التمثيل التجاري: ملتزمون بالشفافية وانتقاء أفضل الكفاءات لاختيار الملحقين التجاريين 2025    28 أكتوبر 2025.. الدولار يواصل التراجع أمام الجنيه ويسجل 47.41 جنيه للبيع    بدء تشغيل شاشات العرض بالميادين لبث المواد التوعوية عن المتحف المصري الكبير    إيران: احتمال تعرضنا لهجوم أمريكي قائم في أي وقت    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ومستشار الرئيس الأمريكي لبحث تطورات الأوضاع في السودان وليبيا    موعد مباراة الأهلي القادمة أمام بتروجت في الدوري المصري والقنوات الناقلة    جيسوس وكونسيساو.. من الصداقة للإقصاء اليوم في كأس خادم الحرمين    تامر عبدالحميد: "حسين لبيب تقدم باستقالته من رئاسة الزمالك"    التحقيق في ذبح شخص لزوجته بعين شمس: قتلها بعد 3 أشهر من الزفاف    ضبط صانعة محتوى بتهمة نشر مقاطع رقص ب«ملابس خادشة» في الإسكندرية    هل يتم تصوير جزء ثان من مسلسل بالطو؟.. أحمد عاطف يحسم الجدل    غيران ولا عادي.. 5 أبراج الأكثر غيرة على الإطلاق و«الدلو» بيهرب    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 2026 ومكانته العظيمة في الإسلام    الصحة: برنامج علمي متكامل للفرق الطبية ضمن فعاليات المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية    استعدادات مكثفة لمتابعة جاهزية المراكز الانتخابية قبل انطلاق انتخابات النواب بقنا    إعصار ميليسا يودى بحياة 3 أشخاص فى جامايكا    ب25 مليون جنيه.. «الداخلية» توجه ضربات أمنية ل«مافيا الاتجار بالدولار» في المحافظات    ضبط (100) ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    ضبط 3 أطنان دقيق في حملات مكثفة لمواجهة التلاعب بأسعار الخبز الحر والمدعم    مصرع شاب بصعق كهربائى فى الفيوم    «بسبب فاترينة سجائر».. «أمن القليوبية» يكشف ملابسات مشاجرة بين طرفين في شبرا الخيمة    شيخ الأزهر للرئيس الإيطالي: ننتظر إعلان إيطاليا الاعتراف بدولة فلسطين    وزير الإسكان يتابع مشروعات مياه الشرب والصرف ضمن مبادرة «حياة كريمة»    رئيس تحرير "البوابة نيوز" تهنئ الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية بالاحتفال ب"اليوبيل الماسي" على تأسيسها    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 28-10-2025 في محافظة الأقصر    «بلغهم بالتليفون».. شوبير يكشف تفاصيل صادمة في أزمة إيقاف «دونجا» ودور عامر حسين    «الرعاية الصحية» تدشن قسمًا جديدًا للرعاية المتوسطة بمستشفى الكرنك الدولي بالأقصر    تأكد غياب رباعي الأهلي عن السوبر.. وموقف إمام عاشور (تفاصيل)    14 شاشة لمشاهدة احتفالات افتتاح المتحف المصري الكبير بأسوان    العرض المسرحي مسكر كامل العدد بملتقى القاهرة الدولي للمسرح الجامعي    رابط حجز تذاكر دخول المتحف المصري الكبير    ميسي يكشف عن موقفه من المشاركة في كأس العالم 2026    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة بعد مرور 75 دقيقة من بدء تعاملات اليوم    وزير الداخلية التركي: لا خسائر بشرية جراء زلزال باليكسير    18 مكتبا بريديا تعمل السبت المقبل لصرف المعاشات بالقليوبية (جدول)    نزلات البرد وأصحاب المناعة الضعيفة.. كيف تتعامل مع الفيروسات الموسمية دون مضاعفات؟    