرائيلي و"الشاباك" يعلنان القضاء على قائد القوة البحرية لحماس شمالي قطاع غزة    هاني حليم القيادي بحماة الوطن: مشاركة مصر في قمة بريكس تعزز فرص فتح أسواق جديدة للصادرات    وزيرا خارجية إيران وفرنسا يبحثان هاتفيًّا تطورات المنطقة بعد التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة    فلسطين تحذر من تصعيد اقتحامات المستوطنين الإسرائيليين للأقصى    إيكو: ليفربول يعود للتدريبات يوم الثلاثاء.. والودية الأولى مهددة بالتأجيل بسبب وفاة جوتا    كورتوا يدافع عن دوناروما أمام انتقادات التسبب في إصابة لموسيالا    مصدر من اتحاد الكرة ل في الجول: منتخب مصر الثاني يقترب من مواجهة سوريا وديا    كريم عبد العزيز ينفرد بصدارة نادي ال100 في السينما المصرية ب4 أفلام    خلال زيارة مفاجئة لمستشفى الصدر محافظ المنيا يوجه بفتح صالة انتظار لذوي المرضى.. ويصرف مساعدات عاجلة على نفقته الخاصة    رفع قيمة وثيقة التأمين من الحوادث للمصريين بالخارج إلى 250 ألف جنيه    ميتسوبيشي تطلق سيارتها Grandis الجديدة في الأسواق.. صور وتفاصيل    شروط اختبارات القدرات 2025 لطلاب الثانوية العامة.. تعليمات رسمية وإجراءات التسجيل    ما موقف طالب الثانوية العامة المتخلف عن موعد أداء اختبارات القدرات 2025؟    كلية الألسن بجامعة الفيوم تعلن عن وظائف شاغرة لأعضاء هيئة التدريس.. تعرف على الشروط والأوراق المطلوبة    19 مرشحًا لانتخابات مجلس الشيوخ يخضعون للكشف الطبي في أسيوط    سلاح الجو الأمريكي يعترض طائرة فوق نادي ترامب بولاية نيوجيرسي    البورصة المصرية تربح 14.3 مليار جنيه في ختام تعاملات الأحد    أسعار الفراخ تعود للارتفاع.. فرصة التخزين خصلت    جلسة عاجلة أمام القضاء للمطالبة بصرف منحة استثنائية لأصحاب المعاشات    "أراك قريبا والرحلة لن تنتهي".. فينجادا يوجه رسالة قوية ل شيكابالا    كهرباء الإسماعيلية يكشف لمصراوي كواليس صفقة أوناجم    فريدة خليل تتوج بذهبية كأس العالم للخماسي الحديث    أرسنال يعلن تعاقده رسميا مع زوبيميندي قادما من ريال سوسيداد    الحكومة تعلن صرف 5 ملايين جنيه لأسرة كل ضحية من ضحايا حفار السويس    الأرصاد تحذر من 3 ظواهر جوية مؤثرة في طقس اليوم    لو هتطلع مصيف لمطروح بالقطر: اعرف مواعيد القطارات من القاهرة والعكس    إعدام 13 طن أغذية فاسدة خلال حملات رقابية مكثفة بالمنيا    ارتفاع التبادل التجاري بين مصر ودول البريكس 19.5% خلال 2024    الخميس.. لطيفة تطرح أغنية سوري من ألبوم قلبي ارتاح    قصور الثقافة تنظم يوما ثقافيا ضمن مشروع جودة الحياة بالمناطق الجديدة الآمنة    «يساعدونك على حل مشاكلك بهدوء».. أكثر 5 أبراج تفهمًا للغير    بعد تطبيق قانون الإيجار القديم؟.. اعرف هتدفع كام؟    "معلومات الوزراء" يكشف تفاصيل أول جهاز تنفس صناعي مصري    تظهر في العين.. أعراض تكشف ارتفاع نسبة الكوليسترول بشكل خطير    إصابة 4 أشخاص فى حادث تصادم سيارتين بالدقهلية    ورش للأطفال عن السمسمية والأمثال الشعبية ضمن مبادرة "مصر تتحدث عن نفسها"    حزب أمريكا.. إيلون ماسك يستهدف عددا قليلا من المقاعد فى الكونجرس    البحوث الإسلامية يطلق سلسلة الأطفال المرئية (أخلاقنا الجميلة) لتعزيز الوعي القيمي والتربوي    أرسنال يعلن ضم الإسباني مارتن زوبيمندي من ريال سوسييداد    تعيين رؤساء أقسام جدد بكليتي الزراعة والعلوم في جامعة بنها    تحرير 139 مخالفة للمحلات المخالفة قرار غلق ترشيد استهلاك الكهرباء    أحدث ظهور ل«هالة الشلقاني» زوجة الزعيم عادل إمام    مسؤولون: ارتفاع حصيلة قتلى فيضانات تكساس إلى 50 شخصًا    صحة مطروح: الانتهاء من البرنامج التدريبي على أساليب التعامل مع حالات الطوارئ    «الداخلية»: ضبط سائق نقل ذكي تحرش بسيدة خلال توصيلها بمصر الجديدة    محافظ الدقهلية يحيل مدير جمعية زراعية للتحقيق لعدم تواجده وتعطيل أعمال صرف الأسمدة للمزارعين    بيراميدز يكشف موقفه من ضم ثنائي الزمالك    محافظ الدقهلية:إحالة مديرة مستشفى مديرة للصحة النفسية للتحقيق لعدم تواجدها خلال مواعيد العمل    حياة كريمة توزع 2000 وجبة سبيل بمناسبة يوم عاشوراء    «كان بيتحكيلي بلاوي».. .. مصطفي يونس: الأهلي أطاح بنجلي بسبب رسالة ل إكرامي    دعاء الفجر | اللهم ارزقني سعادة لا شقاء بعدها    وداع مهيب.. المئات يشيعون جثمان سائق «الإقليمي» عبده عبد الجليل    عمرو الدجوي ينعى شقيقه الراحل بكلمات مؤثرة    آل البيت أهل الشرف والمكانة    "أنا بغلط... وبأندم... وبرجع أكرر! أعمل إيه؟"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النصوص الغائبة فى شعر أمل دنقل (1)
نشر في المشهد يوم 06 - 03 - 2015

العودة إلى التراث واستنطاقه وتحميله ما يريد من معانى كان هروبا من المحاسبة من قبل النظام
التناص مع صلاح الدين لتحريره القدس يحيل على شخصية ناصر الذى دخل المعارك من أجل فلسطين
"زرقاء اليمامة" وصفت بالحكمة ودقة النظر وقد رأت من بعيد الجنود يقبلون لمحاربة القبيلة وحذرتهم لكن أحدا لم يصدقها
يريد أمل دنقل أن يتحدث عن الهزيمة والخيبات التى صاحبتها فيجعل جنديه يذهب إلى المرأة الأسطورة العرافة المقدسة
يتحول الجندى المعاصر الذى يخاطب العرّافة المقدسة صاحبة النبوءة إلى جندى تراثى هو شخصية عنترة بن شداد
عنترة قناعا لشخصية الجندى المعاصر و"زرقاء اليمامة" يرمز بها إلى الوطن وعنترة مثال للمثقفين الصامتينبأوامر السلطة
إن الوعى بأهمية توظيف التناص واستلهامه، جعل أمل دنقل يراهن فى مشروعه الشعرى على أن يكون هذا التناص رافدا جماليا مهما يفيد منه فى بناء جمالى متميز، ومن يقرأ أمل دنقل يجد نفسه مجبرا على البحث عن النصوص الغائبة فى شعره، ويتأمل تلك التفاعلات النصية، وحفريات المعرفة التى نحت أمل دنقل مشروعه الشعرى، وأفاد من كل مستويات التناص، سواء التناص الدينى أو التاريخى أو الأسطورى، وسوف نستجلى مستويات هذا التناص، ونستقصى تلك التفاعلات النصية، ونحفر بعمق فى حفريات نصوصه.
