احتل فيلم «أليس في بلاد العجائب» للمخرج تيم بيرتون الصدارة في قائمة إيرادات شباك التذاكر، وهو أمر طبيعي حيث ينتمي لأفلام الخيال الجامح، بالإضافة لمشاركة النجم اللامع "جوني ديب" بطولة الفيلم، وهو من أهم عوامل الجذب وخاصة في تلك النوعية من الأفلام التي يعشقها الصغار والكبار، ومن المتوقع أن ترتفع إيرادات الفيلم خلال الأسابيع القليلة القادمة ليسجل طفرة جديدة، تحطم الرقم القياسي الذي سبق وأن حققه فيلم «أفاتار»! ولكن الغريب حقاً، أن يتمكن فيلم «شرطة بروكلين» من الوصول للمرتبة الثانية في قائمة أعلي الإيرادات ! وفيلم «شرطة بروكلين» أو «BROOKLYN FINEST» من إخراج "أنطوان فوكوا" صاحب التحفة الرائعة "يوم التدريب"الذي قدمه في عام 2001، ونال عنه الممثل الأسمر" دينزل واشنطن" أوسكار أفضل ممثل، كما رشح زميله في الفيلم "إيثان هووك" لجائزة أفضل ممثل مساعد، ورغماً عنك سوف تطاردك شخصيات وأجواء فيلم "يوم التدريب" أثناء متابعتك لفيلم "شرطة بروكلين" وبالتأكيد سوف تنحاز للفيلم الأول، وسوف تجد في «شرطة بروكلين» مجرد تنويعة عن نفس النغمة ونفس التيمة تقريباً، وهي فساد رجال الشرطة !ولكن هذا لايعني أن فيلم «شرطة بروكلين» ليس فيلما جيدا في حد ذاته، بل علي العكس من ذلك فالفيلم يضم مجموعة من الممثلين العتاولة، يتفوق بينهم إيثان هووك - أحد أبطال فيلم «يوم التدريب» -"وريتشارد جير، دون شيدل، ويسلي سنايبس!أما سيناريو الفيلم فقد وضعه "مايكل مارتن" ! ثلاثة من رجال الشرطة نحن أمام حكاية لها ثلاثة خطوط متوازية، لاتلتقي أبدا، أبطالها ثلاثة من رجال شرطة بروكلين، الاكثر أهمية بينهم" سال" أو إيثان هووك، وهو مخلص جدا لحياته الاسرية، كثير الابناء له أطفال وزوجته حامل في توأم، ويسكن بيتاً متواضعاً جدا، تعفنت جدرانه الخشبية وسببت للزوجة مشاكل صحية في الرئتين، ونصحه الأطباء بضرورة تغيير مسكنه، إذا كان حريصاً علي صحة أطفاله! ويقع الشرطي "سال" في أزمة نفسية تكاد تطير صوابه، فقد وضع كل مدخراته في حجز منزل جديد، وعليه أن يدبر بقية الثمن خلال أسبوع واحد، وإلا يضيع عليه العربون الذي دفعه، ومع ضعف راتبه، وقلة حيلته، تزداد حياته ارتباكاً، ويجد ضالته في فكرة السطو علي منازل تجار المخدرات، الذين يخفون ملايين الدولارات التي حصلوا عليها من تجارتهم غير المشروعة، داخل منازلهم !خوفا من وضعها في البنوك، و"سال"كاثوليكي ضعيف الإيمان، لايلجأ الي القس إلا في حالات "الزنقة "ليعترف ببعض خطاياه، وعندما ينصحه القس، بطلب المغفرة من الله، يصرخ فيه "سال" قائلاً أنا لاأريد المغفرة، أريد المساعدة فقط! ولاينتظر سال، أن يأتيه "الفرج "بأي من الوسائل المشروعة، بل يهرع الي أحد أوكار عصابات المخدرات، ليس للقبض عليهم ولكن لقتلهم جميعا، والبحث عن مكان الدولارات التي يخفونها، وعندما يجد منها "رزم"تساوي ملايين، يكاد يطير صوابه، وينشغل بجمع أكبر قدر من هذه الثروة الملطخة بالدماء، ولايلتفت إلي الخطر الداهم الذي يتربص به، فتنطلق رصاصة أحد أفراد العصابة وترديه قتيلا في الحال!