محافظ دمياط تعتمد تنسيق القبول بمدارس التعليم الفنى    الطالبات يتصدرن.. «أزهر المنيا» تعلن أسماء أوائل الشهادة الإعدادية 2024    سعر جرام الذهب فى مصر بختام تعاملات اليوم الأحد 9 يونيو 2024    بالخطوات.. طرق دفع فاتورة كهرباء شهر يونيو 2024 (رابط مباشر)    مدير عام الجوازات السعودية: نحو ربع مليون حاج استفادوا من مبادرة "طريق مكة"    مساعد وزير الخارجية الأسبق يكشف ل "فيتو" تأثير استقالة وزراء إسرائيليين على حرب غزة    في ذكراها العاشرة.. الأمن العراقي ينجح في اصطياد متورطين جدد بمذبحة سبايكر    روسيا: الغرب يزيد من تصعيد الصراع في أوكرانيا    حل أزمة الكونغو قبل مواجهة منتخب المغرب فى تصفيات كأس العالم    خبير: الخلايا النائمة عبارة عن طابور خامس    رئيس المنظمة المصرية لمكافحة المنشطات: إيقاف رمضان صبحي إجباري    بدلاء صنعوا الفارق عبر تاريخ كأس أمم أوروبا    بعد ساعة ونصف.. نوران جوهر تحصد ثانى ألقابها ببطولة بريطانيا للإسكواش    26 ميدالية رصيد منتخب مصر للسلاح ببطولة أفريقيا بالمغرب    قبل انطلاقها، وكيل تعليم الجيزة يصدر 15 توصية استعدادا لامتحانات الثانوية العامة    لميس الحديدي تكشف كواليس إصابتها بالسرطان قبل 10 سنوات وموقف عمرو أديب (فيديو)    وزير المالية الإسرائيلي: انسحاب جانتس من الحكومة خطوة غير مسؤولة    قصواء الخلالي: مطلوب من الحكومة القادمة ترتيب أولوياتها وتلبية احتياجات المواطن    الإفتاء توضح أعمال الحجّ: اليوم التاسع من ذي الحجة "الوقوف بعرفة"    زيادة أكثر من 200 جنيه، ارتفاع سعر دواء شهير لعلاج مرضى الصرع    هل يجوز صيام 7 أيام فقط من ذي الحجة؟.. «الإفتاء» توضح    كم عدد أيام التشريق وحكم صيامها؟.. تبدأ من مبيت الحجاج بمنى    البابا تواضرس الثاني يؤدي صلاة عشية بكنيسة أبو سيفين بدير العزب    «مستقبل وطن»: يجب أن تعبر الحكومة الجديدة عن نبض الشارع    فحص 1068 مواطنا في قافلة طبية ضمن مبادرة حياة كريمة بدمياط    أحمد موسى يكشف ملامح الحكومة الجديدة وموعد الإعلان الرسمي    وزارات جديدة ودمج أخرى.. أحمد موسى: اختيار أعضاء حكومة مدبولي يتم في سرية تامة    لمواليد «الأسد».. توقعات الأبراج في الأسبوع الثاني من يونيو 2024    «صاحبي وأخويا الصغير».. محمد رمضان ينشر صورًا من زفاف نجل رجل الأعمال ياسين منصور في باريس (صور)    ليلى عبد اللطيف تتوقع انفصال هذا الثنائي من الفنانين    علاء الزهيري رئيسا للجنة التدقيق الداخلي للاتحاد العام العربي للتأمين    أسماء أوائل الشهادة الابتدائية بمنطقة أسيوط الأزهرية بعد اعتمادها رسميًا    «مكافحة المنشطات» تنفى الضغط على رمضان    تقارير: مانشستر سيتي يستعد لتعديل عقد نجم الفريق عقب اليورو    يورو 2024| سلوفينيا تعود بعد غياب 24 عاما.. انفوجراف    إدخال 171 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة عبر بوابة معبر كرم أبو سالم جنوب رفح    قرار قضائي بشأن المتهمين بواقعة "خلية التجمع"    منها مباشرة الزوجة وتسريح الشعر.. 