جامعة حلوان تطلق حملة للتبرع بالدم    جولة مسائية لمساعدي وزير الصحة بمستشفى بولاق الدكرور لمتابعة أعمال بدء التشغيل التجريبي    تعرف على مواقيت الصلوات الخمس اليوم الثلاثاء 28 أكتوبر 2025 بمحافظة السويس    الزراعة والبيئة والري يناقشون تأثير تغير المناخ على الأمن الغذائي في مصر    وزارة الصحة تكشف خطتها للتأمين الطبي لافتتاح المتحف المصري الكبير    وزيرة التخطيط تشارك في مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار» بالسعودية    "بعد رسول العاصفة".. كيف تمهد روسيا لعصر الصواريخ النووية الفضائية؟    الباعة الجائلون بعد افتتاح سوق العتبة: "مكناش نحلم بحاجة زي كده"    طارق قنديل: ميزانية الأهلي تعبر عن قوة المؤسسة.. وسيتم إنشاء فرعين خارج القاهرة    «حداد»: إعلان الرئيس الفلسطيني الأخير استباقا لمحاولات «فصل الضفة عن غزة»    تركيب الإنترلوك بمدينة ديروط ضمن الخطة الاستثمارية لرفع كفاءة الشوارع    استقرار اسعار الفاكهه اليوم الثلاثاء 28اكتوبر 2025 فى المنيا    خالد الجندي: في الطلاق رأيان.. اختر ما يريحك وما ضيّق الله على أحد    المتحدث باسم حماس: سلمنا 18 جثمانا إسرائيليا ويتبقى 13.. و10آلاف فلسطيني لا يزالون تحت الركام    بعد حلقة الحاجة نبيلة.. الملحن محمد يحيى لعمرو أديب: هو أنا ضباب! أطالب بحقي الأدبي    عالم الآثار الياباني يوشيمورا يتسلم دعوة حضور افتتاح المتحف المصري الكبير    جاهزون.. متحدث مجلس الوزراء: أنهينا جميع الاستعدادت لافتتاح المتحف الكبير    ترامب يتوقع زيارة الصين العام المقبل ويرجح استقبال «شي» في أمريكا    تحرك طارئ من وزير الشباب والرياضة بعد تصريحات حلمي طولان (تفاصيل)    «العمل» تُحرر 338 محضرًا ضد منشآت لم تلتزم بتطبيق الحد الأدنى للأجور    حكم طلاق المكره والسكران في الإسلام.. الشيخ خالد الجندي يحسم الجدل ويوضح رأي الفقهاء    اعرف وقت الأذان.. مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 27 أكتوبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رجل الدين المسيحي في السينما المصرية..
نشر في القاهرة يوم 27 - 03 - 2012

منذ «شفيقة القبطية» إلي «حسن ومرقص» كشف رحيل الأنبا شنودة عن المكانة التي يتمتع بها رجل الدين المسيحي في المجتمع المصري بشكل عام وداخل عشيرة الأقباط بشكل خاص كما كشفت حالة العزاء العامة التي استمرت عدة أيام عن مكانة هذا الرجل في قلوب المصريين، مهما قيل عن تموجات في الوحدة الوطنية المصرية. فلا شك أن هذا الإقبال الهائل من جانب المصريين لتقديم واجب العزاء في رحيل البابا يعكس الصورة الصادقة التي صورتها الأفلام المصرية عن علاقة المحبة والتماسك وهي صور تكررت دوما في حكايات الأفلام المصرية. وطوال عمر هذه السينما رأينا كيف يكون البيت المصري القبطي، وكيف تكون العلاقات بين المسلمين والأقباط من ناحية لكن ما يهمنا هنا هو المكانة التي يتمتع بها رجل الدين المسيحي لدي الأقباط، وقد انعكس ذلك بقوة فيما نراه علي جدران هذه البيوت في الكثير من الأفلام، فإلي جوار الصلبان المتعددة الموجودة في هذه البيوت وأيضا