الحقيقة أنه رغم اعتراضنا علي الفن الرديء الذي يجب أن نندم علي مزاولته، فمسئولية مشاهدة الفيلم في السينما يتحملها المشاهد دافع قيمة التذكرة بمحض إرادته . لا أعتقد أن مشاهدا يمكن أن يفاجأ ويصدم في فيلم مقاولات علي الشاشة مهما كان حجم خبراته " كشويف سيما " . فالأفلام الفقيرة إنتاجيا وفكريا تكشف عن نفسها مثل الجثة التي تفوح رائحتها عن بعد . ولا يوجد مجال للخلط بينها وأفلام قد تعتمد علي ميزانيات ضعيفة ولكن يعوضها عن هذا ثراء في الأفكار والمواهب وهوما تحقق مثلا في فيلم مثل «أوقات فراغ» . ولا يوجد مجال للمقارنة بين فيلم مثل «سهر الليالي» يقوم ببطولته نجوم كانوا صاعدين وقتها وبين فيلم مثل (سفاري) يشارك في بطولته نجوم هابطون منذ زمن . ومع ذلك فإن فيلم (سفاري) هو فيلم جدير بالمشاهدة لسبب لن أكشف عنه إلا في نهاية هذا المقال . تدور أحداث السيناريو الذي كتبه محمد سليمان حول صاحب محطة فضائية - احمد بدير - يسعي لتقديم ما يعرف ببرامج الواقع. ويتفق مع مرشدة سياحية تدعي جيمي لتحضر له جروب سياحيا يشارك في إحدي حلقات برنامجه التي ستقام في الفيوم . ولكن هذا الجروب السياحي يختفي فجأة وفي ظروف غامضة . فتقوم جيمي بالاستعانة بفريق جامعي من الشباب والفتيات للقيام برحلة بحث عنهم طمعا في الحصول علي مكافأة قدرها مليون دولار . ولكن هذا الفريق يتوه في الصحراء أيضا . ونعيش معهم رحلة المعاناة والندم وتتوالي الخطب العصماء التي يعترف فيها كل منهم بأخطائه وقد أيقن أن الموت قادم لا محالة . قنابل الدموع ولكن عزيزي القارئ إن الوصول إلي فهم أحداث الفيلم علي هذا النحوليس أمرا سهلا أوبسيطا . بل هونتيجة إعمال للذهن وتركيز شديد وجهد شاق . بل إنني ربما تمكنت من الوصول إلي معني ما أو درجة من الفهم بالربط بين أشياء لا ترتبط أو بافتعال علاقات بين تفاصيل من صنعي أنا حتي أقنع نفسي أنني فهمت شيئا . وكل هذا بدافع من واجبي المهني وفضولي غير الفني . ولكني لا أعتقد ان مشاهدا واحدا أمكنه أن يواصل هذا الفيلم بأدني قدر من الاهتمام أو الحماس بعد الخمس دقائق الأولي .. أو بعد ما انكشف له من البداية عن رغبة جامحة في الاستظراف ومساحات مفتوحة للممثلين لإلقاء النكات والإفيهات السمجة التي انهمرت كطلقات الرصاص الحي وليس المطاطي . وبدلا من أن تثير هذه النكات الضحك كانت تثير البكاء ربما بتأثير أقوي من القنابل المسيلة للدموع . لذا أدعو وزارة الداخلية والمجلس العسكري بعرض هذا الفيلم علي مثيري المظاهرات الفئوية في مواقع تجمهرهم فهو كفيل بتعذيبهم وتشتيتهم . عزيزي القارئ صبرا، لا تتسرع وتعتقد أن هذا هو السبب الذي يدعوني أزعم بأهمية هذا الشريط السينمائي رغم ما به من عيوب . بداية، لا أعتقد ان مشكلة تفكك سفاري وتشتت أحداثه تكمن في السيناريوفالمسألة أعقد من ذلك بكثير ..وهي ترجع في الغالب إلي تعثر في المنطق الدرامي، أوعدم ترسخ الحبكة بشكل واضح ومحدد في ذهن الكاتب أوتمزقها وتبعثرها نتيجة للتلاعب فيها ولعدم الوعي بها لدي المخرج وجميع أفراد العمل . علاوة علي عشوائية الصورة التي تبدووكأنها متعمدة، دون أن تخدم أي غرض درامي . فالتكوينات تضيق محتوياتها ولا تقدر علي استيعابها ولا وضعها في الإطار الملائم أوالمعبر عن أي شيء .. والممثلون يدخلون ويخرجون من الكادر كما يشاءون وفقا للحركة الارتجالية العفوية التي تبدووكأنها العنصر الوحيد المتفق عليه في هذا العمل . كل هذا مع أنه من المفترض أن تكون جماليات الصورة من العناصر الأساسية في فيلم كهذا . فأفلام الرحلات هي فرصة كبيرة للانتقال بالكاميرا إلي أماكن جديدة وهي تتيح للمشاهد أن يشبع عينيه بمناظر غير مألوفة وواقع غير معتاد ولا مرتاد كثيرا بالنسبة له .. أسلوبية ارتجالية وتظل من مشكلات هذا الفيلم الأساسية أيضا عدم إدراكه لأهمية تحديد النوع الذي ينتمي إليه . فصناع الأفلام التقليدية عليهم أن يدركوا بداية أن هناك أسلوبية تناسب النوع . وفي هذا الإطار لا مانع من توظيف عناصر أخري ولكن في خدمة الإطار العام الأسلوبي الأساسي للعمل . وقد اعتاد المشاهد علي ان تتضمن هذه الأفلام عادة أجواء مرحة تختلط فيها الكوميديا بالمغامرات . وقد