في عام 1984 ومع بدء عرض الجزء الأول من مسلسل «الشهد والدموع» لأسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبدالحافظ.. لفت ممثل في أواسط عمره- أنظار المشاهدين بأدائه الواثق البسيط وروحه الجميلة وملامحه القريبة من ملامح عامة المصريين - كان سيد عبدالكريم يؤدي لأول مرة دورا أتاح له فرصة التعبير عن طاقاته الادائية.. دور «عبودة» صديق شوقي الأخ المسكين الذي غدر به شقيقه حافظ، رأي «عبودة» أن صداقته للراحل شوقي تحتم عليه أن يحتضن أسرته المكلومة، كما رأي سيد عبدالكريم للمرة الأولي مؤشرات توهجه الخاص في دائرة المصري الأصيل «ابن البلد» وكانت بداية تعرف العامة إلي هذا الفنان الصادق .. وبداية نجاحاته الفنية وتحققه المهني. حملت رياح الإسكندرية - مسقط رأسه- سيد عبدالكريم من شاطئ دراسة الزراعة ثم تدريسها.. إلي مرفأ الفن الذي عشقه منذ صباه.. مضت خطوات الشاب - سيد- الفنية بتؤدة .. ورضا وإصرار حصل في أواخر الستينات ثم السبعينات علي أدوار بسيطة منها دوره في «أحلام الفتي الطائر»- أحد رجال «جميل راتب» زعيم العصابة التي كانت تطارد إبراهيم الطائر- وكذا دور غير بارز في «هي والمستحيل» وأعمال درامية أخري لم تحسن تقديمه للجمهور.. حتي كان موعده مع الشهرة في العمل الذي لا ينسي «الشهد والدموع» بجزأيه .. ولسنوات تلت العمل، ظل سيد عبدالكريم يبحث عن ضالة فنية تثبت أقدامه علي طريق النجومية - والمدهش أنه وجد ضالته - فقط- علي ذات الأيدي التي منحته أولي الفرص الحقيقية .. هي أيدي إسماعيل عبدالحافظ وأسامة أنور عكاشة «صاحبي الشهد» وليالي الحلمية التي حفرت اسم عبدالكريم حقا بين قمم التمثيل في مصر. رمز الوطن لم يكن «زينهم السماحي» - أحد أبطال ليالي الحلمية - مجرد صاحب لمقهي شعبي بالحلمية العريقة وإنما كان رمزا للمصري الأصيل وكان مقهاه نموذجا مجسدا للوطن .. روت المراحل التي مر بها السماحي قصة شعب فهو - قبيل 52- الفتوة الأرعن الذي يجهل السبيل السديد لاستغلال قوته وتغيب عنه الرؤية العامة الوطنية لطول ما مر به شخصيا من عصور قهر وذل سياسي، وحين تتفجر الثورة يتفتح وعيه ويضيء طريقه انحياز الثورة للمظلومين والذي جاء بوصلة أهداها «ناصر» للسماحي كي يعرف مكانه ويحدد لحياته معناها، وانكسر زينهم مع انكسار الوطن في 1967 لكنه نهض واستنهض من حوله مع معارك الاستنزاف الباسلة، واسترد بسمته وثقته عقب النصر، وحين تاه الوطن .. فقد السماحي البوصلة حتي غاب- حين غاب الشعب - عن الوعي .. وتاه، كان سيد عبدالكريم - في دور السماحي- أشبه بعاشق مجذوب أطاح عشق «مركب» بعقله، عشق «سيد» لوطنه «مقهي الحلمية الحقيقي» وعشقه للشخصية التي تلبسته حتي نخاع العظام. كان لإسماعيل عبدالحافظ الفضل في تفجر بركان موهبة سيد عبدالكريم عبر الشهد والدموع ثم ليالي الحلمية ولمس أن هذه الموهبة تثير شهيتها إما في دور ابن البلد أو أدوار الوطني الشريف، لذا لم يكن غريبا أن يستعين به في «جمهورية زفتي» -ليسري الجندي- 1998 ليؤدي دور موظف البريد الوطني المخلص، عزف سيد حينها مقطوعة أدائية بقلبه قبل لسانه وتعبيرات عينه المشعة بالمشاعر، إلا أن مجدي أبوعميرة رأي في هذا الفنان الحساس القدرة علي أداء الأدوار الإنسانية المشتبكة أحيانا مع قوي الشر فاختاره لدور الأستاذ «جاد» في «التوءم» والذي يقف إلي جوار البطلة «عزيزة» ويساندها ضد قوي الشر والطمع. وداع فني عام 2010 كان موعد الوداع الفني للسيد عبدالكريم حين قدم آخر أدواره من خلال مسلسل «أهل كايرو» وكان دور «إسماعيل التربي» والذي التقي بزوج البطلة- زكي فطين عبدالوهاب- الذي فر منها ليلة الدخلة بعد ما حاصرته - وحاصرتها - فضائح حياتها، فر الرجل إلي مقابر أسرته والتقي هناك ب«سيد عبدالكريم» «التربي» الذي جاءت كلماته ملخصة لأعمق حكم الحياة ولمعني الرحلة كلها، وكأن «سيد» كان يشعر باقتراب الرحيل فأوجز - وهو يجاور مثواه الأخير - رؤيته للدنيا - التي يغادرها - وللآخرة التي كان يدق بابها! لم يكن سيد عبدالكريم ممثلا محترفا بل ظل هاويا عاشقا للفن دون مبتغي سوي اسعاد الناس وتحقيق ذاته القلقة، أعطي الدراما التليفزيونية ومحبيها الكثير وأخذ الفن من وقته وعرقه الكثير - والحق - لم ينل نصيبه المستحق مثله مثل رفاق رحلته .. سواء من لحق بهم «سيد عزمي» «شوقي شامخ» أو ممن نتمني لهم طول العمر «عبدالعزيز مخيون» عادل أمين.. لكن الحق أن أعمال سيد عبدالكريم - في النهاية- قد منحت اسمه الخلود وسطرته بأحرف من نور في كتاب الفن .. ولوحة الإبداع والإخلاص وعشق الناس والوطن.