عزيزي القارئ، أعترف لك من البداية بأنني لن أستطيع أن أكون محايدا أو موضوعيا وأنا أتحدث عن فيلم لنجم خرج إلي مظاهرات التحرير منذ بدايتها ووقف في صفوف الجماهير يتلقي الضربات ويتعرض للسحل مثل أي مواطن غلبان، بل ويعرض كل ما حققه من نجاحات وخطوات في طريقه الفني للضياع في مواجهة دولة غاشمة وليست مجرد نظام فاشل يبطش بمن يعارضه.. دولة كان رئيسها يطلق عليه أتباعه المنافقين ومعارضيه الجبناء الخانعين أنه وحاشي لله أقوي من ربنا سبحانه وتعالي، كان أحمد عيد في قلب التحرير واحدا من الناس يقف وسط المواطنين الغلابة يهتف ضد القهر والظلم ويدعو للعيش والحرية والكرامة والعدالة. قائمة الشرفاء بالطبع لم يكن عيد وحده ولكن مع قائمة من الفنانين الشرفاء المحترمين الذين الذين لم يخرجوا لأداء أحد أدوارهم الفنية أو الحياتية التي رسمها كاتب سيناريو بتوجيه ضابط أمن دولة اومسئول لجنة سياسات. كانت الهتافات تنطلق من قلوب وحناجر الجماهير عفوية وطازجة وليست شعارات معدة ومكتوبة بخط قادة من صفوة غير شريف. لم يسع عيد إلي أي مصلحة هو وزملائه الذين تحركوا بحرارة وحماسة قلوبهم في مواجهة جحافل الأمن المركزي دون أي حماية من بودي جاردات أومستعينين بخدمات إنتاجية أو لبيس يحمل لهم زجاجة العطر أوالمياة المعدنية. كانت لحظات صادقة دون غرض أومصلحة لكن من المؤكد أن عيد اكتسب خلالها مصداقية مع ذاته قبل الآخرين، خاصة أن كل الأفلام التي قام ببطولتها تحمل هما سياسيا وكانت تتضمن نقدا لاذعا للواقع السياسي والاجتماعي للبلاد. الفن ثورة أثبت عيد عكس غيره أن مواقفه لا تنفصل عن فنه وأن جرأته في النقد علي الشاشة تعادلها جرأة حقيقية في النقد والمواجهة في الشارع. لست في سبيلي للدفاع عن عيد الذي لا أعرفه مطلقا علي المستوي الشخصي.. والذي لا أعتقد أن كلاما مثل هذا يهمه حتي، فقد فعل ما آمن به ولم يسع علي الإطلاق للمتاجرة به أو استثماره. ولكن المهم في رأيي أنه إذا كان هناك من انتفض غاضبا ومستنكرا لفكرة القوائم السوداء للنجوم والممثلين الذين حاربوا الثورة وبعضهم مازال، بينما تلون البعض الآخر لينافقها حين ظنها ستنجح، فإنه من حقنا علي الأقل أن نرفع قوائم بيضاء وأن نؤيد وندعم فنانين حقيقيين أدركوا المعني الحقيقي للفن في كونه ثورة.. ثورة علي التقاليد والقواعد والنظم البالية اجتماعية كانت أوفنية وذلك في سبيل سعيه لنقل رؤية صادقة وأمينة للعالم المحيط به وكشف الحقيقة كما يراها أو كما تبدوله وعن طريق المحاولة الدائبة لتطوير أدواته وفنه وفكره. في حظ سعيد نتابع أحداث الثورة من خلال شاب بسيط محدود الوعي والثقافة ومتوسط التعليم يعمل في نزلة السمان كبائع سريح لورق البردي المقلد. وسعيد هو أحد النماذج الحقيقية لشباب المستقبل في عهد مبارك الذي تربي في أحضان فكره وتحت رعاية لجانه ومؤسساته ومستلهما تجارب رجال أعماله اللصوص النهابين بأساليبهم الملتوية وأفكارهم الانتهازية، فهومن أجل بيع أوراقه المقلدة ينصب علي السائحين ويزيف تاريخ بلاده ولا يتواني عن فعل أي شيء مادام يصب في جيبه الفارغ دائما.. وفي