عندما اكتشفت مركب خوفو الأولي جنوب هرمه في خمسينات القرن الماضي أثارت ضجة كبري واهتماما عالميا باعتبارها أول كشف من نوعه لمركب جنزي متكامل بحجم طبيعي.. وقد قضي الحاج أحمد يوسف ما يرقب من ربع قرن في ترميم وتجميع الأجزاء المفككة من ذلك المركب التي تعرض حالياً في متحف مستقل مكان الكشف بجوار الهرم.. ورغم معرفة مكان المركب الثاني لنفس الملك، إلا أن حالتها السيئة والخوف عليها من التلف حال دون استخراجها. أما الآن فتخضع عينات من خشب هذا المركب الثاني للملك خوفو للفحص بمعامل في مصر واليابان، وذلك لفحصها بأحدث الوسائل العلمية، إعدادا لاستكمال المرحلة الثالثة من مشروع ترميم المركب، والتي بدأ فيها فريق من الأثريين اليابانيين والمصريين في فبراير 2012م، والذي يرجع تاريخه إلي حوالي عام 4500 عام، والواقع بمنطقة آثار هضبة الهرم في الجيزة. وقد اكتشفت المركب الثانية عام 1987م وتم بدأ العمل في المرحلة الأولي بها، والمشكلة التي تواجهها تتمثل في حالة الخشب، وقد تصور علماء الآثار قديما بعد اكتشاف حفرة المركب الثانية، ان الحفرة تضم مركبا شراعيا، ولكن بعد إدخال كاميرا متخصصة داخل الحفرة اتضح بعد تحليل عينة من الأخشاب الموجودة بالحفرة، أنها تشابه المكونات الخاصة بالمركب الأولي. حالة الخشب ودور الترميم يذكر الدكتور هاني حنا خبير ترميم وصيانة الآثار والمدير العام بوزارة الآثار إن المشروع بصفة عامة عبارة عن استخراج وعلاج وترميم أخشاب مركب خوفو الثانية، وتجميع المركب في مكان العرض المتحفي الذي سيخصص لها، وبالتالي فإن دور الترميم هو الدور المحوري والرئيسي في هذه العملية، وكما اتضح من المعاينات الأولية فإن حالة الأخشاب في غاية السوء فغالبية الأخشاب يكاد يكون متفحما وجميعها متهالكة تماما شديدة الجفاف والضعف والهشاشية، وتحولت بالكامل إلي مادة ضعيفة يمكن ان تتحول إلي مسحوق بمجرد الضغط عليها، بل ان العديد من أجزاء الخشب قد تفت وتحطم فعلا وتناثر أجزاء منه في الحفرة بالإضافة إلي تكسر أجزاء عديدة منها إلي عدة قطع، ولهذا فإنه كان من الضروري التعامل بحذر شديد ودراسة أي عمل أو إجراء سيتم اتخاذه في دراسة علمية وافية ومتأنية. مراحل الترميم يذكر الاثري عفيفي غنيم المسئول عن المشروع، أن المرحلة الأولي في المشروع بدأت من عام1987م حتي 1992م، وقامت بإنتاجها عدة مؤسسات ومراكز علمية منها ناشيونال جيوجرافيك وجامعة واسيدا اليابانية مع هيئة الآثار،وكانت عبارة عن مرحلة للدراسات الأولية التي علي أساسها يبني المشروع، وقد تم إدخال كاميرا داخل الحفرة وتصوير المحتويات وقياس درجة الحرارة والرطوبة بها، ومن خلال تلك المرحلة تم التعرف علي حالة الخشب والبيئة الداخلية للحفرة. ويضيف غنيم أن المرحلة الثانية كانت عبارة عن تهيئة البيئة المحيطة بالحفرة قبل فتحها والتعامل مع الخشب، وذلك بتجهيز الهنجر الداخلي وعمل تكييف ومخزن الداخلي، ومعمل ترميم أعده اليابانيون بكل الأجهزة اللازمة، وتمت بالتعاون بين الجامعة اليابانية مع وزراة الآثار، وقد قامت الجامعة بتكليف مهندسين للعمل، وبدأت المرحلة بدراسات منذ عام 1992م، ثم بدأ العمل بالفعل منذ 2008م، وتم إعداد الموقع ببناء هنجر كبير حول الموقع، ثم بناء خيمة داخلية (هنجر صغير) علي مساحة الحفرة فقط من الداخل، والتي بها الخشب. أما د.حنا فيوضح أن ذلك الهنجر تم عمله بالتحكم التام في ظروفه البيئية ليكون مثل الظروف البيئية (درجة الحرارة والرطوبة النسبية) بالحفرة الموجود بها الأخشاب، حتي لا تتعرض الأخشاب لأي تغيير مفاجئ في الحرارة والرطوبة وحتي يتم علاجها قبل استخراجها لاستكمال عملية ترميمها. بينما يؤكد عفيفي انه قد تم إعداد وحدة تكييف لضبط الحرارة والرطوبة داخل الخيمة، وتركيبها في الموقع وتجهيزها قبلا في الخيمة وتجريبها في نفس المرحلة، ثم تم البدء في رفع أحجار سقف حجرة المركب، وأشار إلي أن هذه الخطوة كانت أصعبهم، حيث كانت الأحجار 42 حجراً ووزن الحجر الواحد يصل ما بين 16 إلي 18 طناً، وكانت فيها مخاطرة كبيرة فكان اذا سقط واحد يتسبب في تدمير المركب، وأيضا تصميم ونش متحرك صممه مهندس مصري مع مهندسين يابانيين، وتم عمل قضيب معدني لإخراج الحجر من الحفرة حتي الهنجر الكبير ثم الي جنوب الهرم الأكبر. في نفس الوقت تم إعداد معمل الترميم والمخزن المؤقت في الموقع، ليتم علي أساسه العمل علي ترميم وتقوية وتخزين الأخشاب قبل إعادة التجميع المركب المفككة، وكانت 3 طبقات داخل الحفرة. وانه تم تإعادة تجميع القطع الخشبية، وتقويتها وعلاجها وإعادة تجميعها لتشكيل المركب، وانتهت المرحلة برفع أحجار المركب كلها حتي يتم الحفاظ علي درجة الحرارة والرطوبة، وذلك بعمل ألواح خشبية معالجة كيميائيا تم استيرادها من اليابان لتسهيل التعامل مع الخشب، حتي لا يتسبب بأضرار في الأخشاب، وانتهت هذه المرحلة في 7 عام 2011م. ويشير د. حنا إلي أن المرحلة الثالثة بدأت في شهر فبراير 2012م، والتي كانت عبارة عن اخذ عينات من الخشب، لفحصها بوسائل الفحص العلمية في معامل متخصصة في مصر واليابان، حيث تم عمل وسيلة ميكانيكية صممها الأستاذ الدكتور أيمن حامد المستشار الهندسي للمشروع، استخدمت في النزول إلي الحفرة لمعاينة الأخشاب وأخذ عينات منها، وذلك لتحديد حالتها ونوعية الأخشاب مع إجراء تجارب معملية لتحديد أفضل أساليب ومواد العلاج والترميم التي يجب استخدامها.