عاجل: أسعار اللحوم اليوم الأحد الموافق 28 ابريل 2024    أكسيوس: المقترح الإسرائيلي الجديد لصفقة المحتجزين ينطوي على استعداد لبحث "تهدئة دائمة"    400 مستوطن يقتحمون الأقصى فى سادس أيام عيد الفصح    معتمد جمال يظهر لأول مرة.. مباريات اليوم الأحد في الدوري المصري    ميلان يرغب في التعاقد مع "جوهرة" أستون فيلا    السيسي عن مراكز البيانات: "اللي معمول فوق خيالكم.. وفي حاجات متضربش بأي نوع من القنابل"    الصحة: خدمات طبية لمليون مواطن ضمن برنامج «رعاية كبار السن»    جامعة السويس تستضيف مهرجان الأنشطة الطلابية    عضو جمعية مستثمري جمصة: 4 إجراءات إصلاحية عاجلة تساعد المصدرين على تحقيق 145 مليار دولار    توريد 57 ألف طن قمح لشون كفر الشيخ    ارتفاع طفيف للبورصة مع بداية تعاملات اليوم الأحد    بعد قليل، بدء محاكمة المتهمين في نشر أخبار كاذبة بواقعة طالبة جامعة العريش    تجديد حبس 3 أشخاص متهمين بتجارة الأسلحة في المرج    مصرع 20 شخصا في انفجار بقاعدة عسكرية بكمبوديا    زيلينسكي يشجب الهجمات الروسية على البنية التحتية للغاز    السفير الروسي بالقاهرة: مشروع الضبعة النووية رمزًا للصداقة بين موسكو والقاهرة    إعصار يودي بحياة 5 أشخاص ويصيب 33 آخرين في «قوانجتشو» الصينية    بالصور- يحملون الصليب والسنبلة وقلب الورود.. أقباط بورسعيد يحتفلون بأحد السعف    بسبب وراثة غير طبيعية.. سيدة تلد طفلا ب 12 إصبعا    إنتر ميلان يلتقي تورينو في يوم الاحتفال بالدوري الإيطالي    المصري والداخلية.. مباراة القمة والقاع    إحالة أوراق المتهمين بقتل أب وترويع نجليه في الشرقية للمفتي    الأزهر للفتوى الإلكترونية: دخول المواقع المعنية بصناعة الجريمة أمر محرام    حالة الطقس المتوقعة غدًا الإثنين 29 أبريل 2024 | إنفوجراف    رجل يقتل زوجته أمام أطفالهما وأمها في الغربية ب 8 طعنات    ضبط وإعدام 1.25 طن من الأغذية غير المطابقة للمواصفات    ألفا طالبة.. 4 محافظات تحصد المراكز الأولى ببطولة الجمهورية لألعاب القوى للمدارس -تفاصيل    6 متنافسين بينهم مصري وحيد، إعلان الفائز بجائزة البوكر العربية اليوم    ما هي شروط الاستطاعة في الحج للرجال؟.. "الإفتاء" تُجيب    نقيب أطباء مصر: لن نقبل بحبس الطبيب طالما لم يخالف قوانين الدولة    ثوران بركان في إندونيسيا والسلطات تدعو السكان للابتعاد عن المنطقة (تفاصيل)    جدول عروض اليوم الرابع من مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    الرئيس السيسى: إنشاء رقمنة فى مصر تحقق التقدم المطلوب    ذهاب وعودة.. السكة الحديد تعلن عن رحلة اليوم الواحد احتفالا بشم النسيم (تفاصيل)    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    كان محقا في غضبه.. شيرار يقف بجانب محمد صلاح ضد كلوب    بدء التشغيل التجريبي لوحدة كلى الأطفال الجديدة بمستشفى أبوكبير المركزي    أحمد مراد: الشخصيات التاريخية التي يمكن تحويلها لأعمال فنية لا تنضب أبدا    توافد الأقباط على الكنائس للاحتفال بأحد الزعف في المنوفية.. صور    مش هتقطع تاني.. توجيهات جديدة من الحكومة لوقف انقطاع الكهرباء.. اعرف الأسباب    شكوك حول مشاركة ثنائي بايرن أمام ريال