اللوحات العالمية التي تصور مراحل من حياة السيد المسيح مثل الميلاد والرحيل إلي مصر والمثول فوق الصليب هناك في هذه البيوت صور للقديسين الذين لعبوا دورا في الحياة القبطية طوال أكثر من عشرين قرنا، هؤلاء القديسون عاش الكثيرون منهم في عصور تاريخية، أما الباقون فهم ينتمون إلي القرن العشرين خاصة الأنبا كيرلس الذي له مكانة خاصة في القلوب ثم الأنبا شنودة. يحتفي الأقباط إذن برجال الدين مما يعكس مكانتهم فهذه الصور واللوحات والرموز تعني أن القبطي يلف بها نفسه وذكرياته هي موجودة من حوله في بيته أكثر من أي مكان آخر بالإضافة إلي الكنيسة التي يرتادها بصفة منتظمة أو بشكل متقطع. الشخصية المقدسة ولو أنك سرت في شارع شبرا مثلا وتأملت واجهات المحلات التي تبيع الرموز الدينية والصور الخاصة بأشخاص لهم اسهاماتهم في تثبيت العقيدة المسيحية فسوف تكتشف مكانة هذه الرموز بشكل يجعلك تقّدر إلي أي حد تصل هذه المكانة، فإن البيت امتداد للكنيسة وإن رجل الدين يقوم بدوره كواعظ وكصاحب مكانة اجتماعية لدي البيوتات وأيضا في دور العبادة. وفي تاريخ السينما الروائية المصرية الذي يبلغ هذا العام خمسا وثمانين سنة، فإن رجل الدين القبطي قد لعب دورا بارزا في حياة الرعية في كل صور حياتهم ، وكانت الصورة تعكس الواقع ، فهذه الشخصية المقدسة لها مكانتها في الواقع والأفلام، يلجأ إليها المواطن في السراء والضراء يعترف إليها من وراء ساتر عندما تشتد به الأزمات أو تلم به الكروب، أو عندما يقترف الخطية أيا كان شكلها، لذا فإن وجود رجل الدين القبطي مقرون دوما بقصص الأفلام التي ظهر فيها الأقباط بشكل أساسي وأمامنا الكثير من الأمثلة علي هذا الدور الذي يلعبه رجل الدين فهو بمسوحه وملابسه وأسلوبه يتصرف بالحلم والحكمة والصبر من أجل أن يحقق مراده وهو حل المشاكل التي يقع فيها الرعية ومن المهم أن ينجح في مهمته. من المهم الإشارة إلي أن كتّاب هذه الأفلام ومخرجيها هم في المقام الأول من المسلمين أمثال حسن الإمام وحسين صدقي وشريف عرفة ومنير راضي وبعض هذه الأفلام أخرجها أقباط مثل ساندرا وأسامة فوزي وسوف نستعرض هنا بعض النماذج وليس كلها وذلك اعتبارا للمساحة الخاصة بالنشر. لعل أهم هذه الأفلام وإن لم يكن أولها هو «الشيخ حسن» الذي أنتجه وكتبه وقام بتمثيله وإخراجه حسين صدقي والذي عرض من قبل تحت اسم «ليلة القدر» وقد أثار الفيلم مشكلة حول مسألة تغيير العقيدة لكننا سوف نتوقف هنا عند مكانة رجل الدين في العديد من الأفلام خاصة «الشيخ حسن» فالسيناريو المكتوب يقوم علي فكرة الالتصاق المباشر بين مسلمين ومسيحيين حيث إن أسرة لويزا ليست مصرية تماما لكن هناك أيضا أقباط، ونحن نري الخواجة جورج الذي يحرص أن يتعلم ابناؤه اللغة العربية ويستعين لذلك بالطالب الأزهري حسن، وفي هذا البيت لا تجد الرمز الديني منتشرا كالعادة إلا في حدود ضيقة، كما أنه في هذا البيت يمكن العثور علي سجادة صلاة، حتي إذا وصل الشيخ حسن أدي الفريضة، وفي عائلة الخواجة جورج هناك رجل دين يجسده منسي فهمه أنه القس شقيق الزوجة، وهو بالتالي خال لويزا، التي قررت أن تتزوج بالشيخ حسن. هذا القس رجل وقور طاعن في السن صاحب لحية بيضاء يتصرف بمرونة لكنه ليس