10 محظورات في الحج يوضحها علي جمعة    وزيرة البيئة: زيارة الأطفال والشباب للمحميات الطبيعية مهمة    هيثم رجائي: الملتقى الدولي لرواد صناعة الدواجن سيكون بمشاركة عربية ودولية    بشرى سارة بشأن توافر نواقص الأدوية بعد عيد الأضحى.. فيديو    «اقتصادية الشيوخ»: الرقابة المسبقة سيؤثر إيجابيا على الاستثمار في مصر    مياه القناة: استمرار أعمال التطهير لشبكات الصرف الصحى بالإسماعيلية    مدحت صالح يستعد لإحياء حفل غنائي 29 يونيو بالأوبرا    حجازي: جار تأليف مناهج المرحلة الإعدادية الجديدة.. وتطوير الثانوية العامة    محافظ الشرقية يهنئ لاعبي ولاعبات الهوكي لفوزهم بكأس مصر    المرور: ضبط 28776 مخالفة خلال 24 ساعة    محافظ الشرقية يُفاجئ المنشآت الصحية والخدمية بمركزي أبو حماد والزقازيق    وزير الزراعة يوجه بتكثيف حملات التفتيش على منافذ بيع اللحوم والدواجن والاسماك والمجازر استعدادا لاستقبال عيد الأضحى    ضبط مالك مطبعة متهم بطباعة المطبوعات التجارية دون تفويض من أصحابها بالقليوبية    فى انتظار القصاص.. إحاله قضية سفاح التجمع الخامس إلى جنايات القطامية    اعتدال بسيط في درجات الحرارة بمحافظة بورسعيد ونشاط للرياح.. فيديو وصور    رئيسة المفوضية الأوروبية تدلى بصوتها في انتخابات البرلمان الأوروبي    بسمة داود تنشر صورا من كواليس "الوصفة السحرية"    مدرسة غبور للسيارات 2024.. اعرف مجموع القبول والتخصصات المتاحة    يحدد العوامل المسببة للأمراض، كل ما تريد معرفته عن علم الجينوم المصري    3 طرق صحيحة لأداء مناسك الحج.. اعرف الفرق بين الإفراد والقِران والتمتع    مجلس التعاون الخليجي: الهجوم الإسرائيلي على مخيم النصيرات جريمة نكراء استهدفت الأبرياء العزل في غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشطار .. كوميديا التساؤلات الجريئة
نشر في القاهرة يوم 09 - 03 - 2010

تلك الرؤي التي طرحها المؤلف المتميز «السيد محمد علي» الذي انطلق إلي آفاق مغايرة اخترق فيها تابوهات الصمت والسكون، ليضعنا أمام مواجهة عنيفة لوقائع وجود مهزوم.. هكذا تبلورت دلالات المفارقة البليغة التي تكشف عن تناقضات عالم مسرحي يموج بالبراءة الظاهرية المراوغة..، لكن أعماقه تغلي كالبركان.
إجابة التساؤلات
يشير محمود الألفي في كتيب العرض إلي أن البحث عن إجابات لتساؤلات النص الجريئة، قد دفعه بقوة إلي إخراج الشطار، التي وجد فيها تحدياً لتقديم دراما شعبية مستلهمة من التراث المصري، تعتمد علي عناصر الفرجة الشعبية، وفي هذا السياق اتجهت رسائل المخرج الفنان إلي عقول وقلوب الناس عبر صياغته الدالة لنص غير تقليدي اقترب فيه من تيار الوعي ليعانق موجاته، ويبحث عن الحقيقة الغامضة الهاربة إلي أعماق اللا شعور حيث الرؤي والأحلام والرغبات، وأسرار الزوايا الحرجة التي يكشفها المزج المثير بين الحقيقة والخيال والحلم والواقع. وعبر تصاعد إيقاعات الفن الجميل أصبحنا أمام حالة من الحب والثورة والتمرد.
ولامسنا دفء ورشاقة منظور الإخراج، حيث البصمات المتفردة، والمفردات المغايرة، والرؤي الشابة المتدفقة، الكاشفة عن ثقافة رحبة ووعي حاد بطبيعة لعبة الفن وآليات التواصل.
تكشف كوميديا الشطار عن وعي حاد بمفهوم المسرح الشعبي ودلالة الفرجة النابعة من الموروث المصري والعربي، فالمؤلف يتبني مشروعاً علمياً وثقافيا يرتبط بالبحث الجاد عن امكانات التوظيف الدرامي لمفردات التراث بأسلوب يثير إيقاعات الجدل بين الآصالة والمعاصرة، وهذه التجربة تمثل حلقة شديدة النضج في مسار رحلته الإبداعية الباحثة عن أسرار الجذور وأحلام الوعي والانتماء، وفي هذا الاطار يكشف العرض عن جماليات وجود شاعر الربابة، خيال الظل، الأراجوز، الراوي والمشخصاتي، تلك المفردات التي اتضحت أبعادها عبر تضافرها الهارموني في أعماق حالة مسرحية ترتكز علي مفهوم الحبكة الدرامية في الحكاية الشعبية، وتكشف عن سمات البطل الشعبي العربي، وصفات المرأة في القصص الشعبي، وتفسير الأحاجي، أما عمق وثراء الخيال الشعبي فقد طرحه العرض بأسلوب يكشف عن ارتباط إنساني وثيق بالعقائد والتابوهات والسلطة وآليات القهر والاستبداد.