محاولاته الدائبة لتدبير نفقات زواجه المعطل كثيرا بفعل الغلاء وظروف الفقر والبطالة. ومن المؤكد أن مواطنا مثل هذا يصبح مثل كثيرين غيره فريسة سهلة لعبده المخلوع وخدم نظامه وكلابه الذين مازالوا يعبثون في الارض تخريبا وفسادا. ديكور وموسيقي اختيار المكان في نزلة السمان له دلالته كموقع انطلقت منه موقعة الجمل. ولكن السيناريولا يسعي للكشف عن ملابسات هذه الواقعة بقدر ما يهدف إلي الكشف عن النفوس التي دمرها عهد المقصي وعن الأزمة التي يعيشها وطننا اليوم في مرحلة الالتفاف علي الثورة. ولكن المشكلة أن رؤية الفيلم تتوقف في تحليلها لأسباب فساد الواقع عند حدود هؤلاء الفقراء المعدمين محدودي الوعي وفاقدي الضمير.. دون أن تتعمق لتكشف بنفس الجدية والإهتمام عن تحالف القوي الرجعية التي تسعي لإفقار هؤلاء اكثر لإجبارهم علي التعاون معهم لخدمة النظام القديم وإعادته بمعظم رموزه السابقة. يستغل الفلول سعيد ويجعلونه يخطب في الجماهير دفاعا عن العهد البائد ويكلفونه بجمع التوقيعات من أجل إعادة نظامهم العقيم للحياة. ولكن ذهاب سعيد إلي التحرير بحثا عن شقيقته الثورية- لعبت دورها الوجه الجديد غرام- يجعله يتورط في العديد من المواقف الكوميدية والمفارقات الناجمة عن تعامل البعض مع شاب فلولي باعتباره ثورياً وتتوالي زياراته للتحرير واختلاطه بالجماهير حتي يقرر الانضمام الي الثوار.. ويمكنك بسهولة ودون بذل أي جهد أن تتوقع بقية الأحداث وتتعرف علي ما يمكن أن يحدث لسعيد إثر اختلاطه بالثوار واكتشافه لحقائق كثيرة كان يجهلها. ويحسب للمخرج طارق عبد المعطي في هذا المجال قدرته علي المزج بين المشاهد التسجيلية مع الدرامية التمثيلية. وهو جهد يحسب أيضا للمونتيرة سلافه نور الدين التي أمكنها أن تربط بين المشاهد واللقطات ببراعة فتوحي لك بصدق ما أنت متأكد من استحالة تحقيقه. وربما لم يساعدها السيناريو كثيرا في اداء عملها بترهل المشاهد واكتظاظها بالنكات والنمر الضاحكة التي مع الأسف لا تضحك إلا قليلا. ذاتية الفنان ربما يري البعض أن الأحداث التاريخية والسياسية تحتاج إلي مسافة زمنية قبل معالجتها فنيا حتي تتضح صورتها وتتبلور قيمتها ويتمكن الفنان من تحديد رؤيته تجاهها. ولكني لا أري هذا أمرا واجبا بالضرورة. فالتفاعل مع الموقف والحدث يختلف من فنان لآخر وأسلوب التعامل والمعالجة يختلف ايضا. والفنان ليس مطالبا بتقديم بحث منهجي تاريخي وتصور مكتمل للواقعة التاريخية التي قد تكون مجرد نقطة انطلاق أومصدر إلهام لافكاره. فالفنان لا يعمل علي توثيق الواقعة بقدر ما يعمل علي تقديم رؤيته الذاتية والتعبير عنها، بشرط ألا ينشغل بالسبق الفني أو الاستغلال التجاري للحدث. وبعيدا عن نوايا وأهداف صناع فيلم حظ سعيد فإن هناك الكثير من الجوانب التي لم تأخذ وقتها في التطوير والمراجعة وغلبت عليها الخشونة ومنها شخصية الشقيقة التي لعبتها غرام والتي بدت كنموذج كاريكاتيري للثائر من فرط مبالغتها وسطحيتها، وربما أثر أسلوب كتابة الشخصية علي أداء الوجه الجديد، فلم تفدها الفرصة كثيرا علي العكس تبدو مي كساب في دور الزوجة