يتردد كثيرا هذه الأيام اسم «جين شارب» الاستاذ السابق بجامعة هارفرد، الذى كتب فى 1993 «من الديكتاتورية إلى الديمقراطية»، واعتبرته مجلة لونوفيل أوبسرفاتير الفرنسية «الشيخ الروحى للثورات العربية». حيث يضم كتابه الصغير الذى لا تتجاوز صفحاته ال130 «الوصفات» العديدة للعصيان السلمى، لكنه كان بمثابة المرجع النظرى للثورات من أوكرانيا إلى برمانيا. وإن كان ربط الكتاب وأثره على الثورات العربية به شىء من المبالغة من جانب الصحفى الفرنسى، بما أن عدد من قرأوه بلغته الانجليزية لابد أنه محدود، إلا أن عناصر الكتيب وفصوله المختلفة تجعلك تدرك: «كم تتشابه الديكتاتوريات على وجه الأرض!». فينقسم الكتاب إلى أربعة فصول مكثفة: «مواجهة الديكتاتوريات بطريقة واقعية»، و«مخاطر المفاوضات»، ثم «تطبيق الحذر السياسى» وأخيرا «تفتيت الديكتاتورية». ويصل القارئ عبر فصول الكتاب إلى بحث ممنهج لكيفية خلع الحاكم المستبد منذ التجمع العفوى الأول لإعلان العصيان وحتى صياغة دستور جديد. لا يلجأ جين شارب المعروف بولعه بالمهاتما غاندى لكتب سابقيه فى نفس الموضوع، بل ينهل من التاريخ ويقتبس أرسطوفان وأرسطو ومكيافللى، ويجمع حكايا الحكمة الصينية مثل قصة «السيد قرد» التى تعود للقرن الرابع عشر حول كتيبة من القرود امتنعت عن جنى ثمار الفاكهة لحساب المستبد العجوز. ويعرض جين فى كتابه قائمة لنماذج من حركات الاحتجاج التى تنبذ العنف وتشمل طرق التدخل المختلفة بطريقة شديدة البساطة رغم ما قد يواجه التنفيذ من صعوبات وتعقيدات. وحين يعدد أمثلة لضعف النظام الديكتاتورى، يطفو السؤال الملح فى كل مكان: «كيف نما وترعرع النظام الاستبدادى على قاعدة بهذه الهشاشة؟!». أما عن تأثير كتاب من الديكتاتورية إلى الديمقراطية على صانعى الربيع العربى والثورات العربية المختلفة، فيؤكد كاتب مقال لو نوفيل أوبسرفاتير أن هناك بعض العناصر التى تدعوه لهذه المقاربة. حيث يذكر الرمز الذى تبناه الثوار المصريون وهو قبضة اليد الموجهة والتى كانت رمزا لحركة أوبتور التى ساعدت على إسقاط نظام ميلوسوفيتش فى صربيا، كما يؤكد أن الشاب أحمد ماهر، من حركة 6 أبريل، كان يعتاد الرجوع إلى كتاب «من الديكتاتورية إلى الديمقراطية»، ويلحظ أيضا أن الإخوان المسلمين كانوا يقترحونه على مواقعهم الالكترونية منذ 2005. وماذا عن الديكتاتورية الليبية التى لا يفلح معها أى منطق أو تعقل؟ من منزله فى بوسطن، يجيب جين شارب عن هذا السؤال لقناة تليفزيونية سويسرية، ورغم شعوره بالفخر بفضل الصحوة الديمقراطية فى العالم العربى، إلا أنه يبدو متحفظا حول احتمالات نجاح الثورة الليبية. فيقول شارب: «إنهم يريدون خلع الديكتاتورية باستخدام السلاح، بينما هذا هو مصدر قوة الديكتاتورية. لقد تأثروا بالبلدان العربية الأخرى، لكنهم لم يتبعوا الطريقة المناسبة وقد يفشلون فى مهمتهم». ويفسر هذا الرأى القاطع لجين شارب بأنه صاحب فكر المقاومة السلمية التى لاقت صدى بين قرائه فى زيمبابوى وبرمانيا وروسيا، بل إنه حين استدعى للتجنيد فى كوريا فى الخمسينيات من القرن الماضى، رفض ودفع الثمن تسعة أشهر فى السجن، طور خلالها ولعه بفلسفة غاندى فى المقاومة السلمية وركز معظم أبحاثه حولها وأشيع اسمه مؤخرا للحصول على جائزة نوبل للسلام فى 2009، غير أن أرفع جائزة لنبذ العنف ذهبت إلى باراك أوباما قائد القوات المسلحة الأمريكية الذى اعتبره العالم بطل سلام.