عصريا مثل «الشيخ حسن» وإن كان يؤدي واجبه في حدوده فحين يعلم الأب أن لويزا قد تزوجت ب «الشيخ حسن» فإنه يستدعي صهره القس من الإسكندرية وهو الشخص الذي يتحدث إليه الشيخ حسن بإجلال واضح يا حضرة الأب المحترم، لذا فهو ينصاع له أن يطلق امرأته كي تتاح لها فرصة العودة إلي دارها عزباء بدون زوجها، بعد أن قال القس: لويزا سننظر إليك كأنك قاتل أمها وأن الصفاء والحب سينقلبان إلي الضد لا أتكلم بصفتي رجل دين ولكن بصفتي إنسانا تصرف حتي لا تخسر لويزا. والقس يبلغ ابنة أخته أنها لن تدخل بيت أبيها إلا إذا حدث الطلاق ويتفق الزوجان علي طلاق صوري. أنا مسلمة مكانة رجل الدين هنا تتمثل في الدور الاجتماعي في الوعظ والارشاد وهو لا يملك سوي الكلمة وفي المشهد الأخير من الفيلم وأمام إصرار الشيخ حسن علي زيارة زوجته فإن رجل الدين القبطي يتجه إلي الوعظ وفي اللحظات الأخيرة للويزا فإن الشخص الوحيد الذي ينفرد بها ويستمع إلي اعترافاتها هو القس الذي تعترف له ابنة أخته «أنا مسلمة ولازم تسلم بنتي لجوزها.. هو المودة والرحمة». وباعتباره رجل دين فإن القس يطلب من الزوجة المحتضرة أن تذكر سيدنا يسوع وهي تلفظ الروح بين يديه بعد أن نطقت بالشهادتين ولا يملك الخال سوي أن يبكي ثم يحمل الوليد ويخرج إلي بقية الأسرة ويردد: البقية في حياتكم. ثم يسلم الطفلة إلي أبيها ويخبره أن يستلم جثمان زوجته. حسين صدقي في هذا الفيلم صور رجل الدين متسامحا مثقفا عاقلا أمينا علي الرسالة التي تحمل إليه فيؤديها بأمانة بمعني أنه بتسليمه الابنة لأبيها فإنه يعترف بأنها تحمل ديانة أبيها وأن تسلم الزوج لجثمان زوجته يعني أنها عقيدة الشيخ حسن. وقد صورت السينما المصرية الكثير من رجال الدين المسيحي في أفلام الخمسينات وقدم حسن الإمام فيلمه «شفيقة القبطية» عام 1963 عن رواية كتبها المسلم «جليل البنداري» مع الكثير من التغيرات وفي الفيلم لم نر أي رمز ديني في بيوت الأغنياء، وأما بيوت البسطاء في شبرا فقد امتلأت بالرموز الدينية حتي تكاد الحوائط أن تختفي لكثرة هذه الرموز من لوحات زيتية تعبر عن المسيح وأمه بتنويعات مختلفة أو الصلبان متعددة الأحجام وأيضا صور لقديسين قدامي ومعاصرين مما يعكس مكانة رجل الدين في هذه الأسرة المصرية. إلي هذا البيت تذهب الابنة شفيقة وهي الراقصة الشهيرة الماجنة لكنها عندما تدخل بيت أبيها فإنها تضع رداء أقرب إلي حشمة الراهبات في ألوانه البسيطة وفي الكسوة والتعقيل تبدو ضعيفة ترتجف أمام قوة أمها التي ترفض أن تأخذ منها مظروفا به أموال للمساعدة في تربية ابنها عزيز الذي لا يعرفها. وعندما تدخل شفيقة البيت تجد الأم تجثو أمام تمثال السيدة العذراء ورموز دينية أخري، منها صور القديسين تدعو إلي حفيدها عزيز غير الحاضر في هذا المشهد بالهداية ولا تلتفت الأم إلي ابنتها التي وصلت حتي تنتهي من تضرعها، وفي هذا المشهد تبدو مكانة الرمز الديني لدي الأقباط ومن هذا الرمز ايقونات لقديسين وينعكس هذا علي موقف الأم تجاه ابنتها العاقة فهي ترفض مظروف النقود الذي تتركه شفيقة من أجل ابنها. عالم الرهبنة وقد تكرر ظهور هذه الرموز الدينية خاصة الايقونات، حين عادت شفيقة مرة أخري إلي البيت نفسه بعد وفاة أبيها لقد