أما الشرطي "تانجو" أو دون شيدل فهو لايقل فسادا عن زميله "سال"، وإن كان يلعب "عيني عينك" مع كبار رجال عصابات ترويج "الكوكايين" وتكون مهمته شديدة القسوة، عندما يطلب منه، تسليم صديقه الحميم" كاز" ويسلي سنايبس، وهو أحد أفراد عصابة تم الافراج عنه مؤخرا وأصبح يشكل خطرا علي بقية أفراد العصابة، ورغم أن" كاز " قام يوما بإنقاذ صديقه الشرطي "تانجو" من موت محقق، إلا أن الأخير لايتورع في خيانته، وقبل أن يستيقظ ضميره ويحذر صديقه، تكون رصاصات رجال العصابة أسرع الي الصديق من كلمات التحذير! ليلقي الإثنان مصرعهما علي أسفلت مدينة بروكلين التي تشهد حالة هائلة من الفوضي الأمنية والصراعات المستمرة بين عصابات المخدرات من ناحية، ورجال شرطة فاسدين من ناحية أخري، ولاينجو من حمامات الدم التي يقدمها فيلم شرطة بروكلين إلا "إيدي" أو ريتشارد جير، وهو شرطي لم يبق له في الخدمه إلا أيام قليلة ثم يتقاعد، وهو يعيش وحيدا بلا أصدقاء ولاعائلة، ولايربطه بالحياة إلا علاقة عابرة مع عاهرة سوداء، تمنحه بعض المتعة، وترفض أن تسافر معه الي مدينة بعيدة عن أجواء بروكلين العفنة، ونظرا لإحساسه الدائم بالوحدة فهو يفكر صباح كل يوم في الإنتحار، رغم كراهيته الشديدة للعنف والدماء، لدرجة أن زملاءه يتهمونه بالسذاجة والسلبية، لإنه يصر علي أن يفرغ مسدسه من الرصاص، حتي لايضطر لاستخدامه أبدا، ويحاول ان يحل المشاكل والقضايا التي يصادفها بوسائل سلمية، تجعله في مرمي الخطر أحياناً، وعندما يقوم بتسليم متعلقاته الشخصية، وشارة الشرطة التي كان يحملها، بعد أن يخرج من الخدمة، يقرر أن ينهي حياته التي لم يعد بها مايحفزه علي البقاء، ولكنه في لحظة ينتبه، لعملية اختطاف فتاة مراهقة، من قبل إحدي عصابات الرقيق الأبيض، وتكون مهمته الأخيرة التي يقدم عليها بدافع ضميره الانساني، وليس المهني، إنقاذ الفتاة من براثن العصابة، ويكون عليه أن يواجه هذا الخطر وهو أعزل لايحميه الا بعض المهارات التي اكتسبها من عمله الطويل في جهاز الشرطة! مباراة في الأداء نحن أمام مباراة رائعة في الأداء بين أبطال الفيلم وإن كان يبرز بينهم إيثان هووك، في دور شديد التعقيد، مليء بالتعريجات النفسية بين الضعف الشديد والقوة، الاستكانة والاندفاع، الإخلاص للعائلة وخيانة مهنته، وأعتقد أن هذا الدور ربما يمنحه ترشيحا ثانيا للأوسكار، ريتشارد جير يتنقل بين الأدوار المختلفة كما تتنقل الفراشة بين الزهورعلي أشكالها ويقدم الشخصيات الرومانسية بنفس قدرته علي أداء الشخصيات الخشنة ولحظات صمته معبرة ومؤثرة وتكاد تكون الكلمات التي نطق بها في الفيلم قليلة للغاية ومع ذلك فقد منحنا تفصيلا عن طبيعة الشخصية وأزمتها الإنسانية من خلال نظرات عينيه وأدائه الصوتي وتعبيرات الوجه، أما المخرج الأسمر "أنطوان فوكوا" فيبدو شديد التأثر بتلك الأجواء البوليسية التي تجمع بين شرور البشر سواء كانوا من رجال العصابات أو رجال الشرطة، ولديه قدرة رائعة علي صياغة العالم السفلي لأحياء بروكلين، وقد جمع شخصياته في مشاهد النهاية في مكان واحد "مسرح الجريمة" دون أن يلتقي أي منهم بالآخر، وكأنهم يتواجدون في أفلام مختلفة وليس فيلماً واحدا، ومشكلته الوحيدة التي ربما تتحول الي عقدة، أنه سبق وقدم فيلما رائعاً لايمكن أن يسقط من الذاكرة "يوم التدريب" عن نفس تلك الأجواء التي تسيطر علي مخيلته وتسجنه داخلها!