مدريد    وزير المالية: آخر فرصة للاستفادة من مبادرة سيارات المصريين بالخارج .. غداً    غدا.. «بلينكن» يزور السعودية لمناقشة وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن    العودة في نفس اليوم.. تفاصيل قيام رحلة اليوم الواحد للاحتفال بشم النسيم    إعلان اسم الرواية الفائزة بجائزة البوكر العربية 2024 اليوم    بعد اتهامها بالزنا.. عبير الشرقاوى تدافع عن ميار الببلاوى وتهاجم محمد أبو بكر    التصريح بدفن جثة شاب لقى مصرعه أسفل عجلات القطار بالقليوبية    لعدم الإحالة إلى لنيابة.. ماذا طلبت التموين من أصحاب المخابز السياحة؟    بطلوا تريندات وهمية.. مها الصغير ترد على شائعات انفصالها عن أحمد السقا    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    رفض الاعتذار.. حسام غالي يكشف كواليس خلافه مع كوبر    فضل الصلاة على النبي.. أفضل الصيغ لها    بالأسماء.. مصرع 5 أشخاص وإصابة 8 في حادث تصادم بالدقهلية    هل مرض الكبد وراثي؟.. اتخذ الاحتياطات اللازمة    ما حكم سجود التلاوة في أوقات النهي؟.. دار الإفتاء تجيب    نصف تتويج.. عودة باريس بالتعادل لا تكفي لحسم اللقب ولكن    هل يمكن لجسمك أن يقول «لا مزيد من الحديد»؟    ما هي أبرز علامات وأعراض ضربة الشمس؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الظاهر بيبرس يشرب العرقسوس في دكان «كريم الدين»
نشر في القاهرة يوم 20 - 12 - 2011


أكتب هذه المرة لقراء من عشاق الفرجة، ولعدد قليل من الشبان والشابات الذين يعشقون الدراما ليس بهدف تعليمهم قواعدها بل لمساعدتهم علي إدراك ما في عملية الحكي من سحر. إن كل معاهد الدراما علي وجه الأرض وكل أساتذتها عاجزون عن صنع مؤلف درامي واحد يخلو قلبه من نيرانها . هم فقط قادرون من خلال تحليل النماذج الدرامية الرائعة، علي وضع أصابعه علي منابع السحر فيها. ولقد اخترت من أجل تحقيق هدفي، أن ألجأ لأكثر المراجع عذوبة ومصداقية وهو الحكاء الشعبي بوصفه كاتب دراما وممثلاً ومخرجاً بل وأيضا بوصفه كاميرا ومافيولا إذ هو قادر بتغيير ملامح وجهه ونبرات صوته من صنع اللقطة التي يريدها. من المستحيل لحكاء أن يكون فاشلا أو ضعيفا فسوف يكتشف ذلك هو كما أن جمهوره سيكشفه علي الفور، هكذا نستطيع القول باطمئنان انه في غياب سحر الحكي لا وجود للحكاء. لقد اخترت سيرة الظاهر بيبرس لأقدمها كعمل درامي,غير أنني أنبه أن تلك السيرة لا صلة لها بالظاهر كشخصية تاريخية، إنها شخصية من إبداع الحكاء الشعبي اتخذ منها وعاء يصب فيه أفكاره عن صراعات البشر وقوانين المجتمع، أما ما يثير فيها إعجابي حقا فهو ذلك الفهم العميق لصراعات السلطة وجهاز الحكم. لقد اختار الحكاء هذه السيرة لكي تكون " شكلا" لما يريد هو أن يحكيه، وهو في حكايته التي تتسم بأعلي درجات التشويق، ينتهز الفرصة ليرسل برسائل لجمهوره ليحدث فيهم التأثير الذي يطلبه هو بعيدا عن النصائح المباشرة، هذه الرسائل هي ما نسميه " المضمون". غير أن اهتمامه بالمضمون لا يطغي عنده علي الشكل، سيكون من السهل عليك أن تكتشف أن الشكل والمضمون في حكايته جسم واحد وسبيكة واحدة قادرة علي الاستيلاء علي جمهوره وقادرة أيضا في نعومة وعفوية علي غرس المعاني والأفكار التي