فقد المكان رجليه في يوم واحد الجد والحفيد ووسط الرموز الدينية يدور حوار بين الأم وابنتها وتأتي الشرطة السياحية بحثا عن أدلة لإدانة الابن عزيز. المشهد التالي مباشرة هو مشهد دخول الدين حيث نري مراسيم دخول سعاد وحبيبة وعزيز إلي عالم الرهبنة وتتم هذه المراسيم وسط الراهبات من أعمار مختلفة وقد حملت كل منهن نسخة من الكتاب المقدس تقرأ منه بينما تحمل سعاد ملابس الرهبنة، وهي أيضا ترتدي زيا مشابها وفي مشهد لاحق فإننا سوف نري الراهبة جاثية فوق المدبح تتعبد وقد بدا الصليب أمامها كبيرا وتحولت إلي شخص آخر لقد صارت سعاد راهبة من حولها الصحراء والراهبات ومن صورة نسائية من رجل الدين يعشن في عالم مجرد من مباهج الحياة، حيث قسوة الصحراء والجبال. قد صور حسن الإمام عوالم مشابهة في فيلمه التالي «الراهبة» حيث نقل الأحداث إلي ربوع لبنان حول فتاة تدخل إلي الدير بعد أن صدمت في أن حبيبها قد اقترن باختها وفي هذا البيت اللبناني امتلأ بيت الأسرة أيضا بالرموز الدينية المألوفة علي الجدران وإذا كانت الأم الكبري في الدير تعادل رجل الدين في الكنيسة، فإن الفيلم صور هذه الأم بشكل مستنير متفتح فهي تحفظ الشعر وتري أن الحب الحقيقي هو حب الخير، وتنصح هدي بالصلاة باعتبارها طريق المحبة والخلاص وهي تتحدث أن حياة الراهبة هي السعادة، وليست التقشف وتخبرها أن سعادتها قد تكون في مكان آخر، تكون فيه زوجة صالحة تردد هدي :«أنا وهبت نفسي لخدمة الرب، خليني معاكم أبوس أيديكي، وحياة العذراء». في المشهد الختامي للفيلم ومن خلال تأثير الأم الكبيرة ووسط موسيقي كنسية تسجد هدي بملابس الراهبة، تسألها الأم عم تطلب فترد: أن أكون راهبة وعلي التو تبدأ البسملة المسيحية «باسم الأب والابن والروح القدس»، ويتم التعهد بنعمة الله، ويتم خلع الملابس البيضاء ويضعون الغطاء الأسود وسط شعائر كنسية وتنحني هدي أمام الأم الكبيرة ووسط الراهبات عالم ليس فيه رجل واحد ترتدي زي الرهبنة كأنها عروس في ليلة زفافها، ثم تحمل الصليب، وتمسك بالشمعة وتخرج من القاعة الكبري إلي حيث سوف تعيش الجزء الباقي من حياتها. أي أن الأم الكبري هنا لعبت دور القس في الجانب الآخر فهي تتلقي امرأة مصدومة في مشاعرها وعليها أن تتقبل صدماتها وأن تغير لها حياتها الاجتماعية بأن تتجه باختيارها إلي طريق الله علي الطريقة المسيحية. حسن الإمام هو أيضا الذي اهتم بزيادة المساحة الزمنية لدور رجل الدين المسيحي في فيلم «بين القصرين» عام 1964، فالتلاحم بين المسلمين والمسيحيين أثناء ثورة 1919 غير موجود بنفس الكيفية في النص الأدبي لنجيب محفوظ لكن السيناريو الذي كتبه محمد مصطفي سامي جعل دور رجل الدين المسلم والمسيحي أكثر تأثيرا واتساعا حين يذهب القس إلي المسجد ليعضد الشيخ والمسلمين في الموقف المناصر لسعد زغلول كما يذهب الشيخ إلي الكنيسة في زيارة مقابلة، ومن ناحية أخري فإن بنات المدارس القبطية يخرجن في مظاهرات إلي الشوارع ويختلطن ببنات المدرسة السعيدية وأيضا بالرجال ينادي الجميع بالإفراج عن سعد زغلول رمز الثورة المصرية في تلك الآونة. أمامنا في الأفلام صور متشابهة كثيرة لدور رجل الدين علي المستوي الاجتماعي مثلما حدث في أفلام عديدة منها «لقاء