فى قصيدته" خطاب غير تاريخى على قبر صلاح الدين يتناص الشاعر ليس مع التاريخ فقط، بل يتناص أيضا مع الثقافة، فى هذا النص عدة مستويات للتناص سوف تتضح بالتحليل والقراءة الثقافية، هذه القصيدة كتبت بعد نكسة 1967، وغضب فيها أمل دنقل وغيره من الشعراء غضبا كبيرا وحزنوا حزنا شديدا، وحملوا الزعيم جمال عبد الناصر لوم الهزيمة، وهذه ليست القصيدة الوحيدة التى كتبها أمل دنقل فى هذه الهزيمة، التى أثرت ليس فقط على المثقفين، بل أثرت على الشخصية المصرية ربما للآن، لام أمل دنقل ناصر، وقد لام ناصر نفسه، فقد تحمل الهزيمة منفردا وحاول التنحى لولا أن الشعب أعاده مرة أخرى بخروج الملايين إلى شوارع مصر تطالبه بالعودة وتحمل المسئولية وإكمال المسيرة، وقد فعل ناصر ذلك بشجاعة الرجال، فخاض حرب الاستنزاف بضراوة وبنى الجيش المصرى تمهيدا للحظة الانتصار العظمى فى عام 1973، ربما العودة إلى التراث واستنطاقه، وتحميله ما يريد الشاعر من معانى كان هروبا من المحاسبة من قبل النظام فى ذلك التوقيت، وربما يبرر هذا الاشتغال الفنى على شخصية صلاح الدين، الذى كان من المفترض أن يحرر القدس، فى إشارة تاريخية للعدو التاريخى لمصر الذى يحتل القدس حتى الآن وهو العدو الصهوينى:
هَا أَنْتَ تَسْتَرْخِى أخِيرًا..
فَوَدَاعَا..
يَا صَلاَحَ الدِينْ،
يَا أَيُّهَا الطَبْلُ البِدَائِى الذِّى تَرَاقَصَ المَوتَى
عَلَى إيقَاعِهِ المَجْنُونْ،
يَا قَارِبَ الفِلِينْ
للعَرَب الغَرقَى الذِينَ شَتَّتَهُمْ سُفُنُ القَرَاصِنَة
وأَدْرَكَتْهُم لَعْنَةُ الفَرَاعِنَة
وَسَنَةً .. بَعْدَ سَنَة..
صَارَتْ لَهُمْ ' حِطِينْ' ..
تَمِيمَةَ الطِفْلِ، وَإكْسِير الغَد العِنّين([1])ْ
التناص مع شخصية صلاح الدين، الذى نسب له تحرير القدس يحيل على شخصية ناصر الذى دخل المعارك من أجل فلسطين والقدس، لكن دنقل الذى يألم لهزيمة 1967 يرى طبل أن هذه الزعامة إنما هى طبل بدائى دق لإشعال الحرب دون نصر، يراه قارب فلين يطفو فوق الماء دون أن يحمل الوطن، فالفلين لا يصلح أن يكون سفينة للوطن، يراه لا ينجد الغرقى العرب الذين شتتهم سفن القراصنة فى إحالته الرمزية على الصهاينة، فتصير حطين التى كانت رمزا للنصر، تصير مجرد تميمة لطفل، كما يتناص الشاعر مع نص سابق له فى حديثه عن فلينية السفينة وهنا تتدفق رؤاه الجمالية فى تناص ذاتى مع قصيدة ' مقابلة خاصة مع ابن نوح" فهاهم الحكماء الجبناء يفرون نحو السفينة.. سفينة فلينية، هشة، تدفعها الرياح أنى شاءت!! وها هم العرب الغرقى، الذين يمثلون الضعف، والترهل: ( المغنون سائس خيل الأمير المرابون قاضى القضاة راقصة المعبد جباة الضرائب مستوردو شحنات السلاح عشيق الأميرة".
فى ذات القصيدة يقوم الشاعر بالتناص الأدبى أو الثقافى مع قصيدة " مجنون ليلى " لأمير الشعراء أحمد شوقى، حيث يناجى جبل التوباد، لكن جبل التوباد هنا لا يرتحل من نص أحمد شوقى إلى نص أمل دنقل بمحموله الثقافى، فلس هو مرتع الصبا الذى يناجيه الشاعر ويذكره بمحبوبته ليلى، إنما هنا الجبل ممر لخيول الترك، ولخيول الشرك، بل خيول التتر، بما يحمله التتر من صورة ذهنية على الهمجية والعنف والشر، وفى هذا إحالة على العدو الصهيونى الذى يحتل القدس، واحتل سيناء بعد هزيمة 1967 .
( جَبَل التَوبادِ حَيَّاكَ الحَيَا)
( وَسَقَى اللَّهُ ثَرَانَا الأَجْنَبِي!)
