يتتابع في الولاياتالمتحدة وفي أوروبا وعلي الأخص فرنسا، نشر دراسات علمية يكتبها كبار المفكرين وعلماء الاقتصاد السياسي ، وكلها تدور حول سؤال أولي كيف يحدث في بلد كمصر أن يتجمع عشرون مليون مصري في وقت واحد من مدن وأحياء وقري، تتباعد المسافة بين هذه المدينة وتلك، هذا الحي وذاك، هذه القرية وتلك؟ كيف وقعت هذه المعجزة؟ أمامي أولي هذه الدراسات وهي تحمل عنوانا قد يوحي بأننا أمام معجم أكاديمي أو مدرسي فالدراسة عنوانها «قاموس شارب للسلطة والنضال». أما المؤلف فهو «جين شارب» Gene Sharp مفكر سياسي وقائد من قواد الجيوش بالمعاش حاليا فهو في الثالثة والثمانين من عمره، يعيش في بيت ريفي بضواحي بوسطن يرعي أزهار حديقته ثم يتجه إلي مكتبه ليكتب عن رؤيته لما يدور حاليا في شتي أنحاء العالم من حركات ثورية. نتعرف عليه أولا من خلال ما يكتب عنه ثم بعد ذلك من خلال ما يكتبه. في العدد الصادر بتاريخ 24 فبراير 2011 من صحيفة نيويورك تايمز نقرأ عرضا لكتاب «شارب» بقلم «شيري جي ستولبرج»، فقراته الأول تثير انتباه ثوارنا: « في بوسطن علي مسافة بعيدة جدا من ميدان التحرير نري مفكرا أمريكيا يسير جيئة وذهابا في بافيون من الطوب، يشتري اشجار حديقته ويتابع ما في الصحف، إنه «جين شارب»، لا يعرف كيف يستخدم الإنترنت، ومظهره غير مخيف ومع ذلك فأفكاره تخيف الحكام الطغاة» ثم نتابع «إن شارب يتابع من كثب ما يحدث في العالم العربي، وقد هزه تنظيم وسلوك المتظاهرين المصريين بهدوئهم ودقة تحركهم». أيضا هناك البروفيسير «ستيفن زونيس» الأستاذ بجامعة سان فرانسيسكو، يحدثنا عن شارب فيقول:« إننا نعتبر «شارب» بشكل عام الأب الروحي لعلم جديد وسلوك جديد قائم علي دراسة العمل الاستراتيجي البعيد عن العنف». أما الكتاب فهو مفردات العمل الثوري: المقاومة السلمية الالتفاف حول محور ثوري واحد، انتشار الفكر الثوري وسط الجماهير الشعبية. ويكرس شارب فصلا تحت كلمة «غاندي» لتعاليم الأب الروحي للهند المستقلة. ثم يفرد فصلا آخر تحت مفرد «الحقوق المدنية» وآخر تحت مفرد «الديكتاتوريون والطغاة» ويري أنه من غير المعقول أن يتحكم فرد واحد في مصير الملايين من ابناء الشعب. وقد هاجمه اليمين وأقصي اليمين، وخاصة مجموعة الكتاب والسياسيين المنادين بالليبرالية الجديدة ، والمتجمعين حول مجلة واير Wire بلوس انجلوس بكاليفورنيا. وهذا هو السبب في مداخلة «ستيفن زونيس» فهو يرد علي المهاجمين في مقال نشرته مجلة كورييه انترناشيونال بعدد 19 فبراير 2011 يقول زونيس «يقول البعض إنه يجوب قارات العالم كي يعمل علي تفجير الثورات هنا وهناك وهو تصور يجعلني انفجر في الضحك لأنه - أي شارب- يكرس نفسه للبحث العلمي قبل كل شيء لكن ذلك لا يعني أن شارب لم يكن قط تحت نيران العمل الثوري، ففي عام 1989 قام بزيارة للصين كي يشهد من كثب انتفاضة الشباب وتظاهراتهم في ميدان «تيان انمين». إذن في الصين أيضا الميدان هو بؤرة الانتفاضة الثورية ونصل إلي رأي شارب في ثورة 25 يناير يقول:« إنها تماما روح غاندي ، فعندما لا تخشي الجماهير الديكتاتورية، فمعني ذلك أن عمر الديكتاتوريات آخذ في الزوال». ويحتوي الكتاب علي قائمة استراتيجيات تصل إلي 198، ويقوم «المركز الدولي للصراعات القائمة علي اللاعنف بتوزيع كتاب شارب علي نحو 98 حركة شبابية في شتي أنحاء العالم ومنها جماعة 6 إبريل في مصر». دراسة أخري جادة كتبتها الناقدة الفرنسية كلير تالون «Claire Talon» ونشرت أجزاء منها صحيفة لوموند الفرنسية بعددها الصادر في 20 ديسمبر 2011، ليست تحليلا سياسيا ولا هي حديث عن الثورة بل عرض وتحليل لمجموعة من اللوحات رسمها ميخويل انجيل سان شيز، أبرز رسامي البورتريهات في العقدين الماضيين. تقول الناقدة: «بينما تدور رحي الانتخابات بكل قوتها في مصر بعد أن دفع الثوار ثم ما تعرضوا له من عنف، عنف لا مثيل له في أي مكان»، في مثل هذا الوقت ، تبدو لوحات الرسام الإسباني ميخويل انجيل سان شيز وهي تأخذ بالألباب ، لقد استوحي أسلوبه من كارافاچ وريبيرا ومنذ بداية ثورة 25 يناير ، أنهي عشرات اللوحات ، كلها بورتريهات لمصريين تحيطهم هالة من