الأستاذة إرما - ريتايارفنن باحثة فنلندية في الفولكلور، وهي تتشارك في مجموعة دراسية في إجراء مشروع بحثي مخطط له أن يستغرق الفترة من سنة 2011 إلي سنة 2014، والمشروع يستهدف دراسة «الثقافة الشعبية والأدبية الموجودة منذ العصور الوسطي وبواكير العصر الحديث في منطقة بحر البلطيق» بقصد دراسة التقاطع بين الثقافة الشفهية والتراث المكتوب في البلاد الواقعة حول بحر البلطيق، خاصة فنلندا، استونيا، وكاريليا، وانجريا، في الفترة من سنة 1200 إلي سنة 1700م. وهذا المشروع المتداخل التخصصات سيفيد من انجازات علم الفولكلور والدراسات الأدبية، وعلوم الاتصال والبحوث علي شبكة الانترنت، وكذا بالدراسات في الايديولوجيا والمفاهيم الواردة في الدراسات التاريخية والاجتماعية. ولقد أثرت الأستاذة يارفننن أن تعرفنا ببعض المعطيات التي تحصلت عليها وتخص القديسة كاترين، أثناء عملها بالمشروع، ونشرت تعريفها في مقال موجز في «رسالة زملاء الفولكور» بالعدد الخاص بديسمبر 2011، وهي دورية متخصصة تصدر بالانجليزية مرتين في العام، وتنشرها الأكاديمية الفنلندية للعلوم. مكونات ثقافية ومع أني واحد من دعاة «معاصرة الدرس الفولكوري»، بمعني أن دراسة الفولكلور تنصب - في المقام الأول - علي مكونات الثقافة الشعبية الجارية في عصرنا الحالي، أما المكونات التي ترجع إلي عصور سابقة فتدرسها علوم التاريخ والآثار. بيد أن ما حفزني إلي تقديم هذا المقال فهو ما يثيره من عديد الأفكار فيما يتعلق بالتواصل الثقافي بين الشعوب وبقضايا الهوية الثقافية، مما يتجاوز أن المقال يتناول معطيات تتعلق بإحدي قديساتنا المشاهير، فبالمناسبة فإن أكثر من قديسة مصرية تنشر بركتها في غير واحدة من بلاد أوروبا الغربية، فالواقع أن المقال لا يقدم لنا إضافة معرفية فحسب، وإنما يضعنا مباشرة أمام قوة المشترك الإنساني ورحابة عامة الناس أصحاب الثقافة الشعبية وغناهم الروحي باتساع أفقهم للتواصل والتثاقف مع الآخرين مهما نأت الدار وتباينت اللغات، وتتجسد هذه المعاني وتبرز بتناقضها مع ما تحاول أن تشيعه دعوات أبناء السلطات المهيمنة المختلفة، سواء دينية أو اجتماعية أو سياسية، والتركيز علي المختلف في مسالك البشر تحت زعم الحفاظ علي الهوية أو الخصوصية وضروبها من مبررات تحامق البشر وعنفهم اللاعقلاني. وقد عنونت الأستاذة يارفننن مقالها «دراسة تحولات اعتقادات العصور الوسطي في القديسين وانتقالها إلي الفولكور: حالة القديسة كاترين الإسكندرانية» وهي عندما تنسب القديسة كاترين إلي الإسكندرية فليس ذلك نتيجة خطأ في تحديد مكان إقامة القديسة، وإنما لأن الإسكندرية هنا تشير إلي مصرية القديسة من جهة، ومن جهة أخري تشير إلي تميز الكنيسة المصرية بكونها كنيسة الإسكندرية والكرازة المرقصية». مأثورات فلكلورية إن نمو المأثورات الفولكلورية التي تبين مظاهر التبجيل للقديسة كاترين الإسكندرانية وتغلغلها في فنلندا، شاهد علي تحولات حكايات الخوارق القائمة علي الاعتقاد في قديسي الكنيسة الكاثوليكية وتأويلاتها المحلية. فقد كانت القديسة كاترين واحدة من أكثر القديسات الشهيدات شعبية في أوروبا العصر الوسيط، إذ يعود أبكر الإشارات إلي تبجيلها إلي القرن التاسع، وكان الاعتقاد في القديسة كاترين - أصلا- قد تأسس في الشرق، عندما أطلق اسمها علي دير جبل سيناء، ومنذ ذلك الوقت، امتد الاعتقاد فيها إلي أوروبا الغربية بواسطة الصليبيين. وقد تعزز بقوة الاعتقاد في القديسة كاترين في أبرشية مدينة توركو «عاصمة فنلندا