في إطار صالون بن رشد، عقد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان لقاء نقاشيا بعنوان " الصحافة القومية بين السيطرة والإصلاح". ضم اللقاء كلاً من احمد سبيع المستشار الإعلامي لحزب الحرية والعدالة، جمال فهمي وكيل أول نقابة الصحفيين، وخالد بنورة عضو لجنة الثقافة والإعلام بمجلس الشوري والخبير الإعلامي ياسر عبدالعزيز. في البداية أشار بهي الدير حسن مدير اللقاء ومدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، إلي أن مشكلة الصحافة القومية ترجع إلي عهود قبل الثورة، وقد طرحت العديد من المشروعات الإصلاحية لتلك المنظومة سواء قبل الثورة أو بعدها، والتي كان آخرها ما طرحه مجلس الشوري، بشأن تحديد معايير اختيار رؤساء التحرير وآليات إعادة هيكلة تلك المؤسسات، الأمر الذي لاقي ردود أفعال متضاربة داخل الوسط الصحفي، ما بين مؤيد ومعارض، بما يستدعي إعادة طرح تلك المقترحات والمبادرات للمناقشة والتقييم، وبيان حقيقة أهدافها، فما بين الإصلاح والسيطرة، والتطوير والتطهير تقف المؤسسات القومية تنتظر الحل. من جانبه استعرض خالد بنوره عضو مجلس الشوري مقترح المجلس، والذي جاء -علي حد قوله - انطلاقاً من رصد دقيق كشف عن تردي مذهل في أوضاع تلك المؤسسات المالية والمهنية أيضا. حيث رصد مجلس الشوري أكثر من 123 مليار جنيه خسائر ل55 مؤسسة قومية، بالإضافة إلي ما كشف عنه المجلس من ضرائب مستحقة، ورشاو مالية، وامتيازات تمتع بها رؤساء تحرير تلك المؤسسات والذين كانوا اذرعة النظام السابق لإفساد تلك المؤسسات. ويضيف بنوره الشعب فوض مجلس الشوري لإدارة ملكيته تلك المؤسسات، ولكن مجلس الشوري علي مدي عهود ماضية لم ينصع لهذا التفويض، واكتفي بأن يكون مصدقا علي تعليمات تأتيه من قيادات النظام، حتي تحول مجلس الشوري لمقلد سيطرة النظام علي حرية الصحافة وحقوق الصحفيين بما يتعارض مع القانون. مؤكدا أن المبادرة التي جاءت من المجلس الحالي حاولت تقديم حلول قصيرة الأجل للازمة، ووضع خطة علي المدي الطويل لإعادة الاستفادة المالية والمهنية من تلك المؤسسات. الحلول التي طرحها بنوره كانت مبعثا لنقد شديد من قبل جمال فهمي وكيل أول نقابة الصحفيين، والذي اعتبر أن مبادرة المجلس هي محاولة للسيطرة والتغلغل والتدخل في العمل الصحفي ليس إلي إصلاح تلك المؤسسات، مدللاً علي ذلك بالمقترح الخاص بإلزام المؤسسات الصحفية برفع تقارير دورية عن مكاتبها الإقليمية ومراسليها، معتبراً هذا تدخل في شان مهني لا جدوي ولا علاقة له بعملية الإصلاح وإعادة الهيكلة. أضاف فهمي: حرية الصحافة من غير الممكن أن تعيش في بيئة معزولة عن باقي منظومة الحريات في المجتمع، مستنكراً تجاهل المجلس لترسانة من القوانين المقيدة للحريات الصحفية، مؤكداً أن القوانين الحالية إذا طبقت ربما تتسبب في حبس محرر صفحة الوفيات في الأهرام، بل ان مجلس الشعب المنحل- علي حد قوله-لم يكن مخلصا لادعائه بأنه برلمان الثورة لأنه ساهم في قمع احد أهم مطالب الثورة والمتمثلة في الحرية، متبعاً نهج النظام السابق في قمع الحريات وللأسف بلغة اقل تهذيبًا، فالنظام السابق كان يستخدم في القمع لغة أكثر دبلوماسية من تلك التهديدات التي كان يطلقها البرلمان الأخير. من ناحية أخري، تناول أحمد سبيع -المستشار الإعلامي لحزب الحرية والعدالة- إشكالية استقلال المؤسسات الصحافة القومية من منظور الإصلاح المؤسسي، وهو الإصلاح الذي يراه ضرورياً لتطوير عمل مؤسسات الدولة بوجه عام. واعتبر سبيع أن الانطلاق في عملية إصلاح مؤسسات الدولة الصحفية يجب أن يتم تناوله في ضوء زيادة