مع إيقاف التنفيذ. فقد تخلصت كثيرا من اكلشيهاتها ونمطيتها في تامر وشوقية. وهي تؤكد بهذا الدور فقط أن لديها استعدادا للتطور والتلون. تشابهت بعض مواقف الفيلم وأزماته مع أحداث فيلم تك تك بوم، وهي أمور كان علي السيناريو أن يتجنبها. كما كان عليه أن يتجنب مسألة تبرير اخطاء من اعتبرهم مغيبين تقودهم خطواتهم لمصطفي محمود أوينطلقون بهمجيتهم للمشاركة في موقعة الجمل. فهي جرائم لم يعد يدافع عنها أحد أويسعي لتبريرها حتي ابني مبارك نفسيهما.. والخلط بين الجهل والانتهازية وغياب الوعي هي أمور كان يجب أن يتعامل معها السيناريو بميزان ذهب لأن تداخل هذه الأمور من اهم أسباب الازمة التي تعيشها مصر اليوم. تشتت درامي وإذا كانت الدراما قد عانت بعض التشتت والالتباس فإن ديكورات سامح الخولي لعبت دورها بنجاح في إضفاء مصداقية علي الفيلم بتفاصيلها المعبرة عن حال الشخصيات وظروفها المادية والاجتماعية. كما كانت موسيقي مصطفي الحلواني قادرة علي التعبير عن المواقف بتنويعاتها المختلفة وارتباطها بالحالات الشعورية المختلفة للفيلم. لكن علي جانب آخر عانت الصورة قيود ضيق المنظور ومحدودية التكوين. واستسلم التشكيل البصري للفيلم بوجه عام للأسلوب التقليدي المعتاد للفيلم المصري بحدوده الضيقة وخياله الفقير. ونفس الامر ينطبق علي حركة الممثل التي إرتبطت ببناء المشهد الكلاسيكي والذي يمكنك من فرط تقليديته أن تتوقع أنه في اللحظة القادمة سيدخل ممثل جديد الكادر أوأن الكادر ذاته سيتسع دون أن يخذل الفيلم توقعاتك. وكلها أمور كفيلة بأن تصيبك بالفتور أوتفقدك الحماس لمتابعة الفيلم الذي تدور أحداثه حولك في الواقع بالفعل دون أي مفاجأة او تحوير أو تنوير. وهكذا فإن الفيلم الذي يتعاطف مع الثورة ويسعي إلي توعية الناس بها يمثل بروحه وأسلوبه وطبيعته استسلاما كاملا لتقاليد الفيلم المصري وأساليبه، بل إن النجم نفسه أحمد عيد يواصل في فيلمه الترسيخ لنظرية النجم الذي لا تتطور أوتتحور أي شخصية في الفيلم غير التي يؤديها، ولا تنشغل الدراما إلا به، ولا تصنع الإفيهات إلا من أجله. فهل أسقطنا مبارك عن عرشه ليعشش داخل عقولنا ونظل نمارس نفس أساليب السيطرة والطغيان؟ عزيزي القارئ حاولت أن أتخلي عن موضوعيتي ولكنها تغلبت علي فدفعتني لتوجيه انتقادات حادة لفيلم يلعب بطولته أحمد عيد كنجم حقيقي من نجوم الثورة. وهو بالتأكيد لم يطاوعه فنه كثيرا في التعبير عن روح الثورة التي آمن بها وشارك فيها بمختلف الوسائل. وربما يتذكر بعضنا أن حميته وغيرته علي الثورة، الموؤدة إلي حين، جعلتهاه يتصل ببرنامج تليفزيوني ويفضح المخطط القذر الذي رسمه أصحاب القناة لإلصاق تهم الخيانة والعمالة بشباب التحرير. اعتقد المذيع أن النجم أحمد عيد هو أحد خدم النظام المسبحين بعهده الذين نموا وترعرعوا وتنجموا في ظله ويتمنون له البقاء حيث لا ظل لهم غير ظله. ولكن عيد فاجأهم في المكالمة بتفنيد قوي لادعاءاتهم وفضح صريح لمزاعمهم مما ساعد سريعا علي كشف المؤامرة. وليت فن أحمد عيد يمتلك نفس القدرة علي البراعة والتفنيد والكشف والبلاغة والمفاجأة.