احتفال مبهر
تأخذنا اللحظات الأولي إلي وقائع احتفال مبهر بالحياة.. القاعة الأنيقة تموج بالرونق والبهاء، والتشكيل المتدرج علي اليمين يشهد حضوراً واثقاً لأعضاء الفرقة الموسيقية، بينما تعكس بانوهات اليسار ضوءاً شفافا يكشف بساطة الرؤية السينوغرافية، التي تثير في الأعماق أشواق الحنين، حيث الخلفيات السوداء والأبواب الخضراء، والستائر الذهبية وعناق الضوء الوردي مع توزيعات الموسيقي الحية.
تتبلور إيقاعات الفرح عبر لغة التعبير الحركي، وتبعث ألوان الملابس الساخنة حالة من الوهج، ويعايش المتلقي اشتباكاً جميلاً مع الذاكرة والأعماق، حيث عرائس المولد، راقص التنورة ودفء الغناء الثائر الذي يبعث جدلاً مع عذابات الحاضر.. وعبر التوظيف الجمالي الدقيق لفن الأراجوز نلتقي بجوز ولوز وحكايات عن الشطار.. الذين هم الغلابة والشحاتون والعاطلون، من أطلق عليهم المقريزي اسم اللصوص الشرفاء، ومن خلال السرد اللاهث ندخل عالم السلطان «الشمقمق» طويل القامة والعمر والحكم، ولنصبح أمام تجسيد مثير لذلك العالم البعيد حيث الضوء الغامض والسلطان النائم والحلم الكابوسي المخيف والتداخلات الفنية المبهرة بين الأداء والتعليق وخيال الظل، ودلالات الحياة والموت، والتسلط والقهر وعذابات العقاب.
نيران الجحيم
كان السلطان يحلم أنه يسير علي قنطرة، تحته نيران الجحيم.. وأمامه الجنة، التي يكاد يقترب منها، لكنه يري ثلاثة أبواب مغلقة مكتوب علي كل منها «لا» وفي هذا الإطار يأخذنا الضوء والسينوغرافيا ولغة الجسد إلي ذلك اللقاء الأبدي حين يقابل السلطان رجلا ممن ظلمهم، يؤكد له أنه من أهل النار، ويضع علي رأسه قرنين كهدية من إبليس، تلك القرون التي تظل جزءا من شخصية الشمقمق، وعبر امتداد إيقاعات الوعي وهذيان الأعماق تتفجر موجات من التواصل الحار، الذي يكشف عن جماليات المزج بين الواقع والحقيقة والأحلام والخيال، ويصحو الحاكم من نومه، ليدرك أن رؤاه الكابوسية لم تكن إلا حلماً مخيفاً.
يتحول المسرح إلي طاقة من الابهار والضوء والألوان والجمال، حيث الرقص والغناء الشعبي وطاسة الخضة والبخور، والرقوة من العين والكوابيس، ويصبح السلطان في قلب حالة من الإبداع المثير، تتصاعد بقوة مع وهج الموسيقي وبريق الغناء، ورغم ذلك يظل معذباً بكابوس الليالي المتكرر وبأسرار قرون إبليس علي رأسه، ويقترح عليه الوزير ووالي الشرطة أن يستشير العرافين... أو يتزوج، لكنه يرفض.
لغة الاخراج
تتضح جماليات لغة الاخراج عبر البساطة المبهرة في تقاطعات الزمان والمكان، والأحداث، وتتفجر إيقاعات الجدل، التي تؤكد أن التاريخ لا يعيد نفسه، لكن عناق الظروف الاجتماعية مع مؤشرات السياسة والاقتصاد، قد تبعث ميلاداً جديداً لنفس الأحداث وفي هذا السياق نصبح أمام مواجهة جمالية صادمة تدور بين الشيخ القاضي وتلميذه «بن سباب».. الفتي اللامع المعذب، دارس القانون والفقه والشريعة، الباحث عن عدالة هاربة إلي موجات القهر والتناقضات، والذي أصبح زعيماً للشطار، وظل يسرق أموال التجار الأثرياء ليوزعها علي الفقراء، بعد أن عاشوا زمن المجاعة والوباء، وجف ماء النهر، وتلوث الهواء وضوء الشمس بينما انفصل الأغنياء بعيداً.. لم يدفعوا ضرائب وأغفلوا الحقوق التي فرضتها شرائع الله علي الأرض، هكذا تشتبك مفاهيم العدالة والقوة والسلطة لتتبلور أبعاد المفارقة الدرامية العنيدة، التي تفجر فيضاً من التساؤلات المريرة- حين نعلم أن السلطان رفض إقامة العدل، والشيخ القاضي رفض أن يكون ظالماً، فعزل من القضاء وفضل أن يعيش بعيداً في الصحراء، لكن أعلن بقوة عن رفضه للكائن وكتب علي أبواب بيته «لا» تلك الكلمة التي تحولت إلي كابوس يؤرق ليالي السلطان.
