كانت ساعات حالكة تلك التي أعقبت اغلاق لجان الانتخابات الرئاسية مساء الخميس 24 مايو الماضي.. حيث بدأ مراسلو الفضائيات في أنحاء مصر يمطروننا بالنتائج لجنة بعد أخري.. وكان مطرا حمضيا.. فما انتصف نهار الجمعة الحزينة " كانت كذلك من وجهة نظر ملايين المصريين " حتي بان الخيط الأبيض من الخيط الأسود.. الاعادة بين ممثل الاخوان الدكتور محمد مرسي وآخر رئيس للوزراء في العهد السابق الفريق أحمد شفيق! .. يوم الأربعاء.. اليوم الأول للاقتراع توجهت وزوجتي إلي لجان الانتخاب بمصر الجديدة وأدلينا بصوتينا.. وكان لكل منا مرشحه المفضل .؟وهذا أيضا حال ابنتينا وابننا في الولاياتالمتحدة.. أمضينا أياما عديدة نتحاور حول المرشحين لنتوحد حول مرشح بعينه.. وأخفقنا.. الأم والابنتان اتفقن علي مرشح يمثل الثوار .. أما أنا فأعطيت صوتي لما أظنه المرشح الذي يملك خبرة و تكوين رجل الدولة.. وفي الوقت نفسه ينأي عن النظام السابق -رغم أنه خدم معه - ولو ببضع خطوات.. أماالابن فقد أدلي بصوته لمن يراه تجسيدا للاسلام المعتدل..فعلنا ذلك مثل ملايين الأسر المصرية بسعادة غامرة.. بل وكثيرا ما كنا نقهقه ساخرين حين نستحضر من الذاكرة نتائج الاستفتاءات علي زعمائنا في مصر والعراق وليبيا واليمن وسوريا وغيرها والتي تنتهي ب100%.. ! الآن ننعم ولأول مرة في التاريخ بديمقراطية حقيقية إلي حد اختلاف الأب مع ابنه واختلاف الزوجة مع زوجها في تسمية المرشح الذي يمكن أن يقود البلاد نحو سكة السلامة.. فهل نحن ننعم بالفعل بديمقراطية حقيقية؟ يوم التكاتك عقب ادلائي وزوجتي بصوتينا توجهنا إلي قريتي.. بمحافظة الدقهلية.. دوما في حواراتي معها في المسألة الانتخابية أجدها تستشهد بتصريحات المرشحين.. هذا قال وذاك علق.. وكنت أقول لها: ما يقولونه لايكفي لأن نحكم عليهم.. بل ما يفعلونه وأنصارهم في الشارع.. لهذا غادرنا القاهرة إلي القرية.. قاع المجتمع المصري لنري كيف تجري الانتخابات.. وبالطبع فجوة هائلة بين ما يلقي علي مسامع زوجتي من كلام طيب.. بل ملائكي وبين ما يجري في الدهاليز المعتمة لمصر والبعيدة إلي حد كبير عن أعين الاعلام.. وأول من التقيت أخي الأكبر.. مهندس زراعي.. كان حزينا.. سألته:ماذا بك؟ تمتم ببضع كلمات.. ليستأذن منصرفا.. وأخبرني أخي الأصغر سبب أحزان أخينا الأكبر.. صهره كادر إخواني.. حاصره وحاصر زوجته.. وكل من يمت له بصلة قرابة..ليدلوا بأصواتهم لمرسي.. ولم يترك أخي الا بعد أن وعده وعدا صريحا بأن يفعل مايريد.. وفعل.. أدلي وزوجته بصوتيهما لمرسي..؟ هاتفت أخي الأكبر مندهشا: لماذا؟ وذكرته بمناقشاتنا وشباب العائلة علي مدار سنوات وكان الأكثر سخطا وغضبا علي الاخوان لما يراه عن قرب من سلوكياتهم..