كانت حربا مقدسة.. تلك التي خاضها أصدقاؤنا والمؤمنون بعدالة قضايانا أواخر شهر أكتوبر من العام الماضي من أجل رفع علم فلسطين فوق مبني منظمة اليونسكو في باريس.. وتوجت الحرب بانتصار ساحق حيث نجحت 107 دول في الصمود أمام الضغوط الاسرا أمريكية والتصويت لصالح القرار التاريخي.. بمنح دولة فلسطين المقعد رقم 195في المنظمة الدولية ! فأين كان العرب من تلك الحرب .. ؟ بعضنا شارك في حشد دول العالم لمؤازرة انضمام فلسطين للمنظمة الدولية.. بعضنا اكتفي بالمراقبة.. وآخرون ربما ما كانوا يدرون ماذا يجري في كواليس باريس.. وعلي أية حال يحسب للجميع التصويت لصالح القرار ! الحرب مستمرة لكن الحرب علي ما يبدو لم تنته بعد.. أو هكذا أرادت الولاياتالمتحدةالأمريكية واسرائيل.. فحين تقدم الفلسطينيون بطلبهم للحصول علي العضوية الكاملة هددت واشنطن بأنه في حالة استجابة اليونسكو للطموح الفلسطيني فسوف تقطع تمويلها عن المنظمة.. وقبل عملية التصويت بأيام وجهت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند تحذيرا شديد اللهجة للمنظمة حين قالت"هناك عواقب إذا صوتت اليونسكو في هذا الاتجاه.. ! واستعان الأمريكيون بأصدقائهم الأوروبيين لمحاولة إقناع الفلسطينيين بتأجيل الطلب أو قبول وضع أقل من العضوية الكاملة.. إلا أن وزير الخارجية الفلسطيني رياض مالكي رد قائلا: إن السلطة الفلسطينية لن تقبل إلا بالعضوية الكاملة.. فذكرت واشنطن العالم بأن القانون الأمريكي يمنع حكومة الولاياتالمتحدة من تمويل أي منظمة تابعة للأمم المتحدة تمنح عضوية كاملة للفلسطينيين..! وروجت الميديا الصهيونية في الغرب شائعات بأن دولا أوروبية مثل ألمانيا سوف تحذو حذو واشنطن وتل أبيب بقطع تمويلها عن المنظمة.. !لكن ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية علي ما يبدو لم تستجب للضغوط الأمريكية وتواصل تمويل برامجها للتدريب والتعليم في أفغانستان.. ! الممول الأكبر فكم يبلغ حجم التمويل الأمريكي لليونسكو.. ؟الولاياتالمتحدة هي الممول الأكبر للمنظمة.. حيث تساهم بحوالي 22% من ميزانية المنظمة بما يوازي مائتين وخمسين مليون دولار.. ! أما اسرائيل فتمويلها لايتجاوز المليون.. ! فهل بهذه المبالغ الضخمة التي يمكن إن حجبت أن تصيب المنظمة الدولية بالشلل؟ رغم محاولات مديرة اليونسكو إيرينا بوكوفا في البدء طمأنة العالم بأن المنظمة قادرة علي تدبير أمورها المادية.. الا أن ثمة أنباء عن أن المنظمة ستعاني خلال العام الحالي كثيرا.. حيث قد تضطر الي ضغط مشاريعها التعليمية والثقافية في العديد من الدول الفقيرة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.. وقد تلجأ الي تسريح بعض موظفيها مما يؤثر علي أدائها لرسالتها.. ورغم أن بوكوفا تعقد الآمال علي صندوق طوارئ يجري تأسيسه وتلقي ما يكفي من التمويل من قبل القطاع الخاص والهيئات والدول لمواجهة أعبائها المالية الا أن هذا علي ما يبدو لن يكون كافيا.. والحل أظن أنه في يد العرب! لقد ثمنا خطوة اليونسكو.. ووصفها بعضنا بالخطوة التاريخية الشجاعة.. لكن ينبغي أن نتذكر أن العائد الذي سيجنيه الفلسطينيون والعرب والمسلمون من رفع العلم الفلسطيني فوق مبني المنظمة الدولية ليس فقط معنويا..