رأينا كيف تحول عدد كبير من الإعلاميين وخاصة المحاورين بعد الثورة، من الإعلام الحكومي الرسمي إلي الإعلام الفضائي الخاص، بعد أن سرت الشائعات عن حجم الأجور التي يحصلون عليها في برامج التليفزيون الرسمي، الذي كان ومازال يعاني العديد من المشاكل المادية والديون التي تمنعه أحيانا من سداد مرتبات الموظفين فيه، هذا بخلاف المشاكل في السياسة الإعلامية التي أثارت ضده العديد من التساؤلات ونالت هجوما شديداً من جانب الجمهور والسياسيين بسبب التغطية السلبية لأحداث الثورة. ونحن مع اقترابنا علي إتمام عام علي الثورة رأينا الكم الغزير من القنوات الفضائية الجديدة التي ظهرت لتستوعب هذه الوجوه الإعلامية المتحولة من الإعلام الرسمي، وأصبحت هذه القنوات وليدة الثورة، رغم أن من فيها هم من إعلاميي الفلول - كما أن هناك فلول الوطني - الذين استفادوا من النظام السابق، وشاركوا في تكوين إعلام بلا ضمير أدي إلي تضليل الشعب المصري طوال السنين الماضية، ولاحظنا طوال هذا العام التحول المذهل الذي بدا جلياً في أسلوب تناول القضايا والأحداث التي تتطور كل يوم، وعندما تستمع لكلماتهم تتساءل هل هؤلاء مصابون بانفصام الشخصية؟ ويثيرك العجب من هذا التغير الكبير الذي حدث فبالأمس كانوا يدعون للتهدئة وإعطاء الفرصة للنظام السابق حتي يحقق المطالب، والآن هم لا يطيقون المجلس العسكري أو أي حكومة يأتي بها، فما هذا التطرف؟ الجنوح الإعلامي هؤلاء الإعلاميون من ذوي الأجور الشاهقة، لم تتغير في الحقيقة، هي فقط جلست علي الجانب المقابل للوضع السابق، وتقمصت الشخصية المعارضة وبرعت في حفظ الدور المعارض جيداً، بالضبط كما حفظت في السابق دور المؤيد المحابي للنظام السابق، هؤلاء يطلق عليهم متطرفون لأنهم تحولوا من اليمين المؤيد تماماً إلي اليسار المعارض علي طول الخط، هذا التحول المستهجن أفقدهم مصداقيتهم التي ربما تمتع بها بعضهم في السابق، خاصة وأن الثورة كشفت كل شيء وأظهرت الصور الحقيقية وجوانب الأحداث المخفية، وبالتالي لم يعد الشعب المصري ساذجاً أبداً، وهو يستمع ويري الآن بنظرة متشككة ونقدية عملا بالمثل القديم " خليك ورا الكداب لحد باب الدار". في هذا المقام ذكر الدكتور أحمد عكاشة أستاذ الطب النفسي في أحد لقاءاته أن الوضع الإعلامي الآن أصبح مثيراً للإشمئزاز، فمن كان يمدح النظام السابق ويهادنه أصبح الآن يتملق الثوار وهو أمر اعتبره في قمة التطرف. ويري عكاشة أن الأصوات التي كانت عالية في النظام السابق انخفضت لأنها تضررت من الثورة ولا تجد فيها المكاسب والمنافع التي حققتها في الماضي، ويقسم الشعب المصري كله الآن إلي 3 شرائح : الأولي ممن شجعوا الثورة وشاركوا فيها ومازالوا يؤمنون بها، والشريحة الثانية من مناهضي الثورة ومؤيدي النظام السابق من أبناء مبارك كما يطلق عليهم، وأما الشريحة الثالثة والأكبر هم الأغلبية الصامتة التي تشاهد وتسمع، وتؤيد هذا مرة وتعارضه مرة أخري . وأضاف أن الإنسان يجنح بتصرفاته أحيانا للتفريط، لكن في حالة الإعلامي لابد أن تتحكم جيداً في اتجاه تصرفاتك لأنك تشارك في تشكيل وعي المواطنين المصريين، ولا تضع في عقلك أبداً أن المصريين يميلون إلي النسيان وطي الماضي لأن المصري يستثني من هذه القاعدة