دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة والتي تضم ما يقرب من 57 ألف مخطوط ما بين البرديات والمخطوطات الأثرية، والوثائق الرسمية، هي أكبر مكتبة في مصر، تليها مكتبة الأزهر ومكتبة الإسكندريةالجديدة. ودار الكتب هي ذاكرة الأمة وتراثها، وهي الجهة المنوط بها حماية التراث والتواصل بين الأجيال لكن يبدو أن البعض غير مدرك لأهمية هذا الأمر فاستهانت بعض الدوريات وخاصة الصحف بإرسال النسخ العشر التي ينص عليها قانون الإيداع من كل عدد. هل تكون تكلفة النسخ العشر هي فقط السبب في هذا الإهمال؟! أهو عدم الوعي بأهمية ذلك للأجيال القادمة أم هو عدم وجود قانون رادع؟ هل اللوم كله يقع علي مسئولي الدوريات أم أن المسئولين في دار الكتب يحتاجون إلي بعض الهمة للقيام بدوره؟! .. عندما تحدثت «القاهرة» مع أحد رؤساء تحرير إحدي الدوريات الشهرية عن وجوب تسليم النسخ المقررة لم تمر ساعات إلا وكانت النسخ العشر من جميع الأعداد الناقصة في أيدي مسئولي دار الكتب ورغم الجانب الإيجابي في الواقعة، إلا أنها تدعو للدهشة.... فأين كانت دار الكتب من متابعة هذه الدورية ومراسلتها للحصول علي نسخ الأعداد الناقصة، لماذا لا يبذل مسئولو دار الكتب بعض الجهد لملاحقة الدوريات غير الملتزمة بدلاً من الشكوي فقط بأن هذه الدورية مقصرة وهذه الصحيفة مهملة ليظل الوضع علي ما هو عليه؟! في البداية تعرف رباب رياض مدير عام إدارة الدوريات مفهوم الدورية: «هي عبارة عن الصحف والمجلات والنشرات والأدلة والتي تصدر بصفة منتظمة أو حتي غير منتظمة وأي ناشر أو أي مسئول عن أي من هذه الأوعية الصحفية يأتي ليحصل علي رقم إيداع قبل الصدور أو بعد صدور العدد الأول علي الأكثر ويفضل أن يأتي رئيس تحرير المطبوعة بنفسه أو يرسل من ينوب عنه بخطاب رسمي ويتم إعطاؤه خطاب مختوم وبه رقم الإيداع وهناك صندوق لاستقبال الصحف من المندوبين عند مدخل الهيئة وتضيف رباب: هناك العديد من الأقسام بإدارة الدوريات منها قسم الإيداع وهو يختص بالمطبوعات التي لها رقم إيداع وهناك قسم الاشتراكات والذي يختص بدوريات محلية أو أجنبية مثل النيوزويك والتايمز وهي تأتي من الخارج عن طريق مؤسسة الأهرام ويضم حوالي 13 دورية علمية وإخبارية تصدر باللغة العربية ومثلها حوالي 37 دورية تصدر باللغات الأجنبية كما أن هناك قسم تبادل الهدايا وهو عبارة عن تبادل الدوريات مع المؤسسات في البلاد الأخري وهناك المطبوعات الحكومية التي تخص الوزارات. غياب الوعي يقول رضا الوزيري مدير عام خدمات القراء: ينص قانون الإيداع علي وجود 10 نسخ من كل عدد من أي دورية سواء يومية أو أسبوعية أو شهرية أو سنوية وهذا ينطبق علي الكتب أيضًا وحتي شرائط الكاسيت أو أي أوعية معلومات أخري، ومع وجود هذا القانون ومع أهمية هذه النسخ للتاريخ والتراث إلا أن هناك بعض الصحف والمجلات وأيضًا بعض الكتب التي يتقاعس أصحابها عن تسليم النسخ العشر المقررة والتي نص عليها قانون الإيداع والذي بموجبه تحصل المطبوعة علي رقم الإيداع الذي يعطي مجانًا. ويستطرد الوزيري قائلاً: بعض الصحف لم تقم بتسليم النسخ منذ عام 2000 خاصة الصحف الحديثة والتي لا تعي أهمية احتفاظ دار الكتب بتلك النسخ وأنها ذات يوم ستصبح مادة مهمة للأجيال القادمة في معرفة التاريخ وهذا عكس الصحف الحكومية التي تتبع المؤسسات الكبري والتي تلتزم بشكل حقيقي وتعي أهمية تسليم النسخ المقررة في نفس السياق تضيف رباب: هناك حوالي 15 دورية أخذت أرقام إيداع ولم تأت منها ولا نسخة واحدة من وقتها وهناك من أرسلوا إلينا بعدد أو اثنين علي الأكثر وتوقفوا بعدها. وعن سبب عدم التزام تلك الصحف بتسليم النسخ المنصوص عليها رغم إعطائهم أرقام إيداع يقول الوزيري: ربما يعود السبب إلي التكلفة حيث الصحيفة لا تزال في مرحلة الانتشار وربما تري أن هذا ربما يخل بميزانيتها خاصة مع التوزيع الضئيل ومن ثم تقوم بخفض التكاليف علي حساب تسليم النسخ المقررة. ونضطر أحيانًا لأخذ نسخ من المرتجع وأبرز الصحف غير الملتزمة هي «الكرامة» و«صوت الأمة» التي تقصر دومًا وتطلب منا الانتظار للأخذ من المرتجع. يضيف ماجد كامل كبير الباحثين بإدارة الدوريات عدم التزام بعض الصحف يرجع أولاً إلي الجهل بالقانون والجهل