هي مولد.. دفعة من الممثلين هي الأولي التي تتخرج في أكاديمية الفنون التي انشأتها مطرانية شبرا الخيمة للأقباط الأرثوذكس باسم أكاديمية الفنون والثقافة، التي يترأسها الأنبا مرقص وفي قسم المسرح الذي قام بالتدريس فيه كل من صاحب هذه السطور والناقدة سامية حبيب والمخرج والفنان التشكيلي فادي فوكيه والدكتور أحمد عامر والأستاذ الدكتور مدحت الكاشف والتي أتت ثمارها بعد دوامة أربعة أعوام هي المدة التي قضتها الدفعة التي تخرجت «عمليا» علي مسرح «متروبول» أن قام بإخراج وإعداد عرض التخرج لهذه الدفعة الفنان فادي فوكيه. كان العرض الانتقادي الكوميدي «هي مولد» الذي يحمل في اعطافه قدرا كبيرا من نقد وانتقاد السلبيات الحياتية. سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وسلوكيا. ولعل تنوع الصور والمشاهد قد اتسمت جميعها بسرعة الإيقاع ووعي المتخرجين في أن يقدموا أحسن ما عندهم من طاقات وخبرات التبسوها من خلال الدراسات المتعمقة التي حولت مجموعة من الهواة إلي مجموعة من الدارسين الواعدين في مجال المسرح والتمثيل بشكل خاص.. ولعل من أهم أهداف هذه الأكاديمية الجديدة هو أن يكون المسرح عندهم محتفظا بطبيعة الدور الذي لعبه قبل منتصف الستينات، بعيدا عن طرح الأسئلة ومحاولة التماس الطريق في أن يكون مسرحهم يتوجه إلي عرض هموم المجتمع بكل ما فيه من مشاكل قد تنوء بكواهل كل الناس، انه مسرح المكاشفة من خلال طرح تلعب الكوميديا فيه الدور الأول لكن دون اللجوء إلي الإسفاف وإنما من خلال لوحات يعيش المتلقي فيها ويتفاعل معها وبها. كولاج وحتي الإعداد لم يلجأ إلي نص أو بضعة نصوص، وإنما أتي «كولاچ» من عدة مواقف عشناها جميعنا في حياتنا، وعرض لتناقضات مجتمعية وسلوكية أراد بها المعد أن تخدم الشباب في إظهار كل ما لديهم من مواهب تمثيلية ومعايشة حقيقية وكأنهم فرقة من الممثلين المحترفين. إذن هنا لا ينبغي أن نتوقف علي مفهوم «النص» وإنما ننطلق إلي الأرحب وهو شمولية العرض، فالمعد والمخرج وكل من ساهم في تقديم العون العلمي من أجل تخريج هذه الدفعة، تعلموا من شيوخ المهنة من خلال التلقي العلمي الجيد في سنوات مجد المسرح، ولهذا لن أتناول النقد لهذا العرض علي شريعة «بيتر بروك» حين قال:«إن هناك نوعا من النقد يسمي بالنقد المميت» وإنما سأتبع مقولة أستاذنا الناقد الراحل العظيم الدكتور محمد مندور حين قال لنا عن النقد معرفا له ببساطة بأنه يجب أن يكون النقد مثل قطرات الندي، تنزل علي العمل تماما كما تنزل قطرة الندي علي النبتة الصغيرة فتغسلها وتجعلها في أعيننا لامعة وتقوي ساقها وساعدها علي النمو القوي الساق.. وأعترف أن العرض قد تناول نماذج متباينة وقدم شرائح مجتمعية جعلتنا نقف أمامها في امتنان لهذه المجموعة المخلصة من شباب مسرح المستقبل، الذي لا يقل في براعته وإقدامه ومواهبه عن الدفعات التي تخرجت في ورش مسرحية أو مراكز ابداع أو كيانات قد تسيء للهواة وللهواية بل وللمسرح بشكل أعم وأشمل وأن الناقد الذي يشارك مجاملا لكم من العروض المسطحة محاولا اخفاء صفات غير متواجدة في العرض أو النص طمعا في مأرب، وما أكثرهم وأكثرها إلا إننا في النهاية كنا ومازلنا نحتاج إلي الصوت الصادق والفعل المسرحي العلمي الواثق واسأل اكاديمية الفنون المصرية بمعاهدها الكثيرة معهد الفنون المسرحية والباليه والموسيقي العربية والفنون الشعبية والنقد والتذوق الفني والديكور كل هذه المعاهد أن تحذو حذو هذه الأكاديمية الوليدة وأن تعرض مشاريع التخرج علي الجمهور علي جميع عموم مسارح الدولة فإن في هذا ثراء للحركة المسرحية وتشجيع علي اكتشاف طاقات مواهب كثيرة تحتاج منا أن نقدمها في أحلي صور التقديم المسرحي وما أكثر وأروع مشاريع التخرج بأكاديمية الفنون العريقة التي انشأها الراحل الدكتور ثروت عكاشة وتخرج فيها كل الذين يملأون الساحة الآن من نجوم ونقاد وممثلين ومخرجين. ردود أفعال متباينة دعوني أقول لكم بأن تجربة «هي مولد» حينما عرضت ضمن فاعليات مهرجان المسرح العربي، وشاهد التجربة الناقد عمرو دوارة الذي كان ضمن الأساتذة الذين قاموا بالتدريس في أكاديمية شبرا الخيمة وكان معه في لجنة التحكيم الفنان الكبير محمود ياسين - رئيس لجنة التحكيم- فقد كانت ردود الأفعال للجميع مذهلة لدرجة أن الفنان محمود ياسين قال في كلمته التي ألقاها في حفل توزيع الجوائز بأن هذه التجربة جعلتني أعتز بأنني كنت ومازلت هاويا، وأن الهواية هي الطريق إلي هذا الشكل من الأداء المتميز الواعي والواعد. وقالت الناقدة والأستاذة في الأكاديمية د. سامية حبيب لقد أذهلوني هؤلاء الأولاد وكم كانت سعادتي وأنا أشهد ميلادهم الحقيقي مع الجماهير وجها لوجه. وقال الناقد الدكتور عمرو دوارة إذا كانت الهواية قضيتي فأنا قد كسبت اليوم أكبر قضايانا حيث أصبح من الهواة اكاديمية وأمامنا هم الأكثر قدرة علي تحمل المسئولية . صدي المفردات اعتمد العرض علي مفردات عرض بسيطة فالملابس عبارة عن توحيد زي الشباب والبنات بنطال أسود وقميص أبيض وكوفية أرجوانية وقلوب بيضاء لم تعرف الزيف أو الحقد، ولا تبقي سوي تقديم أفضل ما لديها. الديكور عبارة عن مجموعة من الأطر الفارغة ومربعات خشبية بيضاء كانت هي كل ديكور المسرحية في كل لوحاتها، وقد لعب الممثلون وتفننوا وقاموا بلعب الدمي، والتمثيل داخل التمثيل والتمثيل المايم والأداء الجسدي فاستحقوا رتبة فنانين شاملين.. والبقية تأتي تحية للعارضين وتحية لصاحب الرؤية النصية الكولاجية وتحية للإخراج الجيد للفنان فادي فوكيه صاحب هذه التجربة الرائدة.