كل ما يتعلق بكرامته أو التضليل به، ورغم هذا تجد المحاور الذي يدير حواراً يندس برأيه ويصبح طرفاً في الحوار، وهو بالطبع ينتمي للجانب الذي يحصد من ورائه الفائدة الأكبر إما تأييداً وشعبية أكبر من الجمهور المشاهد، أو مصلحة مادية تتمثل في ارتفاع سعره بالسوق. أجندات مختلفة ويري السيد نعيم نائب رئيس تحرير الجمهورية أن هناك إعلاميين كانوا متميزين في الإعلام الحكومي الرسمي سابقاً تحولوا تماماً بانتقالهم إلي الفضائيات الخاصة، وأصبحوا بتحولهم هذا يطبقون أجندات مختلفة تماماً، وبينما كانوا يتملقون النظام السابق ويمدحون فيه، أصبح لديهم الآن نغمة تحريض كبيرة ضد نظام الدولة والمجلس العسكري و ضد الحكومة، مساندين للثوار حتي يمكنهم حصد أكبر قدر من الشعبية الثورية الرائجة هذه الأيام . وأشار إلي إسلوب الإعلاميين المستفز في توجيه الأسئلة للضيوف، ثم تجدهم بعدها يندسون بآرائهم في الحوار رغم أنهم ليسوا طرفاً فيها، وهو ما ينافي تماماً المهنية الحقة للإعلاميين لكنه يعود ويؤكد أن الشعب المصري أصبح واعياً وأكثر يقظة ويستطيع التفرقة بين من هو كاذب ومن هو صادق، واصفاً الإعلاميين بالمرتزقة الذين يتلونون حسب الزمن الذي يتعاملون معه وحسب الاتجاه الرائج في المجتمع. ولأن الإعلام يتصل أساساً بالمشاهد أو المستمع أو القارئ فكان لابد من معرفة رأيهم في الإعلاميين الجدد!، فيقول الصحفي الشاب كريم قنديل.. إن هؤلاء الإعلاميين لا يمكن رؤيتهم إلا متحولين يسوقون بضاعتهم الراكدة عن طريق المشاهد لكي يحافظوا علي نسبة المشاهدة وهذا هو همهم الوحيد، ولا ينظرون إلي مصالح الوطن حتي أنهم قد يبثوا الفرقة في صفوف المصريين، ولا تشغلهم الحيادية أو المهنية بدليل قيام الكثير منهم بالتحيز لطرف علي حساب الآخر، فهم وإن كانوا يمدحون النظام سابقاً فقد تحولوا تماماً وأصبحوا ينصرون الثوار، رغم أن ما تعلمناه وما هو مفروض هو أن يقوموا بعرض وجهات النظر دون تحيز أو تفضيل حتي لو كان هو شخصياً مؤيدا لطرف، فليترك الحكم للمشاهد. زاد الطين بلة وتري المحامية شيماء سعيد أن إعلاميين كثر منذ 28 يناير الماضي أشعرونا بأن مبارك رمز لابد من احترامه وأنه لابد من الانتظار حتي تتحقق المطالب، وطالبونا بترك الميدان حتي نري الصورة علي حقيقتها، حتي إنهم أبكونا في بادئ الأمر، وما أن صدر خطاب التنحي انقلبت الصورة تماماً رأساً علي عقب، وأصبحت الدموع دموع القهر والظلم الذي عاشوه في النظام السابق وما لا قوة من اضطهاد وتهديد حتي أن منهم من خانته الألفاظ وردد ألفاظاً رديئة لا يمكن ترديدها علي الشاشات، وأصبحوا ثواراً بل وظهروا كالضحايا، ثم مرت الأيام وبدلاً من الالتزام بالحيادية والعودة إلي المهنية، أصبحوا أطراف في القضية وأصحاب رأي يفرضون آراءهم علي المشاهدين بل وعلي الضيوف أنفسهم أثناء الحوار. وما "زاد الطين بله" هو التحريض الذي رأيناه مؤخرا علي شاشات التليفزيون والفضائيات والدعوة للتظاهر والاعتصام إلي الحد الذي يصل للتخريب، بل وتبنًي بعضهم الأحداث التخريبية.. وتوجه شيماء الحديث للإعلاميين فتتهمهم بأنهم هم في الحقيقة من سرقوا الثورة وأن عليهم أن يتقوا الله في مصر، وأن يعودوا إلي ضمائرهم وإلي مواثيق الشرف الإعلامي.