فقال لي بأسي: وعدته وما كان بامكاني أن أخلف الوعد.. لكن الست عطيات خالفت.. أتوا اليها بتوك توك وحلفوها علي المصحف أن تعلم أمام " الميزان ".. الا أنها أعطت لمرشح آخر شرحت لها ابنتها الحاصلة علي دبلوم تجارة أنه الأفضل.. وصامت الأم ثلاثة أيام تكفيرا عن القسم! في القرية جمعية خيرية ذات خلفية دينية تقدم مساعدات للنساء الفقيرات.. سكرتيرات الجمعية مررن علي بيوت هؤلاء السيدات وكن يلمحن بقطع المساعدات عنهن ان لم يدلين بأصواتهن للميزان وزيادة في الاطمئنان يدفعهن إلي القسم علي المصحف الشريف! وبالطبع يصحبهن في التكاتك إلي اللجان! وكما رأيت الاخوان وأبناء عمومتهم السلفيين..قاموا بعملية حشد هائلة.. وفي المقابل كان هناك من يحشد أيضا الناس لصالح الفريق أحمد شفيق.. قريب لي -ضابط بالقوات المسلحة - طلب من كل أفراد عائلته أن يمنحوا أصواتهم لشفيق.. لماذا؟ سأله بعضهم فكانت اجابته: الفريق شفيق رجل قوي ووحده بين كل المرشحين القادر علي تحقيق الاستقرار للبلد؟ أهذا هو السبب الوحيد؟ بل ثمة سبب ثان.. احساس هذا الضابط وبالطبع غيره كثيرون من ضباط القوات المسلحة بدفء علاقة القربي بشفيق أنهم من نفس الجينوم العسكري.. وتحت مظلته لن يجور عليهم أحد أبدا! وثمة نوع آخر من الحشد يحظي به الفريق أحمد شفيق.. العائلات المعروف عنها ارتباطها بنواب مجلس الشعب عن الحزب الوطني في زمن مبارك.. رأيت بعضهم أمام اللجان..نفس الوجوه.. كانوا يجلبون الناخبين لمرشحي الحزب الوطني في انتخابات نوفمبر 2010 ويشترون الصوت بخمسين جنيها! أما هم فنصيب كل منهم قد يصل إلي بضعة آلاف.. لكن لم أر أو أسمع هذه المرة أنهم اشتروا أصواتا.. فقط كانوا يقومون بالدعاية لشفيق.. وهذا أيضا حال رجال الأعمال الكبار ونواب مجلس الشعب السابق المنتمين للحزب المنحل.. هي حربهم الأخيرة لاستعادة " زمنهم الجميل "خاضوها وسوف يخوضونها خلال جولة الاعادة باستماتة.. عسي أن ينجح شفيق فتنكشف عنهم الغمة.. ! ولقد أخبرني محاسب في أحد بنوك المحافظة أن عضوة بالبرلمان السابق عن الحزب المنحل اتصلت بمدير البنك تحثه علي حشد موظفيه خلف شفيق.. ! سألت المحاسب: وهل استجبت لمديرك؟ فقال: شفيق أكن له قدرا كبيرا من الاحترام.. لكن ماذا تظنني فاعل حين أري امرأة الكل يعرف مدي فسادها وفضائحها في "التكويش " علي شقق المحافظة وبيع الوظائف للشباب عيني عينك هي التي تدعو له؟ بالطبع ازداد نفوري من شفيق.. بل وأخاف أن ينجح فتستعيد تلك المرأة نفوذها مرة أخري! قلت: اذاً ستعطي صوتك لمرسي في انتخابات الاعادة! فقال: القرية ليست بالحجم الكبير ..70 ألف نسمة.. وكل شيء معروف ونراه جيدا.. أحاديث قادة الاخوان أو السلفيين عن الدولة المدنية واحترام حرية المرأة وحرية الابداع عملية خداع كبري.. لاتري شيئا منه في تنظيمهم بقريتنا.. في أفراحهم لايذيعون الأغاني.. بل أشياء تردد علي وقع الدفوف.. فالموسيقي حرام.. والدعوات التي توزع علي المدعوين يكتفون بذكر اسم العريس دون اسم العروس.. فقط الحرف الأول من اسمها باللغة الانجليزية.. الآنسة S وهكذا.. بعضهم ينظر إلي اسم المرأة كعورة.. رغم أننا نعرف أسماء كل زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام وأمه آمنة وبناته!!