بل الحصاد بأيدينا أن نجعله ماديا هائلا.. فإن واصلنا الضغط بمساعدة أصدقائنا المؤمنين بعدالة قضايانا يمكن أن يكون الانتصار علي جبهة اليونسكو خطوة لانتصار أعظم بحصول فلسطين علي العضوية الكاملة في الأممالمتحدة.. كما أن تلك الخطوة ستجعل صوت فلسطين والعرب والمسلمين منصوتا له في أروقة المنظمة الدولية بحيث تمنح رعاية أكبر للتراث العربي الفلسطيني المهدد بالخطر مثل مقبرة مأمن الله ومسجد بلال بن رباح والحرم الإبراهيمي وكنيسة القيامة ببيت لحم وضمه لقائمة التراث العالمي.. وبالتالي حماية تراثنا من محاولات إسرائيل المستمرة للعبث به و بالتاريخ العربي الفلسطيني وتغليفه بنشأة يهودية مزيفة !. وطالما العائد مغر فعلي العرب والمسلمين أن يتصدوا لمحاولات الولاياتالمتحدة واسرائيل الهادفة لاسقاط اليونسكو !حتي تكون عبرة لأخواتها - منظمات الأممالمتحدة - ان فكرت أي منها في الاستجابة للطموح الفلسطيني العادل لقد بعث اتحاد الأثريين العرب في منتصف يناير الماضي برسالة الي المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "ألسكو" لتحث أعضاءها علي تقديم الدعم الكافي والسريع لمنظمة اليونسكو لتعويضها عن التمويل الأمريكي.. الا أنني أظن أن الأمر لأهميته وخطورته في حاجة الي قرارات سيادية من العواصم العربية والاسلامية ..وأظن أن مبلغ ربع مليار دولار لن يعجز القادة العرب عن تدبيره.. ليكن ذلك من ميزانيات وزارات الدفاع . ألم تؤسس تلك الوزارات بهدف الدفاع عن الأمة وأمنها القومي ؟!.. الحرب علي جبهة اليونسكو يصب بشكل مباشر في هذا الهدف المقدس.. فدول تنفق علي جيوشها أكثر من ثلاثين مليار دولار سنويا في شراء أسلحة في العادة قد لاتستخدم.. بل ويجري تكهينها بعد سنوات قليلة في المخازن.. من الممكن اقتطاع ربع مليار دولار من ميزانياتها وبما يوازي ثمن خمس طائرات وضخها في ميزانية اليونسكو.. ليكون ذلك ردا بليغا علي السفير الاسرائيلي في المنظمة الدولية نيمرود باراكان الذي قال عشية التصويت علي عضوية فلسطين بتحد سافر أن المنظمة ستعجز عن القيام بأنشطتها الدولية ان أوقفت واشنطن واسرائيل حصتهما في ميزانيتها ! إنها حرب مقدسة.. من العار أن نترك الآخرين يخوضونها ونكتفي نحن بالفرجة.. علينا أن نثبت للعالم أننا تغيرنا.. ولم نعد كما قال عنا المؤرخ البريطاني الشهير أرنولد توينبي ذات يوم.. أسوأ مدافعين عن أعدل قضية ! علينا أن نثبت للعالم أننا لسنا فقط أصحاب حق.. بل وعازمين بكافة الوسائل المشروعة علي استرداده ! لاتهونوا من جبهة اليونسكو ومن الغباء التهوين من جبهة اليونسكو في صراعنا مع الدولة العبرية التي ما كان لها أن تتأسس وتبرز الي الوجود بالمدافع وحدها.. فإن كنا نتهم أنفسنا بأننا ظاهرة صوتية فاشلة فاسرائيل أثبتت عبر 64عاما أنها ظاهرة اعلامية وثقافية ناجحة.. حيث استخدمت الكلمة مثلما استخدمت الدبابة بكفاءة عالية لاقناع العالم أن لهم جذورا وتراثا في هذه الأرض.. وأن هذا الذي وضعوا عليه ايديهم من جغرافية وتاريخ وتراث يحمل الهوية اليهودية.. حتي التبولة الشامية يصدرونها الي العالم الآن علي أنها طعام يهودي النشأة.. لهذا لا يبدو مستغربا أن ترفض اسرائيل التوقيع علي الاتفاقية الدولية للتنوع الثقافي.. وهي الاتفاقية التي وضعتها منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" عام 2005 لحماية التنوع اللغوي والثقافي من الآثار السلبية للعولمة.. ذلك أن مثل هذه الاتفاقية وخاصة مع حصول فلسطين علي العضوية الكاملة في اليونسكو.. سيتيح الفرصة الي حد كبير لفضح مشروعات الاسرائيليين للسطو علي التراث العربي الفلسطيني.. خاصة في مدينة القدس.. لذا من المهم جدا أن يمنح العرب دعمهم المالي الكامل لليونسكو.. فربما يحققون علي تلك الجبهة من الانجازات ما لم يتمكنوا من تحقيقه علي جبهات أخري تستنزف من دولاراتهم عشرات المليارات دون عائد !