لي أين تذهب إسرائيل في الداخل ومن يقود التيارات السياسية فيها؟ تساؤل حقيق بالعالم العربي أن يبحث له عن إجابة في حاضرات أيامنا سيما وان ملامح أي مشروع للسلام كامل النمو لا تبدو في الأفق بل علي العكس طالما بقي الاستيطان ماضيا في طريقه ودع عنك أحاديث التجميد التي يستغلها بنيامين نتنياهو لتسويف الوقت ولحين إلقاء الإدارة الأمريكية الحالية في مستنقعات جديدة. والشاهد انه لكي نفهم كيف تمضي اتجاهات الرياح السياسية داخل إسرائيل ربما يجدر بنا التوقف أمام قراءات استطلاع الرأي عن اليمين الإسرائيلي المناوئ لأي عملية سلمية داخل إسرائيل من جهة ونتوقف كذلك مع تقرير غاية في الأهمية غاب عن عيون كثيرين في العالم العربي وقد صدر عن مجموعة الأزمات الدولية وفي ربط بين اليمين الديني في إسرائيل وقضية المستوطنات انطلاقا من أنها القضية محور الارتكاز الرئيسي سواء في المفاوضات أو في خطط إسرائيل الديموغرافية الجديدة للعقود المقبلة. ... ولعل التساؤل: لماذا الآن الحديث عن اليمين الإسرائيلي؟ في استطلاع أخير للرأي أجرته صحيفة "هارتس" الإسرائيلية سئل المستطلعة آراءهم حول شكل تصويتهم فيما لو جرت الانتخابات العامة اليوم في إسرائيل فجاءت النتيجة مثيرة حيث اتضح أن تمثيل تكتل أحزاب اليمين واليمين المتطرف في الكنيست سيرتفع إلي 65 نائبا فيما يهبط معسكر اليسار والوسط والليبرالي والعرب من 48 إلي 44 نائبا، هل هذا سبب كاف لهذه القراءة؟ اغلب الظن أن ذلك كذلك. الوقت في صالحه ماذا عن علاقة اليمين الإسرائيلي بالحالة السياسية القائمة اليوم في إسرائيل؟ - يؤمن اليمين الديني أن الوقت في صالحه حيث يفاخر المعسكران الرئيسيان فيه القوميون المتدينون والمتزمتون الدينيون بأعلي معدلات المواليد في البلاد إذ تضاعف عددهم في مستوطنات الضفة الغربية خلال عقد واحد وهم يرتقون في مناصب الجيش كما تلعب أحزابهم السياسية تقليديا دورا مهما داخل الائتلاف الحكومي الحاكم ويعد الكثيرون منهم العدة في القيادة وصفوف القواعد الشعبية لخوض المعركة القادمة المتعلقة بالمستوطنات والانسحابات من الأراضي. ما الدافع الذي يحرك اليمين الإسرائيلي في الداخل؟ يحركهم إيمان متجذر بصوابية قضيتهم وإذ يتعاملون مع أي قضية مهما صغر حجم الرهان فيها بوصفها اختبارا للإرادات رد المسلحون المتدينون علي هدم بضعة أكواخ خشبية بهجمات انتقامية ضد الفلسطينيين راشقين سياراتهم بالحجارة ومحرقين محاصيلهم وقاطعين أشجارهم ومطلقين النار عليهم أحيانا وغالبا ما يبدو قادة التيار الديني الرئيسي عاجزين عن إدانة هذه الأعمال ناهيك عن محاولة إخماد العنف. كيف يلتبس الديني بالسياسي داخل إسرائيل؟ - ربما كان السؤال غير متسق مع ذاته فإسرائيل مشروع ديني في الأساس غير أن مجموعة الأزمات الدولية تلفت إلي إشكالية خطيرة تواجه أي احتمالات مستقبلية للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين تلك التي تدور حول التشرذم والتطرف القومي الديني. .. ماذا يعني ذلك؟ علي النقيض من التأويلات التقليدية للقانون اليهودي والتي تنص علي أن قيام دولة يهودية ذات سيادة ينبغي أن ينتظر ظهور المسيح المخلص دعم القادة القوميون المتدينون قيام دولة إسرائيل بوصفه عملا يسبق الوصول إلي الخلاص. تنعكس وجهة النظر هذه في الصلاة من اجل دولة إسرائيل التي كتبها عام 1948 كبار حاخامات إسرائيل والمؤلف " سي. بياغنون " والتي أدرجت في طقوس يوم السبت في العديد من المعابد اليهودية غير المتزمتة دينيا علي امتداد العالم وهي تمجد الدولة باعتبارها " بداية ازدهار عهد الخلاص " وعلي هذا النحو فقد شاركوا بصورة كاملة في تحقيق هذا الهدف ويحتفل أتباع هذا التيار بيوم الاستقلال ويستجيبون لطلبات السوق إلي الخدمة العسكرية ويرتدون ملابس عصرية مع زخارف دينية كالقلنسوة المطرزة. تفكيك المستوطنات هل بات اليمنيون المتشددون يمثلون خطورة داخل إسرائيل من جرائها لن يقدم الجيش الإسرائيلي بالمواجهة ومن ثم سفك دماء يهودية علي الأراضي التوراتية بسب مفاهيمهم؟ - المؤكد أن إحصاء المتشددين في قمم التلال المستعدين لتحدي الجيش والمرتكبين العنف ضد الفلسطينيين هو مهمة ليست متحولة حيث ارتفعت التقديرات لعددهم من العشرات إلي المئات وتحيط بهؤلاء حلقة داخلية من المستوطنين الشبان والأيديولوجيين المتشددين داخل إسرائيل يقال إن عددهم يزيد علي 8 آلاف حيث ينشطون في جو سري نسبيا ويوفرون الدعم اللوجستي وغير ذلك في حالات الطوارئ يمكن للحاخامات المعارضين حشد آلاف المناصرين علي جانبي خط عام 1967. ورغم أن حرب غزة قد امتصت كثيرا من التوتر إلا أن دوائر الاستخبارات الإسرائيلية لم تستبعد وكذلك نشطاء التيار القومي الديني البارزون احتمال عودة التهديد بالعنف أن جاءت الخطوة الخطيرة القادمة لتفكيك المستوطنات أو الانسحاب من الأراضي. والثابت أن المؤشرات القائلة باحتمال أن تعمد قوات الأمن ما زال بعض المستوطنات العشوائية استجابة لضغوط أمريكية ودولية أوسع علي حكومة نتنياهو أثارت جوقة من الإدانات الحاخامية وأحيت التهديدات المبطنة والصريحة أحيانا باللجوء إلي العنف. ما وضع هؤلاء اليمنيين وتأثيرهم علي المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية إن سلبا أم إيجابا؟ - تشير استطلاعات الرأي إلي انه من بين سائر المجتمعات الإسرائيلية المحلية فان المتزمتين هم الأكثر معارضة حاليا للمفاوضات مع الفلسطينيين والمزيد من الانسحابات محولين مقترعيهم من " معادين للفكرة القومية إلي قوميين متعصبين" علي نحو متعاظم يتشاطر المتزمتون وجهة النظر الأمنية المتشددة التي تذكر بمنظور القوميين المتدينين وقد أدي القتال في جنوب لبنان وغزة بعيد الانسحابات الإسرائيلية إلي إضعاف موقف حاخاماتها التقليدية الداعم لمبدأ الأرض مقابل السلام. هل من حضور أو تمثيل لليمين الديني في الحياة السياسية الإسرائيلية؟ - الجواب يشير إلي أن أربعة أحزاب دينية تحتفظ بمقاعد في الكنيست، اثنان منها متزمتان (حزبا يهودية التوارة المتحدة، وحزب شاس)، واثنان قوميان دينيان (الاتحاد الوطني، والبيت اليهودي)، ونظرا لتشرذم النظام السياسي فإنها تملك قدرا لا يستهان به من السلطة بإصرارها علي مطالبها وكثيرا ما تكون الأحزاب الدينية قادرة علي تشكيل الائتلافات الحاكمة أو الإطاحة بها أو التعجيل بالانتخابات المبكرة، مثلما فعلت عام 2008 كما يزعم البعض. اليمين العسكري وإذا كان هذا حال اليمين في الأحزاب فماذا عن وجودهم داخل جيش الاحتلال الإسرائيلي؟ - مثلت قوات الأمن قناة رئيسية لارتقاء الحركات القومية الدينية. ويدرك قادة الحركة القومية الدينية النفوذ الذي اكتسبوه نتيجة اعتماد الجيش علي عديدهم. ويعتقد بعض المستوطنين المتديين مصيبين أو مخطئين أن خدمتهم الاحتياطية في الجيش تمنحهم حصانة ضد هجوم هذا الأخير علي مستوطناتهم لان الدولة مدينة لخدمتهم وقت الحرب، ولأنها لا تستطيع المخاطرة بحدوث اضطرابات في صفوف الجيش علي حد سواء. وفي تحد لسياسة الحكومة الرسمية ودون إذن يقيم بعض ضباط الجيش والاحتياط في مستوطنات عشوائية الأمر الذي يعقد خطط إزالتها. قال أحد ضباط الاحتياط العلمانيين " لقد خلق فك الارتباط عن غزة أزمة مع الجنود القوميين الدينيين في أكفأ الوحدات القتالية لا يزال يتعين حلها ". إذا اتخذنا إجراءات ضد المستوطنات العشوائية، فسيحسبون أننا نتدخل في أهدافهم الأيديولوجية، وحين يهاجمنا زملاؤهم يعدو الوضع خطيرا للغاية، إن هذا شعبك يهاجم جيشك، وقد أوضح ضابط كبير أنه سيقاوم أمراً بإجراء انسحاب آخر قائلا " إن أمرا بالانسحاب من الضفة الغربية سيدمر إسرائيل، وسوف يؤدي إلي انقسام الجيش وانقلاب جزء منه علي الدولة، أفضل إعادة تل أبيب بدلا من الخليل، لسنا مجرد دولة من اليهود أو أغلبية يهودية ولكننا دولة يهودية تدافع عن الأرض التي وعدنا بها الكتاب المقدس، وعدنا بها الرب، إنها ارض يهودية. كيف ينظر هؤلاء العنصريون للفلسطينيين؟ - منذ البداية تعين علي الحركة القومية - الدينية التعامل مع الفلسطينيين المعارضين لمصادرتها الأراضي، بمرور الوقت وبينما توسع مشروعات المستوطنات غدا التفاعل اليومي أكثر صداما واكتسب بعدا دينيا، نظرت الحركة إلي الفلسطينيين علي نحو متزايد بوصفهم عقبة تقف في طريق مشروعها. وقد وصف احد المحللين نظرتها إلي العالم بقوله ": ليست الأرض لهم (الفلسطينيين)، إن أفضل ما يمكن أن يأملوا به هو الحصول علي الحقوق الفردية فيما تدعوه التوراة "أجنبي مقيم"، الغريب الذي يعترف تماما بسيادة الدولة اليهودية، ويسمح له بالتالي أن يحصل علي حقوق الإقامة الفردية. ولقد لاقت مثل هذه الآراء رواجا في أوساط الحركة القثومية - الدينية، لا سيما التيارات الأكثر إيمانا بظهور المسيح المخلص، ويعلم الرؤساء البارزون للمعاهد التوراتية العسكرية إن المطالبة بالأرض واجبة شرعا ويجب السعي إليها بوسائل من بينها استخدام القوة. خلاصة تقرير هل من خلاصة لهذه القراءة؟ - عند مجموعة الازمات الدولية انه سيكون من الخطأ تضخيم قدرة الناشطين الأكثر تطرفا علي إعاقة التقدم نحو السلام إن حافظت إدارة اوباما خاصة علي نهجها القوي علي الرغم من التهديدات بالتخلي عن نتنياهو وفي حال خضوعه للمطالب الأمريكية فان قلة من الساسة المتدينين يؤمنون بقدرتهم علي تامين وضع أكثر ملاءمة من هذا القائم اليوم، علاوة علي ذلك لن يستفيد قادة المستوطنين كثيرا من سجلهم في مواجهة الحكومة. إذ إنهم خسروا جميع الصدامات الكبيرة، من ياميت إلي غوش قطيف، ومن الخليل بالي أمونا، كما لا يبدو أنهم يتمتعون بدعم عميق أوسع في أوساط العديد من الإسرائيليين. غير أن الاستخفاف بتأثيرهم أو تجاهله سيكون رؤية قصيرة النظر بدرجة مماثلة وإذ يتحصنون في العديد من المستوطنات الواقعة في الضفة الغربية فإنهم يستفيدون من الاتجاهات الديموغرافية، حيث يعتمد كل من الجيش الإسرائيلي علي قوتهم البشرية، والسياسية وعلي أصواتهم الانتخابية بصورة متزايدة. علاوة علي ذلك ستكون عملية إخلاء الضفة الغربية مهمة شديدة الاختلاف في حجمها عن سابقة غزة فيما يتعلق بدرجتها وتوازن القوي فيها. وعلي العكس مما حدث خلال فك الارتباط مع غزة فإن الناشطين القوميين المتدينين مقتنعون أن اليهود المتزمتين سيؤازرون قضيتهم للدفاع عن ممتلكاتهم في الضفة الغربية. وبالفعل تتعامل الحركات الدينية المتشددة منذ الآن مع كل خطوة تخالف مصالحها بوصفها اختبارا للقوة وعلي النحو الذي أعدت له الجماعات القومية الدينية فان الصراع للسيطرة علي منزل واحد في الخليل كشف عن حجم المهمة القادمة. باختصار يبدو أن القوميين المتدينين تبنوا استراتيجية لمواصلة نزعة الاستيطان مشاركين في المؤسسة الحاكمة ومناهضين لها في آن واحد - مضاعفين تأثيرهم عن طريق تأمين مصالحهم بينما يتحدون الجهود الرامية لكبح نموهم. ويتعين علي قوات الأمن السعي لضمان إرسال الأفراد المقيمين في المستوطنات كالأفراد داخل إسرائيل لأداء الواجب العسكري بعيدا عن منازلهم بغية تقليص احتمالات تعارض الولاءات.. هل هذه التوصيات الصادرة عن مجموعة الأزمات الدولية يمكن أن تجد بحال من الأحوال طريقها للتطبيق علي الأرض؟ اغلب الظن أن ذلك ليس كذلك والسبب هو أن الحكومات واليمينيين تجمعهم معا رؤية أيديولوجية يمينية متشددة وهذا حديث آخر قائم بذاته.