مساحات حرية الرأي والتعبير المتاحة والتي تلعب دوراً لا غني عنه في تشكيل وتوجيه الرأي العام في قضايا عديدة. أكد سبيع أهمية البدء في اتخاذ مجموعة من الإجراءات في سبيل الشروع في عملية إصلاح المؤسسات الصحفية كاستحداث آليات لفصل ملكية الدولة لهذه المؤسسات بما تستتبعه هذه الملكية من تدخلات جهة الإدارة وتأثيرها في مهنية هذه المؤسسات، كما أشار أيضاً إلي أشكال التدخل الإداري في عمل هذه المؤسسات متمثلاً في تحديد الإطار الإداري الذي تدار هذه المؤسسات من خلاله. كما أشار سبيع لأزمة مهنية الصحفيين ومصداقية المادة الصحفية والإخبارية التي يقدموها للجمهور. اختتم سبيع كلمته بأن "المعركة الحالية ليست في قرار مجلس الشوري والتي تعتبر إجراء "شكلي" بل ان المعركة الحقيقة هي معركة كتابة الدستور وهي المعركة التي ستخلق مناخا وبيئة تشريعية جديدة قد يمنحا قدراً أوسع من الحريات فيما يخص ممارسة العمل الصحفي بشكل عام" حاول ياسر عبدالعزيز الخبير الإعلامي طرح مجموعة من الأسئلة التي يمكن أن تطرح نقاشات مجدية لحل أزمة استقلال مؤسسات الصحافة القومية، كالبحث في آليات إصلاح وسائل الإعلام المملوكة للدولة وجدوي منح مجلس الشوري سلطة مراقبة وتحديد أطر عمل المؤسسات الصحفية القومية والتي باتت تعاني -علي حد قوله- أزمة مصداقية حقيقية بسبب التدخلات المستمرة من جانب السلطة التنفيذية ممثلة في وزارة الإعلام وكذا السلطة التشريعية ممثلة بالطبع في مجلس الشوري. شكك عبدالعزيز في وجود رغبة حقيقة لدي صناع القرار في مصر لحل أزمة الإعلام مؤكداً أن الحل في تحرير هذه المؤسسات من سيطرة وقبضة جهة الإدارة في التدخل في السياسات التحريرية لهذه المؤسسات وضرورة منح مناخ وفرص أكبر للكفاءات المهنية الشابة في الظهور وتقلد مناصب قيادية داخل هذه المؤسسات. أما فيما يتعلق بآليات حل الأزمة أشار عبدالعزيز إلي ضرورة تشكيل هيئة مستقلة تسمي "الهيئة العامة للصحافة والإعلاميين" و توكل لها سلطات مجلس الشوري في إدارة مؤسسات الدولة الإعلامية علي أن تشكل من عدة جهات كنقابة الصحفيين ونقابة الإعلاميين ومنظمات المجتمع المدني ومجلس الشوري ورئيس الجمهورية. تضع هذه اللجنة في أولوياتها محاسبة الفاسدين داخل هذه المؤسسات الإعلامية وهو ما سيسهم في إدارة عملية الإصلاح الهيكلي لهذه المؤسسات دون الإخلال أو التدخل في معايير مهنيتها. اتفق عبدالعزيز مع جمال فهمي في ضرورة سن قوانين لإدارة المؤسسات، حيث لا يجوز للحكومة أن تدير عملية الإصلاح لأنها ليست جزءاً من الدولة -مالكة هذه المؤسسات- ولكن يمكن لها الإشراف فقط علي عملية التغيير والإصلاح المطلوبة. من جانبه رفض بنوره الاتهامات التي وجهت لحزبه بالسعي نحو"الهيمنة"علي مقاعد رؤساء التحرير في هذه المؤسسات رغبة من الحزب في توجيه الصحف القومية نحو خدمة مصالح حزبية ضيقة، مؤكدا أن الصحفيين ممثلين في نقابة الصحفيين هم من وضعوا معايير وضوابط اختيار وتعيين رؤساء تحرير الصحف القومية من خلال لجنة مشكلة لهذا الغرض وليس مجلس الشوري أو حزب الحرية والعدالة. بينما علق فهمي أن النقابة كل ما تملكه من سلطات مكفولة لها هو ضمان توفير البيئة النقابية الصحية لكافة الصحفيين بغض النظر عن درجة مهنيتهم. اختتم بهي الدين حسن اللقاء بالإشارة إلي أن قرار مجلس الشوري جاء متسرعاً وصادماً للوسط الصحفي لأنه لم يراع المعايير المهنية لاختيار رؤساء التحرير وفقاً لمعايير موضوعية داعياً حزب الحرية والعدالة إلي مزيد من المصارحة مع الإعلام ومع الجماهير خصوصاً بعد فوز الدكتور مرسي في انتخابات الرئاسة.