تسعي بعض الأعمال إلي توظيف موضوع الرحلة كفرصة للتعبير عن أفكار ذات بعد إنساني وفلسفي كما هوالحال في مسرحية «سكة السلامة» أوفيلم «البداية» . ولكن في الحالتين يلزم أن يحدد الفنان هدفه أو اختياره بحيث لا يطغي العنصر الملطف أوالمثير علي الأسلوب العام الذي يجب أن يسيطر علي طبيعة الفيلم . لم يكن هذا بالإمكان مع الأسف . فسفاري علي الرغم مما يضمه من كتيبة من الوجوه الجديدة لكنك لا تكاد تحس بأي وجود لهم . وهم يبدون جميعا، شبابا كانوا أوفتيات أقرب لموديلات عروض الأزياء منهم للممثلين . وعلي الجانب الآخر يصبح لزاما علي الممثلين المحترفين أن يسدوا هذا الفراغ في الفيلم وان يملؤه بما فتح الله عليهم من هزليات . وفي هذه الأجواء يصبح عليك ان تتعامل مع الفيلم باعتباره كوميديا أولا وأخيرا . ولكن المشكلة أن يجتمع في هذا الفيلم رباعي من نجوم الارتجال ذوي القدرات الكوميدية المحدودة جدا وهم علاء مرسي ومحمد الصاوي وسليمان عيد وحسام داغر والذين عجزوا عبر سنوات طويلة وفرص متعددة ومساحات لا تنتهي من الاستظراف في أن يوجدوا لأنفسهم مكانة مميزة علي الشاشة . وربما اعتقد كل منهم ان هذه هي محاولته الأخيرة في اللحاق بطابور نجوم الكوميديا ولكنها مع الأسف ربما تلقي بهم في آخر طابور العيش . وينضم لهم بالطبع أحمد بدير صاحب الإنجاز الضئيل في السينما رغم نجاحه النسبي علي المسرح الهزلي .ولم يفلت من مسلسل الإضحاك الإجباري سوي إيهاب فهمي الذي حاول قدر الإمكان أن يصنع من دوره شيئا . من أجلك أنت وفي مجال الأعمال الهزلية لا توجد ضرورة لطرح قيمة كبيرة، ولا مانع من أن ينتهي الفيلم بنصيحة للأطفال مؤداها اغسل يديك قبل الأكل وبعده مثلا . ولكن هذا الفيلم يأبي أن ينتهي دون أن يقدم لك مضمونا كبيرا وعظيما وضخما وفخما . لكن عليك أنت كمشاهد أن تقوم بمد الخطوط التي تقطعت من الفيلم وأن تدرك من ذات نفسك والمسئولية علي نفسك أن هناك أبعادا عميقة لهذه الحكاية وقد تكون سياسية أوميتافيزيقية أوفيثاغورثية .. أوأي كلام كبير والسلام، فالموضوع ليس مجرد تهريج كما شاهدت طوال الفيلم ولكنه عمل عميق بأفكاره الذكية..تماما كما كان يفعل الحزب الوطني في حملة من اجلك أنت .. فربما تعيش عاطلا شريدا فقيرا معدما تشرب مياها ملوثة وأغذية فاسدة ولا تجد عملا وتعاني قهر المسئولين ونطاعة وابتزاز المخبرين وصغار الموظفين . ولكن كل هذه الأمور مجرد مظاهر خارجية تعميك عن إدراك الواقع الجميل الذي يحيط بك والإنجازات التي حققها لك الحزب الوطني تحت شعار من أجلك أنت . وهذا الفيلم الوطني أيضا ألقي بك في الصحراء في مشاهد فقيرة من كل شيء ولكنك لومددت بصرك لأبعد لرأيت الفيوم بسواقيها والماء والخضرة والوجه الحسن الذي غاب عن الشاشة . أصول الارتجال لا يمكن أن نعتبر أن الحوار الذي سمعناه ينتمي إلي فن الحوار ولا حتي الارتجال . فالارتجال له بعض الأصول وهو يعتمد أساسا علي خفة الدم والتفاهم بل الكيمياء بين الممثلين وهو قبل هذا في إطار نص من أي نوع . ولكن سفاري هوالمعادل السينمائي للمنحدر الذي هبطت إليه الفنون في العصر البائد والذي لم يكن بالإمكان إنقاذها منه إلا بثورة بحجم ثورة التحرير . وهوعمل نموذجي أنصح بتدريسه في جميع المعاهد والأكاديميات الفنية، لأنه يجمع في فيلم واحد كل الأخطاء التي يمكن أن ترتكب في عشرات الأفلام فيجد فيه الدارسون كل ما يلزمهم اجتنابه . يلمح الفيلم إلي أن الشباب تاهوا في الصحراء بفعل فاعل عامدا متعمدا وكرسالة ركيكة تفتقد لأدني درجات البلاغة. فإذا كان المقصود أن هناك قوي شريرة تسعي إلي تدمير شبابنا وضياعهم، فإن النتيجة التي يصل إليها عكس ذلك تماما فالنماذج التي يقدمها هي لشباب تافه وسخيف وضائع فعلا ويعتبر الخلاص منهم هدفا وطنيا نبيلا لأن خراب أي وطن لا يتحقق إلا علي أكتاف شباب بهذه التفاهة والسطحية والسماجة . الأمر الأهم الذي يجعل مشاهدة هذا الفيلم أمرا ضروريا هوأنه ينتمي إلي سينما مهددة بالانقراض . فقد لا تتغير أشياء كثيرة في حياتنا بعد ثورة 25 ينايرولكننا علي الأقل أصبحنا ندرك جميعا أن شبابنا صناع المعجزة أكبر بكثير من ان يظهروا علي الشاشة بهذه الضحالة والتفاهة .