يتقاطع الغناء الشعبي الجميل مع الضوء وصوت الناي الحزين، وتتفجر تساؤلات الجمهور عبر ملامح الجروتسك الصارخة، وتأخذنا رشاقة لغة الإخراج إلي انتقالات ناعمة من شاشة خيال الظل إلي مساحة التمثيل، حيث الرحلة والطريق وبيت القاضي، وابنته النوار وقصة الحب الصامتة التي ربطتها بالفتي الثائر وضاح، ويذكر أن ملامح وأبعاد شخصية النوار تأتي كمسار للضوء المبهر الذي يعكس وضعية المرأة في التراث والقصص الشعبي العربي، حيث نجدها نموذجاً للاكتمال والثقافة والجمال، والوعي بأبعاد الكيان بعيداً عن الاستلابات والاخترالات.
يأتي ميلاد تيار الرفض العام حين يعترف «وضاح» بحبه للنوار، ويكشف حوارهما المتدفق عن أشواق وعهود وحنين وعن رغبة في التجاوز والتغيير، ويخبرها الفتي أنه سيشتري السلاح لمقاومة الظلم ومواجهة السلطان اللاهي عن مصلحة البلاد. وفي هذا السياق يعايش المتلقي حالة من الفرجة الشعبية المدهشة حيث الموسيقي والرقص والإيقاعات اللاهثة، والتوظيف المتميز لفن الأراجوز والصياغة الكوميدية الراقية التي اخترقت تابوهات الجمود، وفجرت الآهات المحبوسة في قلوب الناس حين دخل الأراجوز قصر السلطان وعرف الأسرار، واكتشف سر الختم والقرون، وواجه الموت لكنه اختار أن يمتلك الحياة.
مفارقة بليغة
تأتي المفارقة البليغة الدالة، ويتقاطع الضوء مع رشاقة الحركة وتذوب الفوارق بين الواقع والخيال والحلم والحقيقة، ونصبح في مواجهة السلطان الشمقمق الذي يصحو من نومه، ويجلس علي عرشه، مؤكداً أنه سيظل السلطان حتي آخر الحياة.
أما الجمهور فهو يظل أيضاً أمام حالة من الجدل الثائر الذي يتفجر عبر تفاصيل استعارة درامية ساخنة ذات أبعاد كابوسية غامضة تضيء الأعماق، رغم حالة الصخب المثير والغناء الجميل وحرارة الاحتفال الساخر بأحلام الحياة.
من المؤكد أننا أمام تجربة ثرية ومدهشة تحترم العقل وتثير التساؤلات وتشاغب رؤي وعذابات الناس، وهي علي مستوي آخرتكشف عن وهج المنظور الثقافي المتميز الذي تبناه مدير مسرح الغد الفنان ناصر عبدالمنعم.
شارك في العرض نجم الكوميديا الفنان سامي مغاوري، الذي يمتلك الحضور والبريق والكاريزما، ودفء التواصل مع الجمهور، وقد اكتملت أبعاد الحالة المسرحية عبر الآداء المتميز للفنانين.. معتز السويفي، همام تمام، بشري القصبي، محمد عبدالرازق، فوزي المليجي وممدوح الميري.
ويذكر أن عادل ماضي قد لعب دور الأراجوز ببساطة مدهشة آثارت اعجاب الجمهور، أما مفاجأة العرض فهي الفنانة الجميلة «مروة عيد» التي تمتلك طاقات واعدة وكذلك الفنان المتميز باسم شكري.
كان ديكور العرض للفنان فادي فوكيه والاستعراضات الرشيقة لمجدي الزقازيقي، والموسيقي والألحان للفنان محمد باهر، أما الأشعار والأغاني فهي للفنان الجميل محمد الشاعر، وكان خيال الظل للفنان نبيل بهجت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.