مَرَّتْ خُيُولُ التركْ
مَرَّتْ خُيُولُ الشرْكْ
مَرًّتْ خُيُولُ المَلِكِ - النِسْر،
مَرَّتْ خُيُولُ التَتْر البَاقِينْ([2])
يواصل الشاعر إحالته على الواقع بعد ارتحاله إلى التاريخ، فنحن، ثم جملة اعتراضية جيل بعد جيل وكأننا سوف نتوارث الهزائم والانكسارات، فى ميادين المراهقة نعانى الموت تحت الأحصنة، وأنت فى إحالة لصلاح الدين الذى هو رمز للزعيم يقف وراء المذياع ليتحدث عن حطين، ويستنهض الهمم صارخا حطين، ويرتدى العقال تارة، فى إحالة للعلاقة مع البدو الصحراويين، ربما، وربما فى إحالة لتماثل عقال أهل فلسطين، وفى تارة أخرى يرتدى ملابس الفدائيين، أو يشرب الشاى مع الجنود، لكن تظل الصورة الذهنية للزعيم / صلاح الدين أنه جالس وراء المذياع
وَنَحْنُ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ - فِى مَيَادِينِ المُرَاهَنَة
نَمُوتُ تَحْتَ الأحْصِنَة!
وَأنْتَ فِى المِذْيَاعِ، فِى جَرَائِدِ التَهْويِنْ
تَسْتَوْقِفُ الفَارِين
تَخطُبُ فِيهِم صَائِحًا: ' حِطِّينْ'..
وَتَرْتَدِى العَقَالَ تَارَةً،
وَتَرْتَدِى مَلابِسَ الفِدَائِيِينْ
وَتَشْرَبُ الشَاى مَعَ الجُنُودْ
فِى المُعَسْكَرَاتِ الخَشِنَة
وَتَرْفَعُ الرَايَة،
حَتَى تَسْتَرِدَّ المُدُنَ المُرْتَهنَة
وَتُطْلِقُ النَارَ عَلَى جَوادِكَ المِسْكِينْ
حَتَى سَقَطْتَ أيُهَا الزَعِيمْ
وَاغْتَالَتْكَ أيْدِى الكَهَنَةْ([3])
ثم يواصل دنقل شحن نصه بحفريات تثاقفية، فها هو يتناص مع قصيدة فى " حب مصر" لأحمد شوقى، فبعد هذه الإحالات السابقة على واقع مأزوم، وهزائم قاسية، وانتصارات كلامية خلف مذياع يتناص الشاعر مع قصيدة تتغنى بحب الوطن، ويأتى أشهر بيت فى حب الوطن لشوقى، فوطنى لا يشغلنى عنه حتى جنات الخلد، لكن الشاعر يأتى بمقلوب حالة شوقى أو بحالة مفارقة لها، فالوطن الذى لا يشغلنى عنه حتى الخلود تنازعنى نفسى إلى مجلس الأمن، وهنا إحالة صريحة لحالة الهزيمة، والتهديد بمجلس الأمن الدولى المناصر للكيان الصهوينى.
( وَطَنِى لَو شُغِلْتُ بالخُلْدِ عَنْه..)
( نَازَعَتْنِى لِمَجْلِسِ الأَمْنِ- نَفْسِي!)
يواصل الشاعر الإحالة على الواقع، فصلاح الدين/ الزعيم سينام، وربما هذه القصيدة تنبؤ بموته حزنا وكمدا رغم ما حققه من انتصارات فى حرب الاستنزاف، سينام وتنبت على قبره الورود، مثل المظليين فى إحالة للبطولات ربما التى حققها المصريون، ونحن الشعراء سنظل ساهرين نحلم بجانب نافذة الحنين، لا نفعل شيئا سوى الاسترخاء، بل يتحول السلاح فى أيدينا إلى وسيلة لتقشير البرتقال، ونسأل الله القروض الحسنة، ولكن ال (نحن) على من تعود؟ على مجموعة النخبة وفى مقدمتها الشعراء ؟ أم على الجيش فى إشارة للسكين، لكن الجيش واصل كفاحه بعد الهزيمة ست سنوات تم فيها بناء الجيش وقاموا بعمليات نوعية داخل أراضى العدو.
نَمْ يَا صَلاَحَ الدِينْ
نَمْ.. تَتَدَلَى فَوقَ قَبْرَكَ الورودُ..
كَالمِظَلَيين!
وَنَحْنُ سَاهِرُونَ فى نَافِذةِ الحَنِينْ
نُقَشّرُ التُفاحَ بِالسِكِّينْ
وَنَسْأَلُ اللَّهَ ' القُرُوضَ الحَسَنَةْ'!