هناك» إخراج أحمد ضياء الدين عام 1976، لكن لا شك أن صورة رجل الدين المسيحي ودوره الاجتماعي قد برزت بقوة في السنوات العشر الأخيرة من خلال أفلام عديدة منها «بحب السيما» لأسامة فوزي و«مافيا» لشريف عرفة و«فيلم هندي» لمنير راضي و«حسن ومرقص» لرامي إمام وأغلب هذه الأفلام تدور أحداثها في شبرا. رأينا رجل الدين بشكل واضح في أحداث فيلم «فيلم هندي» من خلال صداقة بالغة القوي بين عاطف القبطي المتدين وسيد هاوي غناء الراب، عاطف اذن يرتاد الكنيسة دوما بحثا عن التوبة والنصيحة، ولديه حس بقدسية الشعائر التي يقوم بها فهو يقوم برش ماء التطهر بشكل مبالغ فيه فوق السيارة التي ارتكب فيها قبل يوم «خطية» عند المقطم وهو الذي سيقوم بخطبة الفتاة ماري شديدة التدين المرتبطة بالكنيسة بقوة، وسيكون أول لقاء بينهما في الكنيسة حيث اعترف هو بخطيئته إلي القس الذي استمع إليه بحكم مهامه، بينما جلست ماري تصلي في مقعدها. ومنزل عاطف هنا مليء بالرمز الديني مثل الصلبان المعلقة فوق الحائط بأحجام متباينة وصور للسيدة العذراء وللأنبا كيرلس. في بداية الفيلم يذهب عاطف إلي الكنيسة ويعترف للقس الذي يجلس أمامه مباشرة دون حاجز ويقول: إن حياتي معقدة باشتغل شغلانة وحشة قوي، أنا أفسد الناس دي. ثم يحدثه عن الأحلام الجنسية التي يراها وهو نائم متكلما بالتفصيل عن هذه الأحلام وبكل خوف يردد مطمئنا إلي القس: متهيألي مش ح اتجوز ابدا. ثم يبكي ويسرد إلي من يناديه «أبونا» سيرة حياته مختصرة
وأنه تقدم من قبل لأكثر من فتاة ولم يوفق في الزواج، ذلك كله دون أن يعلق القس الذي عليه أن يسمعه فقط، لذا فما إن ينتهي الاعتراف حتي يغادر عاطف مكانه وقد اغتسل نفسيا بشكل ملحوظ. رجل الدين هنا يؤدي دوره داخل الكنيسة حين يأتيه شخص يبحث عن منفث نفسي لأزماته الحياتية، ويبدو القس هنا وهو يطيب خاطر الشاب ذي ملامح محايدة يطمئنه أن أموره ستنصلح لذا فهو يمنحه «جركن» مياه مصلية كي يغسل بها عاطف سيارته من اثر الخطية. وفي فيلم «مافيا» فإن هناك دورا ملحوظا لرجل الدين في أن يزوج اثنين ليس بينهما أي تعارف مسبق الشاب هو رأفت الذي يعمل ضمن جهاز الاستخبارات ، وقد افرد الفيلم مساحة درامية كي نتعرف علي الجانب الاجتماعي لرأفت، وهو أمر لم يحدث بالنسبة لرفاقه الثلاثة من المسلمين، فهناك مشهد يدور داخل كنيسة، حيث نعرف الجانب الآخر من حياة رأفت ، فهو شماس داخل الكنيسة ، يتحدث إلي القسيس الذي يلعب دورا اجتماعيا ملحوظا ويخبر رأفت أنه اختار له عروسا ويبدأ المشهد من خلال بناية الكنيسة من الخارج، ثم يصل رأفت بصحبة أمه، ويعبر عن جزعه من العروس التي تم اختيارها له من قبل القس تبدو الأم العجوز خفيفة الظل، لكنها تعكس كم افتقدت للجمال الأنثوي في شبابها، أسوة بالعروس التي تم اختيارها لابنها ونفهم أن الأم تلح علي ابنها أن يتزوج منذ أن عاد من مهمته الأخيرة، تقول الأم بكل فخر : بيقولوا شبهها فيرد ابنها: بقي دا كلام ياماما.. دلوقتي عرفت ليه أبويا مات بدري. وعندما يلتقي في داخل الكنيسة بالقسيس الذي يلعب دور الأب الروحي للجميع نري أنه شديد الحرص أن يضمن له الزواج حياة مستقرة ويخبره أن العروس تعمل في مدرسة النور المقدس، ونفهم هنا أن