هل تقبل التيارات الإسلامية وساطة الوزارة لنشر الفكر التنويري.. وهل تقبل الوزارة نشر كتب علي شاكلة«النقاب فريضة»؟ أظن وعلي قدر معرفتي بالدكتور شاكر عبد الحميد أنه بعمقه الفكري ورؤيته الدقيقة واخلاصه الوطني - وهي صفات لمستها في مكونات شخصيته عن قرب - يدرك أن وزارة الثقافة قد تعاني مأزقاً يكاد يكون استراتيجيا خلال المرحلة المقبلة.. ويتمثل هذا المأزق في سؤال ربما يكون غائبا عن الكثير.. حتي من النخبة: ما الدور الاستراتيجي لوزارة الثقافة؟..ومنذ أن تسلم الدكتور شاكر حقيبة الثقافة..ولدي احساس بخطورة المهمة التي أسندت اليه.. لذا حين التقيت به خلال افتتاح الحلقة البحثية " نجيب محفوظ والسينما " التي نظمها المجلس الأعلي للثقافة يوم 11 ديسمبر الحالي وجدتني وبشكل عفوي ونحن نتعانق أهمس: لن أقول ما يقوله لك الآخرون ألف مبروك.. بل سأقول: كان الله في عونك!! نعم.. كمواطن وكأحد المتعاملين مع وزارة الثقافة منتجا ومستهلكا للثقافة أدرك مشقة المهمة الملقاة علي رجل مثل شاكر عبد الحميد يتعامل مع الأمور بجدية هائلة يكاد جهازه العصبي - رغم هدوئه الظاهري - يتحول فيها الي وقود لفرن لاتخبو نيرانه علي مدار الساعة....وصعوبة الأمر لاتتمثل فقط في المهام التقليدية من قيادة جيش من عشرات الآلاف من الموظفين "في الهيئة العامة لقصور الثقافة وحدها 14 ألفا "..والكثير منهم - عن حق أو غير حق - تنضح دواخلهم بمشاعر الغبن الوظيفي.. كما لاتتمثل الصعوبة في التعامل مع نوعية من البشر - المثقفون - كل منهم يظن أنه ك "كائن متفرد " في حاجة الي وزارة ثقافة خاصة به.. ترعاه ان مرض وترفه عنه ان اكتئب وتنشر له ان كتب.. وتمنحه الجوائز ان أجاد.. ودائما هو يجيد!.. انها بالطبع مهام صعبة.. الا أن المهمة الأكثر مشقة تتمثل في مواجهة هذا السؤال المأزق:ما دور وزارة الثقافة في التقويم الجديد الذي دشنه شبابنا يوم 25 يناير.. وعلي وشك أن يتسيده آخرون يثيرون الخوف والارتياب بنواياهم غير المعلنة؟ كتبها لاتصل الي الشارع وخلال السنوات الماضية كان ينتابني شعور بأن الوزارة لم تحقق نجاحا كبيرا رغم آلاف الكتب التنويرية التي أصدرتها لكبار المفكرين العرب والعالميين.. فكما ألحظ ويلحظ غيري أصبح القاع المصري تحت سيطرة قوي أخري تري في الاستنارة كفرا وفي الابداع زندقة.. وكنت كلما التقيت بمسئول في الوزارة يلح علي السؤال: ما دور وزارة الثقافة؟.. وأتذكر أنني حين طرحته علي الوزير الأسبق فاروق حسني قال ان وزارة الثقافة ليس من مهمتها صنع الثقافة.. بل هي وسيط بين المنتج للثقافة و مستهلكها.. وأتذكر أن الوزير السابق الدكتور عماد أبو غازي قال لي كلاما مشابها حين التقيت به في نادي القصة وكان يشغل وقتها منصب الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة.. مع التنبيه علي خطورة اسناد مهمة توجيه الجماهير نحو فكر بعينه.. هل يكون الوسيط محايدا؟ الثقافة لم تكن غائبة عن الشاعر سعد عبد الرحمن حيث دشن عهده كرئيس للهيئة العامة لقصور الثقافة بتنظيم ندوة - كان يفترض أن يعقبها ندوات أخري - دعا اليها العديد من رموز الثقافة بهدف البحث عن اجابة لهذا السؤال: ما دور الهيئة؟ وأتذكر أن بعضهم تحدث عن أهمية أن تكون الهيئة وسيطا لنقل الثقافة من كل منتجيها في المجتمع.. وتساءلت حينها هل ينبغي أن يكون الوسيط محايدا.. أي يتيح الفرصة لكل منتج للثقافة لطبع وتسويق منتجه أيا كان الفكر الذي يروج له؟ وفكرة "الوسيط " تلك قد تكون مقبولة ان نجحت الوزارة في توصيل المنتج التنويري الي المستهلك المستهدف به وهو المواطن المصري في أي بقعة من بقاع الجغرافية المصرية..! لكن تجربة السنين علمتنا أن ما يلقي في مخازن وزارة الثقافة من مرتجع مطبوعاتها من ابداع وفكر تنويري " رغم قلة المطبوع " يفوق كثيرا ما يصل الي المستهلك المفترض.. وأحد الأسباب أن المستهلك المفترض استولت علي دماغه قوي أخري.. حيث أصبح يحبذ كتيباتها وسيديهاتها التي توزع في أتوبيسات هيئة النقل العام والميكروباصات كهبة بجنيه أو نصف الجنيه وربما مجانا تماما..ومتنها فكر من هذا الصنف الذي يرمي نجيب محفوظ بالكفر.. والنتيجة كما نراها الآن.. المرشحون الذين يتبنون هذا الفكرحققوا نجاحات كبيرة في الانتخابات البرلمانية.. هذا الصنف من الثقافة من السهل نشره في أدمغة توقف تفكيرها منذ أولي ابتدائي وتحولت في ظل نظام تعليمي تلقيني فوقي الي مجرد أجهزة استقبال..وبالتالي أي اصدارات أخري تحثها علي تنشيط طاقاتها الذهنية لتسأل وتجادل وتبحث عن اجابات لأسئلتها.. مثل هذه الاصدارات تسبب لها عسرا وتلبكا فكريا.. بل وقد تحيد بها عن سكة السلامة التي توصلها للجنة.. لذا فالانصراف عنها فضيلة!! وأظن أن المأزق الذي يواجه الدكتور شاكر الآن يتمثل في احتمالية رفض "القوي المحافظة " والتي علي وشك أن يسلمها رجل الشارع مفاتيح البرلمان قيام وزارة الثقافة بدور الوسيط.. بل ولوجود الوزارة أصلا..! وحتي لوقبلت هذه القوي بفكرة الوسيط تلك.. فلديها فكرها الذي ينبغي علي الوسيط الذي هو وزارة الثقافة طبعه وتسويقه.. فان امتنع مسئولو وموظفو وزارة الثقافة القيام مثلا بطبع كتاب " النقاب فريضة " فهم علمانيون كفرة.. وينبغي ليس فقط اقصاؤهم عن مناصبهم.. بل أيضا محاكمتهم..! وعلي قدر معرفتي بالدكتور شاكر عبد الحميد فالوصول الي مقعد وزير الثقافة لا يتماس مع أية طموحات شخصية بالنسبة له.. بل ما بداخله طموح وطني يتمثل في انجاز شيء مهم في اطارتحديث دماغ المصريين.. وهو لايخفي ما يؤمن به.. ففي استهلاله للحلقة البحثية " نجيب محفوظ والسينما " أوضح أن أي كلام عن كون أدب نجيب محفوظ زندقة ونشرللرزيلة هو كلام خارج الزمان والمكان..! وفي العهود السابقة كانت القوي المحافظة تتربص بأي عمل تنويري يصدر عن وزارة الثقافة وتجرجر الوزارة وصاحب العمل في المحاكم..! وبالطبع استراتيجية هذه القوي سوف تشهد تغييرا جذريا.. بعد أن تصبح داخل غرفة صناعة القرار..فلن تتعامل مع ما تراه «ضد الاسلام» " من خلال المحاكم المدنية.. بل ربما استحدثوا "شرطة دينية" تطارد كل من تراه ضد الدين.. ورؤية هذه التيارات.. بالنسبة لها هو يقين.. من منطلق اعتقاد رموزها أنهم الوكلاء الوحيدون لله سبحانه وتعالي علي الأرض.. وأن الحكم ليس للشعب.. بل لله.. وبالتالي أي كتاب تنوي الوزارة اصداره عن الليبرالية قد يتعرض صاحبه والمسئول عن النشر للجلد..! فهل يمكن للدكتور شاكر عبد الحميد أن يحدد دورا لوزارته في ظل هذه الأجواء؟ أظنه مأزق.. يتطلب أن نقول للرجل: كان الله في عونك!! الحل بيد المثقفين إلا أن ثمة مخرجا.. أن يحتشد المثقفون لحماية وزارة الثقافة كمركز اشعاع لفكر التنويري.. لقد روعت كمواطن مهموم بمصير هذ البلد وأنا أقرأ وأعيد قراءة تشكيل المجلس الاستشاري.. وأجد القائمة خالية من اسم أي كاتب بين أعضائه..! القائمة ضمت محامين واقتصاديين وناشطين وسياسيين.. ولايوجد أحد من كتابنا الكبار.. هزيمة أخري للمثقفين.. لكن عزاءنا اختيار الدكتور شاكر عبد الحميد وزيرا للشأن الثقافي.. الذي أراه قادرا علي أن يجعل للثقافة والمثقفين حضورا نافذا وتنويريا في الشارع وصوتا منصوتا له لدي غرف صناعة القرار.. لكنه ليس دوره وحده..! بل دور كل المثقفين.. حيث يتعين عليهم أن يحتشدوا ويؤكدوا لكل قوي المجتمع أنهم موجودون.. وسيواصلون ممارسة هذا الدور المستنير من خلال بيتهم.. وزارة الثقافة.. وتحت قيادة ربها الجديد!!