التاريخية» منذ القرن الرابع عشر، خاصة عن طريق طائفة الدومينكان التي كان لها وجود قوي هناك، وقد تم تكريس مصلي باسم القديسة في كاتدرائية توركو، وكذا ثلاث كنائس علي الأقل، كما يمكن مشاهدة تماثيل ورسوم تصور أسطورتها في 23 كنيسة تعود إلي العصور الوسطي في فنلندا، كما كانت تقام ذكري عيدها في 25 نوفمبر باعتبارها جزءًا من التقويم الروماني القديم، وقد وردت إشارات إلي الاعتقاد في القديسة في Legenda Aurea «النقش الذهبي»، حيث عثر علي ثلاث نسخ من هذا النص وجدت في فنلندا العصر الوسيط، وفقا لما وجده «توماس هيكلا» والمجموعة التي عملت معه، الذين درسوا مزق الرقوق «البارشمان» التي تعود إلي العصور الوسطي. كيف استقبل المدنيون الفنلنديون تعاليم الكنيسة الكاثوليكية بخصوص القديسين، وكيف فسر الناس هذه التعاليم وكيفوها مع حاجاتهم اليومية؟ لقد تم مرور المفاهيم الدارجة الخاصة بالقديسين عبر القرون من خلال المممارسات الشعائرية والفولكلورية، وظلت مستمرة في البقاء علي الرغم من حملة الانتقاص من مكانة القديسين في السويد البروتستانتية عام 1544. مصادر فنلندية كيف فُهمت القديسة كاترين في الفولكلور الفنلندي، وكيف اختلفت النظرة الدارجة عن نظرة الكنيسة الكاثوليكية؟ إن المواد النصية المتاحة في مصادر الفولكلور الفنلندي، والتي تعود إلي الفترة من القرن السابع عشر إلي القرن العشرين، تضع تحديا منهجيا أمام الباحثين الذين يسعون إلي عقد صلات مع مأثورات العصر الوسيط، لقد كانت أسطورة القديسة كاترين معروفة في فنلندا في شكل قصيدة ملحمية من وزن مماثل لوزن شعر الكاليفالا نفسه «ملحمة فنلندا المؤسسة»، وكانت القصيدة موسومة بعنوان «إحراق كاترينا»، «مخطوطات من أوائل القرن التاسع عشر». وتنبني ملحمة «إحراق كاترينا» اجمالا علي الوقائع المعهودة في سيرة حياة القديسة، وإن كانت تحولت إلي الحكي عن فتاة عذبت ثم تم قتلها علي يد الملك الشرير روتس «هيرود»، وكثير من ملامح اسطورة القديسة يشدد علي ثبات القديسة كاترين علي إيمانها بوصفها عروس المسيح، أما قدرتها علي هزيمة خمسين فيلسوفا في محاججة دينية، فقد أسقطت من المأثورات المحلية. أوصاف شعائرية وبالمثل، يتكرر ظهور اسم القديسة كاترين مقترنا بالشعائر في فولكلور عدة جهات، ففي فنلندا تغلغل وجود القديسة بواسطة النساء اللاتي أقاموها حامية للماشية والأغنام، ويرجع أقدم الأوصاف الشعائرية للاحتفال بيوم القديسة كاترين إلي نهاية القرن السابع عشر، وإن كانت الشعائر ظلت معروفة في القرن التاسع عشر، وكان أغلبها يمارس في النواحي الشرقية من فنلندا، وكانت الشعائر تتضمن تناول وجبة مشتركة تتكون من العصيدة واللحم المطهي واحتساء البيرة، وكان هذا يتم في الحيز المقدس من السقيفة، ثم يجري الابتهال للقديسة كاترين من أجل حماية القطيع ووفرته. وفي استونيا كانت القديسة كاترين معروفة - بالمثل - باعتبارها «ربة الأغنام»، بينما كانت في العديد من المأثورات المحلية في أوروبا الغربية «أي فرنسا وانجلترا» تبتهل إليها الشابات أملا في العثور علي زوج مناسب، ويتطلب تشكل ملامح أساطير الاعتقاد في القديسين وتمثيلاتهم التصويرية في هيئة رسوم وتماثيل، كما حدث في صور الفن غير الديني، يتطلب تفسيرا محددا في المأثورات المحلية. فقد ظهرت القديسة كاترين مقرونة بالأغنام عبر العجلة التي استخدمت في تعذيبها: وكانت تلك تربط مع صورة دولاب الغزل، كما صورت القديسة والحليب يتدفق من جروحها عندما تم قطع رأسها- وهكذا صارت حامية الأبقار.