ونردد هذه الأسماء في أحاديثنا . فهل يمكن أن نصدق أحاديث قادتهم عن حق المرأة في الخروج والعمل وارتداء ما تشاء من الأزياء في الوقت الذي يحرم بعضهم ترديد اسمها!!! .. أما الديمقراطية فهي هدية الليبراليين لهم للوصول للحكم.. لكنهم لايؤمنون بها.. ولا يمارسونها في شؤونهم الخاصة.. ! سلم المجد وأري ما يراه المحاسب..خلال خطبة الجمعة في أحد مساجدهم بالمستشفي الكبير الذي شيدوه بجوار العمارة التي أقطن بها في مدينة نصر.. قال خطيبهم ما لم يعجب بعض المصلين.. عقب انتهاء الصلاة حاول أحدهم أن يناقش الخطيب فيما قال.. تدخل بعض مسئوليهم بالمستشفي وقالوا هذا جدل غير مستحب "أو شيء من هذا القبيل".. ورفضوا الحوار!!خطبة الجمعة كانت كلمتهم.. ألقوا بها من فوق المنبر.. وعلي المصلين أن ينصاعوا ويهزوا رءوسهم سمعا وطاعة.. ! ولا أدري من قال هذا.. الدكتور مصطفي الفقي أم غيره: الديمقراطية بالنسبة للاخوان سلم يصعدون عليه إلي السطح فان وصلوا ركلوه بأقدامهم فلا يستطيع أحد الصعود بعد ذلك.. ! أحاديثهم المرعبة والمدهش أن بعض قيادات الاخوان يقولون نفس الشيء عن شفيق.. في ندوة جريدة المسائية التي شرفت بادارتها مساء3يونيو الحالي بدار أخبار اليوم.. وكان عنوانها " انتخابات الاعادة.. بين مرسي وشفيق أم بديع ومبارك؟!! " قال المحامي عواض معن وهو أحد مؤسسي حزب الحرية والعدالة.. انه اذا فاز الدكتور محمد مرسي في انتخابات الرئاسة.. ولم ينل أداؤه رضا الشعب فيمكن أن يزيحوه خلال ساعة واحدة؟ أما اذا جاء الفريق أحمد شفيق فسوف ينهض النظام السابق بكل جبروته وآلياته الجبارة في الشرطة والمحليات والجهاز الاداري للدولة.. ولن يتمكن أحد بعد ذلك من ازاحته.. ! وأعترف.. أرعبني حديثه.. نقلت ماقال إلي زوجتي.. وزدت: أراه في حديثه عن شفيق محقا.. تماما مثلما كان محاسب البنك في البوح بمخاوفه من الجماعة محقا فسألتني: هل أخطأنا.. ؟! كان ينبغي أن نتفق أنا وأنت وأولادنا علي مرشح بعينه يمثل الزمن الجديد.. ! نحن الأغلبية!! قلت: نعم.. كلامك فيه صواب.. اختلفنا وفرحنا باختلافنا..قلنا هذه هي الديمقراطية في أرقي صورها.. الأب يصوت لمرشح والأم لثان والأبناء لثالث ورابع وخامس.. والكارثة في الثوارالذين أهدروا طاقاتهم في معارك عبثية مع المجلس العسكري والجنزوري.. بينما الآخرون كانوا يعبئون الأصوات بالحق وبالباطل . .. فسألتني في قلق: اذا ماذا يتعين علينا أن نفعل الآن.. هل نلزم بيوتنا يوم انتخابات الاعادة؟ أم نمنح اصواتنا لمرسي علي اعتبار أن خلافنا معه فكري.. أما خلافنا مع المؤسسة التي تقف وراء شفيق فأخلاقي؟ قلت في عجز:لاأدري!! ولم أزد.. لتسألني بعد لحظات من الصمت: فيم أنت شارد؟ قلت: في عبارة تضمنها مقال روبرت فيسك الأخير بصحيفة الاندبندنت تقول: الثورات لا تحدث دائمًا بالشكل الذي نريده!