أسامة أنور عكاشة.. واحد من أهم رواد الدراما التليفزيونية في مصر والوطن العربي، فقد كان اسهامه بها قويا ومؤثرا، حيث خرج بها من مجرد سرد حكايات وحواديت إلي تأصيل فكر. كان مصريا حتي النخاع، عشق تراب هذا الوطن وظل طوال حياته (27 - يوليو 1941 - 28 مايو 2010 ) يحلم ويفكر للوطن. سنوات طويلة عاشها عكاشة في عملية البحث والتنقيب عن أصول جذور الشخصية المصرية التي تجمعت وتبلورت خلال الحقب المختلفة من الفرعونية إلي الرومانية ثم القبطية والإسلامية. ورغم أن القضية شغلته وقضي سنوات عديدة من عمره فيها إلا أنها لم تشغله عن واقعنا المعاصر كان يبحر في التاريخ بحثا عن المستقبل. لم يكتف أسامة أنور عكاشة بدوره كمجرد راو للأحداث، أو مجرد كاتب درامي متميز فاق أقرانه، ولكنه كان مفكراً وباحثاً وأديباً عاش يحلم لمصر.. ويعشق ترابها. وإذا كان البعض يري أنه رحل قبل أن يكمل مشواره في رحلة التأريخ والتأصيل.. إلا أن من يمعن النظر ويدقق في أعماله الدرامية والأدبية يجدها مشروعا متكاملا مستنيرا يذوب عشقا في تراب مصر، أسامة أنور عكاشة أكثر من مجرد مشروع إبداعي، وإن ظلت إبداعاته شاهدة علي أكثر من عصر، وأكثر من تحول فقد نجح من خلال الدراما التليفزيونية في إرساء قيم وتقاليد جديدة علي هذا الفن. كانت أعماله خلطة سحرية تجمع بين الأدبي والفلسفي والسياسي والتاريخي، فقد كتب دراما الرأي والموقف والتأمل والتحليل، كما كتب القصة القصيرة والسيناريو والحوار السينمائي بالإضافة إلي مسرحياته الناجحة «الأنون وسيادته» و«البحر بيضحك ليه» و«الناس اللي في التالت» «وولاد اللذينة»، أما إسهاماته السينمائية فحدث ولا حرج فقدم أفلام: كتيبة الإعدام - الهجامة - تحت الصفر - دماء علي الأسفلت - الطعم والسنارة - الإسكندراني. كتب أسامة أكثر من أربعين مسلسلا تليفزيونيا حفرت اسمه في الذاكرة كمؤلف عبقري، جاءت شهرته الحقيقية كمؤلف مع مسلسل الشهد والدموع الذي حقق نجاحا مبهرا وتوالت بعده مسلسلات غيرت شكل الدراما التليفزيونية، في مصر والوطن العربي منها المشربية، ليالي الحلمية، ضمير أبلة حكمت، زيزينيا، الراية البيضاء، وقال البحر، ريش علي مفيش، أنا وانت وبابا في المشمش، لما التعلب فات، عصفور النار، مازال النيل يجري، أرابيسك، امرأة من زمن الحب، أميرة في عابدين، كناريا وشركاه، عفاريت السيالة، أحلام في البوابة، الحب وأشياء أخري، رحلة أبوالعلا البشري، أهالينا، الحصار، المصراوية. كانت بدايته مع الأدب، حيث قدم مجموعة من الأعمال الأدبية أهمها مجموعة قصصية بعنوان «خارج الدنيا» 1967، ورواية أحلام في برج بابل 1973، ومجموعة قصصية بعنوان «مقاطع من أغنية قديمة» عام 1985، ورواية منخفض الهند الموسمي عام 2000 ورواية وهج الصيف عام 2001 بالإضافة إلي مؤلفات أخري منها أوراق مسافر عام 1995، همس البحر، تباريح خريفية. حصد أسامة العديد من الأوسمة والجوائز أهمها جائزة الدولة في التفوق 2002 وجائزة الدولة التقديرية 2008. رحم الله الكاتب الكبير بقدر ما أسعد هذا الشعب وبقدر ما قدم لمصر من إبداع حقيقي وتأصيل فكري سيبقي في وجدان الوطن والناس والتاريخ.