الإجلال ، وفق إيقاع صادح يتكرر غائرا فيما بين الظل والضوء ، بأسلوب مسرحي، ومع أنهم علي بعد آلاف الأميال من الحركات الثورية التي أحدثت انقلابات اجتماعية وسياسية، والتي زحفت إلي بلادهم، لأن كل المصريين يقولون لك كان من المستحيل أن نتنبأ بانفجارات براكين الغضب التي تسجل شعاراتها إيقاع حياتهم اليومية». وترد الناقدة علي من يتهموننا بأننا لا نتحدث إلا عن ماضينا وعن حضارتنا المصرية القديمة فتقول: «لنحذر من أن نري في الارتباط بالماضي دليلا علي النزعة المحافظة وعدم الحراك لأن هناك كلمة توجه إلي العالم كله، إنها «الكرامة» «الاعتزار بالنفس حرفيا» هذه الكلمة هي : «افتح يا سمسم» افتح الطريق إلي مظاهرات لا يمكن احتواؤها لأن هذا الشعور الرئيسي شعور لاصق بالبؤرة شعور يحمل الأمل إنها صيحة «ارفع رأسك عاليا، فأنت مصري» وهذا ما تجسده لوحات الفنان الإسباني الثوري». أما الدراسة الكاملة لهذا التاريخ الحي المتزامن لانتفاضة الشعب المصري فسوف يضمه كتاب يصدر في مارس القادم، ويسبق ذلك معرض عن ثوار مصر من خلال لوحات ميخويل سان شيز ينظمه اسبسيون جاليري ويمكن مخاطبته بالعنوان التالي: inception gallery, 37rue poiteau, 75003 paris . مرة أخري ننتقل إلي نوع آخر من الدراسات : دراسات أكاديمية وأبحاث تحمل العديد من الوثائق، وذلك ما تتيحه لنا مجلة «تداخل توترات البحر الأبيض» ترجمة حرفية Confluences Mediterranees ويساهم في تحريرها كبار مفكرو فرنسا الآن وعلي رأسهم ادجار موران وريجيس دوبري تزامنا مع كتاب ومحللين سياسيين من العالم العربي ومن أفريقيا. في العام الماضي أصدرت المجلة عددين في غاية الأهمية أولهما عدد ربيع 2011 وهو عدد خاص عنوانه «الثورات العربية» Revoltes arabes أما العدد الثاني فهو عدد خريف 2011، رقم 75 وعنوانه «مصر: أفول نظام» Egypte L`ecliase افتتاحية عدد «الثورات العربية » يحدد خط اتجاه المجلة ولنقرأ سويا: «اعتاد التاريخ أن تحدث حركات مفاجئة تعمل علي أن تعيد توجه مجراه فمن حين لآخر تتلاشي الديكتاتوريات، وتسقط جدران وتتعانق مناطق سكنية وتتآخي شعوب، وفي حالات عديدة تتواتر الأحداث هذه بغتة لتخرجنا من الظلمات إلي ضوء النهار الساطع أحيانا يكون عنيفا مدويا كاشفا عن تحولات عميقة لم نكن نعرف كيف نقرؤها بعيون ثاقبة، إن ما يحدث اليوم في العالم العربي يقتفي خطي حركات التطوير هذه، حركات سوف يستمر سيرها». «من الذي كان يتوقع قبل ديسمبر 2010 أن هذه الاهتزازات سوف تحدث بمثل هذه السرعة؟» هذا عن مضمون عدد «الثورات العربية»، أما العدد الخاص بمصر فالناشر يقدمه علي هذا النحو «مصر: أفول نظام» عنوان يترجم تشخيصا يثير القلق إلي حد ما تجاه هذا البلد العريق الذي يؤثر علي كل العالم العربي، ومع ذلك رغم هذه الفترة الباكية لا نسمح لأنفسنا بإصدار أي حكم حتي تجري الانتخابات التشريعية عام 2011 ، فنتائجها ستعوق سير الشرذمة التي تحكم مصر سواء كانت مبارك أو ابنيه علاء وجمال أو الحاشية. نحن لا نعلق الآمال علي تأمل هذه اللحظة التاريخية «يقصد ما بعد الانتخابات» لأنها ليست سوي لحظة، لحظة في المسارح السلطوية، هل تكون الانتخابات من الأهمية بحيث تخصص لها صفحات للتعليق والتحليل؟ كلا فبدلا من الاهتمام بالمسرح نفسه، علينا أن ننفذ إلي الخلفية فهي في غاية الأهمية بالنسبة لنا إذ يمكننا أن نصنف العديد من مكونات المناخ الفاسد، ويمكننا أن نعري بلوتوقراطية لم يبق منها سوي الهيكل العظمي. ثم نقرأ:«إننا ونحن عشية الاحتفال بمرور عشرين عاما علي إصدار المجلة ، نعمل علي أن نتبادل القضايا الموضوعية، مع التحليل العقلاني، ففي العقدين الماضيين، لم يصدر أي عدد خاص عن هذا البلد العظيم في حوض البحر الأبيض وفي العالم العربي، ألا وهو مصر فهي بتعداد سكان يصل إلي أكثر من 80 مليونا تعتبر أكثر بلاد البحر الأبيض كثافة سكانية لكنها في الوقت نفسه أكثر البلاد التي تئن تحت ضغط قوي سياسية واقتصادية واجتماعية، مع توقع مماس جيوبولتيك «جغرافية سياسية» ، كل هذا في سياق انتخابات برلمانية في 2011 ورئاسة في 2012، حيث لا يوجد ما ينبئ بحدوث أي تغيير».