مع تفتح الزهور وأعياد الاسرة والربيع جاء معرض الفنان السكندري الكبير مصطفي عبدالوهاب وابنته الفنانة مريم بقاعتي راتب صديق وانجي افلاطون باتيليه القاهرة ..تاكيدا علي تواصل الاجيال وفي نفس الوقت تنوع وثراء تجارب الفن.. ورغم ان الفنانة الشابة خرجت من معطف والدها وتأثرت بهذا المناخ الذي يحفز علي الابداع الا انها قدمت تجربه فنية تمتد في عالم اخر يتحاور مع عالم الاب.. هذا العالم المسكون ببلاغة الايقاع وثراء التشكيل والذي يمثل لغة تجريدية خاصة ومتفردة في الفن المصري المعاصر . بين التعبير والتجريد في أعمال مصطفي عبدالوهاب التي سبقت اعماله التجريدية الخالصة نطل علي دنيا مفعمة بروح درامية عميقة يقف فيها الانسان وحيدا في الفراغ التصويري مسكونا بالقلق والحيرة منزويا في جانب من اللوحة وغالبا في صورة امراة بمثابة "حواء ..اصل الاشياء "مع هذا البراح الشاسع الذي يمتد بلا انتهاء في ألوان ضبابية تعكس للحزن والشجن وماينتاب انسان العصر الحديث من مخاوف وهواجس ..وفي اعمال اخري تبدو الخلفية مساحة صريحة من الاحمر الناري وقد تتصل بمساحة اخري عرضية كما في حوار صامت بين امرأتين.. لكن تستمر فكرة الوحدة والضياع بتعبير رمزي كما في لوحته "الحبل " والتي نري فيها فتاة طائرة تمسك بحبل من وسطه يمتد بعرض اللوحة لانعرف اين بدايته ولانهايته حيث يبدو متصلا مع قطع المساحة من الجانبين.. ولاشك ان هذا قد جاء تمهيدا لتلك الاعمال الكونية التي تحولت الي فضائيات مسكونة بأجرام وكتل صخرية ذات كثافة ورسوخ تمثل دنيا من المشاعر والاحاسيس التي تجيش بروح الفنان الطليقة وتعكس لعالمه الداخلي ومايتصل بالانسان وعلاقته بالكون ومايحيط بنا من اسرار وغموض خاصة وهو يقول: " إذا كانت تأثيراتنا الحسية لا ترتكز علي إحساس حقيقي موجود في العالم الخارجي عن العقل فالاحساس بالجمال إن هو إلا صدي لما هو موجود بداخلنا ولا علاقة للموضوع به وبالتالي فمنطلق التجربة الجمالية هنا ذاتي التأثير من مفهوم أن واقع الأشياء نسبي محض يتغير دوماً في سديم يشمل كل شيء ولا يشمله شيء. - فالفضاء الشاسع نبع فياض تتمدد فيه المساحات اللونية الأحادية من رماديات البنفسجي في توافق مع ما يتردد من إيقاعات ذاتية بحتة نلمح فيها بعداً من أبعاد العلاقة بين أشكال الكونيات تماماً مثل علاقات `التعدد والواحد` بين الوجود والخالق وبين أعلي المستويات حتي الوصول إلي المطلق المجرد (الجوهر) ". لكن ومع هذا قد تبدو بعض الملامح التشخيصية الطيفية لإنسانه السابق بعد ان يكون قد تحول الي مجرد رمز " الراس بهيئة دائرة مع بقايا اطراف علي خلفية من فراغ اسود مسمط.. ومع اجرام مصطفي عبدالوهاب التي تنطلق من سديم الارض باتساع الافق في انفجارات تطل ايضا بعض الملامح العضوية الواضحة كقرن حيوان وتراكمات صخرية مع تفجيرات لكائنات مبهمة والتي تجسد في اختزال شديد علاقة انسان كوكب الارض.. هدا الكوكب الذي نعيش عليه بالكون الواسع الذي يمتد بلاحدود.. في اعمال الفنان مصطفي عبدالوهاب نطل علي عالم من الغموض يطرح اسئلة بلا اجوبة ويثير تساؤلات حول الانسان ومايحيطه من عوالم وحول الوجود واسراره التي لم تكتشف بعد.. كل هذا في ايقاع شديد الحيوية يتألق بسحر اللون من الازرق البحري والاحمر الناري والبنفسجي والاسود مع تركيبات متداخلة من الاصفر والابيض.. أشبه بركام لمجرات بركانية..وقد بلغت اعمال الفنان زروتها من خلال هذا الجمع الفريد بين الفضاءات اللونية الصريحة وبين انفجاراته وكائناته اسيرة الارض والمعلقة في البراح التصويري . مريم والطاقة الروحية " نحن كمصريين ننتمي الي حضارة قديمة تحمل في داخلها طاقة روحية هائلة ... فتحت ظلال الأهرامات وفي المعابد وقبور المصريين القدماء أسئلة كثيرة عن الوجود والحياة ما بعد الموت والخلود تمثلت في تلك الرموز المرسومة علي الجدران مما جعلني كفنانة تشكيلية يرتكز فني التصويري علي نقطة أساسية وهي البحث في الطاقة الإلهية وتأثيرها علي البشر ". هكذا تقول الابنة مريم حول اعمالها التي عرضتها. واذا كانت قد شاركت في العديد من الورش الفنية وقدمت من قبل اعمالا مزجت فيها بين الميديا والتصوير الضوئي.. الا انها في هذا المعرض قدمت لوحات جاءت بمثابة صوت اخر يتحاور مع اعمال الاب مصطفي عبدالوهاب وهو الذي درست عليه فن التصوير . . مع دراستها بالفنون الجميلة بالاقصر . وقد غلب علي اعمالها الاختزال الشديد وكثافة التعبير في تجريدات تحمل بعض الرموز مثل العين الفرعونية والهرم مع بقايا عناصر عضوية لأوراق نباتية وكتابات ونقوش.. ويظل الانسان في بعض الاعمال مجرد ايحاءات بصرية ايمائية.. كل هذا في ايقاعات يغلب عليها الاحمر الناري بما يحمل من توهج يؤجج العلاقة بين التراثي والحداثي.. وربما كان هذا الانسان الاسطوري الذي توحد مع الهرم علي خلفية من الاحمر الصريح مساحة تعبيرية للقوة الروحية التي يعكسها سحر الرمز في وشائج التاريخ المصري القديم . واعمال مصطفي عبدالوهاب ومريم مصطفي تؤكد ان كليهما يحمل روحا ومكنونات مصرية نطل خلالها علي دنيا من التشكيل والتعبير اشبه بالنهر حين يمتد بفرع اخر علي ارض جديدة ..تحية للفنان الكبير وابنته بعمق فنه واتصال الرافد بالجذور .