فَاتِحَة آمينْ"
وذات اللحظة التى سببت انكسارا للشخصية المصرية، يعاود الاشتغال على تلك اللحظة حيث الهزيمة المفجعة منطلقًا على لسان جندى ناجٍ من براثن الهزيمة، ليرتد ارتدادة خلفية عن التحذيرات والنبوءات التى قدمتها زرقاء اليمامة، ولم ينتبه لها أحد، إذن يتناص الشاعر مع قصة زرقاء اليمامة، وأسطورتها فى الثقافة العربية، حيث وصفت بالحكمة، كما وصفت بدقة النظر، وقد رأت من بعيد الجنود يقبلون لمحاربة القبيلة، وحذرتهم،لكن أحدا لم يصدقها:"
أيتها العرافة المقدسهْ
جئتُ إليكِ.. مثخنًا بالطعنات والدماء
أزحف فى معاطف القتلى، وفوق الجثث المكدسهْ
منكسر السيف، مغبّر الجبين والأعضاء
أسأل يا زرقاء..
عن فمكِ الياقوت، عن نبوءة العذراء
عن ساعدى المقطوع.. وهو ما يزال ممسكًا بالراية المنكسهْ
عن صور الأطفال فى الخوذات.. ملقاةً على
الصحراء
عن جارى الذى يهم بارتشاف الماء..
فيثقب الرصاص رأسه فى لحظة الملامسهْ([4])
إذن يريد أمل دنقل أن يتحدث عن الهزيمة والخيبات التى صاحبتها، فيجعل جنديه يذهب إلى المرأة الأسطورة، العرافة المقدسة، ليكشف عبر الحوار من طرف الجندى إلى العرافة عن حزنه ومشاهد الزحف، الزحف المنكسر بعد الهزيمة. يتحول الجندى المعاصر الذى يخاطب العرّافة المقدسة صاحبة النبوءة إلى جندى تراثى هو شخصية عنترة بن شداد هذا الشاعر العربى البطل الذى مارس البطولة على المستويات جميعها: الفردى والقبلى والقومى، فيبرزه الشاعر فى صورة جندى مأزوم يعانى الظلم والقهر والحرمان وعدم اعتراف الأهل بحريته، رغم إيمانهم ببطولته وشجاعته:"
تكلمى أيتها النبية المقدسهْ
لا تسكتى..فقد سكتُّ سنة، فسنة..
لكى أنال فضلة الأمان
قيل لى ..اخرس!فخرستُ وعميتُ وائتممتُ بالخصيانْ
ظللتُ فى عبيد «عبس» أحرس القطعان
أجتزّ صوفها.
أردّ نوقها..
أنام فى حظائر النسيان
طعاميَ: الكسرة.. والماء.. وبعض التمرات اليابسهْ
وها أنا فى ساعة الطعان
ساعة أن تخاذل الكماة والرماة والفرسان
دُعِيتُ للميدان!
أنا الذى ما ذقت لحم الضان
أنا الذى لا حول لى أو شان
أنا الذى أقصيت عن مجالس الفتيان
أُدعى إلى الموت ولم أُدْعَ إلى المجالسةْ([5])
تتماهى صورة شخصية الجندى العصرى وشخصية عنترة التراثية، من حيث إن كُلًا منهما شخصية مأزومة تزيدها المشاهد المحيطة أزمة وحزنًا، الهزيمة المادية والمعنوية التى مُنى بها الأول فى يونيو 1967م وجراحه ودماؤه، وصور إخوانه القتلى، وصور أبنائهم التى يحملونها، وإنكار الأهل حرية الثانى وحقه الطبيعى فى ممارسة الحياة، محروم من مجالسة الفتيان محكوم عليه بالنوم فى حظائر النسيان؛ لأنه عبدٌ لا يحسن الكرّ والفرّ وإنما يُحسن الحلب والصَّرّ، بيد أن كليهما فى قرارة النفس بطل، لم تحسن القبيلة توظيف بطولة الثانى واحترامها، مثلما لم تقدر القيادة بطولة أبنائها بانغماسها فى كل ما هو بعيد عن مصلحة الوطن.
[1]أمل دنقل الأعمال الكاملة مكتبة مدبولي القاهرة 1995.
[2]المصدر السابق ص100.
[3]المصدر السابق ص101.
[4]المصدر السابق ص 159.
[5]المصدر السابق ص159.
اضغط هنا لمشاهدة الملف بالحجم الكامل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.