الزواج له دواع إنسانية، فالعروس المرتقبة يتيمة وليست لها أسرة ويردد القسيس أنها هدية وعندما تحضر العروس نراها مفتقدة للجمال بالإضافة إلي ضعف بصرها وأنها ذات لدغة ويبلغ القسيس بذلك فيردد الكلام الطاهر لا يخرج من اللسان بل من القلب، ثم يردد: جسد إيه ولدغة إيه المهم الروح اللي حتعيش معاها. داخل الكنيسة يقام الحفل المنتظر وتبدو صورة البابا يوحنا بولس بقامته المحنية وتري رأفت وسط مجموعة المرتلين ويقوم فضيلة البابا - بابا روما الذي يزور مصر - بإلقاء كلمة ويكتشف رأفت دخول الإرهابي المتخفي في زي قسيس، ويعرف أن زميله حسين سوف يقوم بدوره مما يعني أن أغلب أماكن الفيلم هي الكنيسة ورجالها وأن البطل الرئيسي المسيحي هو أيضا شماس، وهو عمل تطوعي في الكنيسة، كما أنها المرة الأولي التي تدور فيها أعمال عنف ومطاردات داخل الكنيسة حيث الهدف الرئيسي هو بابا روما، وهنا لم نر البابا القبطي، وليست هناك إشارة إلي الأقباط المصريين. الشيخ بولس لا شك أن الحديث عن فيلم «حسن ومرقص» في إطار هذه الدراسة يحتاج إلي المزيد من الصفحات لكننا سنحاول أن نوجز قدر الإمكان فنحن أمام عملية تبديل أدوار بين شيخ مسلم وقس مسيحي، وفكرة الفيلم تنتمي إلي الفانتازيا السياسية وهي أقرب إلي الفيلم الأمريكي face off وقد اتضح هنا إلي أي حد يحظي رجل الدين باحترام شديد لدي من يحوطه من العقيدة نفسها سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين، فلكل منهما دور ديني واجتماعي ولكل منهما أسرته وحياته الخاصة ورجل الدين المسيحي هنا اسمه الأب بولس هو واحد من الذين شاركوا في المؤتمر رقم 51 للوحدة الوطنية حيث يدور حوار بين شيوخ حول ما يتمتع به الأقباط في الوطن من ثراء ومميزات ثم قطع علي رجال دين مسيحيين يشكون من ظروف خاصة ببناء كنائس وترميم بعض الكنائس القديمة. القس هنا بناء علي تعليمات أمنية يجد نفسه وقد صار إمام مسجد أي من الشيء إلي النقيض، ونفاجأ أن الجار الذي يسكن في الشقة المقابلة للشيخ حسن «بولس» هو المواطن مرقص عبدالشهيد الذي يعيش في ظروف مشابهة، ارتدي الأول هوية المسلم ظاهريا باسم الشيخ حسن وارتدت زوجته ماتيلدا الحجاب الإسلامي، وصار ابنه جرجس يحمل اسم عماد، أما الأسرة التي تسكنها في المقابل، فهناك مرقص عبدالمجيد والشيخ محمود وأسرته التي حملت اسماء مسيحية. إذن نحن أمام مواجهة بين رجلي دين حيث تبدأ الاحتكاكات عندما تقع ابنة أحدهما في غرام الآخر، دون أن يعرف أي منهما هوية الآخر الدينية ومن خلال هذا التقابل يبدأ الفيلم في كشف مشاعر الطرفين المسلم والمسيحي تجاه نفسه وتجاه الآخر فيما يعتبر نقدا اجتماعيا وهنا نكتشف أن علي كل رجل دين أن يظل حاملا رسالته في حياته وأن مسألة التمويه هذه مؤقتة وذلك قبل أن تحدث المواجهة الجماعية في الشارع كي يتواجه اطراف من أتباع الرجلين. وقد اختار الفيلم أن يكون البطلان هما رجلا دين وليسا مجرد مواطنين عاديين كي يكشف صورة المواجهة بين الطرفين، لكن ما يهمنا هنا أن نؤكد أنه أيضا في فيلم «حسن ومرقص» بدا رجل الدين وقورا ملتزما بتعاليم دينه وأنه يؤدي دوره الوظيفي علي أحسن ما يكون الأداء.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.