بما يسمي أصلاً رقم إيداع وإذا كان هناك معرفة به فنجد عدم الوعي بأهمية تسليم تلك النسخ فمثلاً مجلة الثقافة الجديدة والتي تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة لا تأتي مطلقًا. أما بالنسبة للدوريات المسيحية فكثير منها غير ملتزم بالمرة مثل مجلة «صديقي الكاهن» وهي دورية كاثوليكية تصدر عن المعهد الأكليريكي ومجلة «مدرسة الإسكندرية» والتي تصدر عن كنيسة مارجرجس بالإسكندرية وبالنسبة لدوريتي «الكرازة» و«مدارس الأحد» فأنا أذهب بنفسي لإحضارهم». عن أهمية عدد النسخ المطلوبة وهي عشر نسخ يقول الوزيري عشر نسخ ليست بالعدد الكبير خاصة أنها موظفة لخدمة الثقافة، فهناك نسختان تدخل في رصيد الدار نفسها ونسخة لمجلس المعلومات الموجود في الهيئة ونسخ لرؤساء القطاعات وبعض النسخ للمكتبات الفرعية. لكن ماذا عن وجوب قانون رادع للصحف غير الملتزمة.. يقول الوزيري: بعد عدة مراسلات مع الصحيفة نقوم (بتجميد) رقم الإيداع ويصبح بلا صلاحية وهو إجراء تحفظي ليس أكثر وبعد ذلك نقوم بإحالة الأمر إلي الشئون القانونية والتي تبدأ في اتخاذ الإجراءات اللازمة ورفع قضية نأخذ فيها حكمًا لصالحنا بإلزام الصحيفة بالغرامة. وعما إذا كان هذا كافياً لأن تلتزم الصحف بإرسال النسخ المقررة... يقول د.عبدالناصر حسن رئيس الإدارة المركزية لدار الكتب: القانون غير رادع علي الإطلاق لكننا بصدد إصدار قانون جديد يجبر الصحف والدوريات عمومًا علي الالتزام. عن الدور المهم الذي قد تلعبه تلك الصحف مستقبلاً للأجيال القادمة يقول ماجد كامل: الدليل علي الدور المهم الذي تتغافل عنه الدوريات الحالية هو وجود صحف قديمة مثل جريدة مصر والتي كانت تصدر نهاية القرن التاسع عشر وتوقفت عام 1966 حيث يستطيع الباحث الإطلاع عليها ومراجعتها واستقاء معلومات تاريخية غاية في الأهمية منها وذلك بسبب انتظامها وأيضًا مجلة الكرامة والتي صدرت من 1904 إلي 1931 أعدادها كاملة في دار الكتب حتي الآن. استجابة تواصلت القاهرة مع المسئولين ببعض الصحف التي لا تلتزم بتسليم النسخ المقررة..... في البداية يقول طارق الطاهر رئيس تحرير مجلة الثقافة الجديدة: لقد تبنيت بنفسي بصفتي صحفي الحملة ذاتها منذ 5 سنوات! وقمت بزيارة الدار ولم أجد كتابًا واحدًا من الذي كنت أبحث عنه رغم أن جميعها أخذت أرقام إيداع ويضيف: كتب وزارة الثقافة نفسها غير ملتزمة بالقانون هذا يؤدي إلي خلل كبير حيث يتم تفريغ الدار من الدور المنوط به وهو حماية التراث فبعد 10 سنوات لن يكون هناك تاريخ ويستطرد الطاهر: منذ توليت رئاسة تحرير مجلة الثقافة الجديدة لم يحدث وأن أرسلنا إليهم أي عدد وذلك علي مدار سنة وشهرين وأنا أعترف بالتقصير لكنهم أيضًا في دار الكتب لم يقوموا بمطالبتنا بأي من النسخ الشهرية!! وأنا أتعهد «للقاهرة» أنني سأقوم فورًا بإرسال الأربعة عشر عدداً من الثقافة الجديدة التي صدرت أثناء رئاستي للتحرير (بالفعل قام طارق الطاهر بالوفاء بوعده للقاهرة وقام بتسليم النسخ المطلوبة من 14 عدد في اليوم التالي وفقًا للمعلومات التي وردت إلينا من دار الكتب). تكلفة باهظة يوسف الببلاوي مسئول التوزيع بالكرامة علل عدم الالتزام بإرسال النسخ قائلا:ً مؤسسة الأخبار هي من يختص بتوزيع جريدة الكرامة أسبوعيا ونحن نؤكد علي وصول النسخ العشر أسبوعيا والدليل علي ذلك أنه لم تردنا من دار الكتب أي شكوي بخصوص تقصيرنا في إرسال النسخ المطلوبة فكيف لهم أن يتهمونا بعد ذلك بالتقصير وإذا كان هناك تقصير فعلاً فلماذا لم يراسلونا ليطلبوا حقهم في النسخ؟! أما م: أنور حسن مدير عام جريدة «صوت الأمة» فكان مبرره هو الأغرب فيقول: «نعتبر ملتزمين نسبيا ونرسل لهم 5 نسخ من كل عدد! ولكن رئيس مجلس الإدارة يرفض زيادة عدد النسخ إلي عشر، نظرًا للتكلفة ويضيف: «الأوفر أن تقوم دار الكتب بإرسال مندوب إلينا فالخمس نسخ تكلفنا جنيهين ونصف الجنيه حيث تحسب علينا النسخة بخمسين قرشاً بالإضافة إلي ركوب المندوب بجينه ذهابًا وإيابًا وذلك 4 مرات في الشهر (ولك أن تتخيلي التكلفة الباهظة التي نتكبدها لوصول النسخ! لذا فأحيانًا نرسل نسخ الأعداد مكتملة شهريا وليس أسبوعيا والأفضل أن ترسل الدار مندوبًا أسبوعًيا لتسليمها النسخ المطلوبة».