يري أنها صالحة ونبيلة في وجدانهم. أن تستمتع الناس ابتداء ,هذا هدف نبيل أن تزداد معارفها فهذا أيضا هدف لا يقل نبلا. سنقفز بسرعة علي المشاهد الأولي المليئة بالحركة والمغامرات التي وصف فيها طفولته وشبابه، والتي استغلها ببراعة في بناء الشخصية وأبعادها في ذهن المتفرج، هو شخص نبيل بل وأمير ، شجاع وحر. صاحب تاريخ طويل في القتال ضد الأشرار، إنها نفس شخصية الفارس كما قدمها الأدب الغربي، هكذا وضع المتفرج في الانفعال Mood المطلوب وجعله علي استعداد دائم لإظهار ردود فعله التي تتفق مع هذه الأبعاد. نحن الآن في مصر المشهد هادئ وبسيط للغاية، أحس الظاهر بيبرس ذات يوم بالضيق فأخذ يتمشي إلي أن قادته الصدفة إلي دكان عرقسوس صاحبه اسمه كريم الدين. جلس في الدكان وكما يفعل ابن البلد الكريم طلب طاسة عرقسوس لكل الجالسين في الدكان، ثم أصبح هذا هو مكانه المفضل " وصار له جملة أصحاب من الحسنية" وذات يوم شاهد مجموعة من رجال الدرك ورئيسهم ويسمي رشقون قابض بيده علي غلام . كان الغلام يصرخ مستنجدا بأي مخلوق غير أنه لا أحد جرؤ علي التدخل إلي أن استجار الغلام بالأمير بيبرس، فطلب من رئيس الدرك أن يترك الغلام لحال سبيله غير أنه رد عليه: وانت مالك انت يا نسل الحرام؟ أريدك أن تلاحظ التطور الطبيعي للمشهد الذي تحول بعد جملة الحوار الأخيرة إلي كارثة لا يمكن تفاديها، كان من المستحيل أن يقول رئيس الدرك للأمير الشجاع ( يا نسل الحرام) ويظل الأمير متمالكا لأعصابه، رد الفعل الطبيعي هو أن يجرد دبوسه وأن يضرب به الرجل فيقتله علي الفور، وتتسارع إيقاعات المشهد ويزداد تعقيدا، يهجم عليه رجال الدرك " فصال فيهم و جندل أربعة ذات اليمين وأربعة ذات اليسار" فلجأ الباقون إلي الفرار غير أنه طاردهم وتمكن من قتل اثنين منهم ثم واصل مطاردتهم إلي باب الخلق وأولاد الحسنية خلفه. كل ما حدث في المشهد كان طبيعيا ومستوفيا لما نسميه الحتمية الدرامية، كل ما حدث كان محتم الحدوث. أريدك أن تلاحظ براعة الحكاء في الانتقال من استاتيكية المشهد الهادئ إلي ديناميكية المشهد العنيف، ثم الانتقال إلي موقع Locationآخر في عملية المطاردة، المشهد هنا لا يتغير لأن المؤلف الحكاء أراد تغييره بل لأن المشهد نفسه هو الذي حتم ذلك. منتقلا من العزف المنفرد بشخصية واحدة إلي دخول الأوركسترا كله متمثلا في المجاميع ومنهم أولاد الحسنية. هناك سؤال لابد أنك سألته لنفسك ولم تعثر حتي الآن علي إجابته وهو: لماذا كان يقبض رئيس الدرك علي الغلام.. وماذا يريد أن يفعل به؟ غير أن رغبتك في معرفة الإجابة لا تمنعك من الاستمتاع بما يحدث، ولاشك أنك ستؤجل ذلك لتعرفه في مشهد قادم، ويعود الظاهر بيبرس إلي الدكان، إنه مشهد الارتكاز الذي يصلح للمشاهد الهادئة بعد المطارة وعمليات القتل. لقد بدأت الآن تشعر بالخطر علي البطل والإشفاق عليه وهذا هو ما سيجعلك أكثر اهتماما بحكايته، الرعب والشفقة Pity and Terror هذا هو ما تعلمناه من أساتذتنا عن شعور المتفرج تجاه البطل التراجيدي، لقد أهين فكان من المحتم أن يفقد عقله وأن يقتل، ولكنه لم يقتل أشخاصا لا حيثية لهم، لقد قتل رجالا يعملون في جهاز الدرك التابع للدولة.. تري ماذا سيحدث له؟ يجلس الظاهر في مكانه ويسأل الغلام: ابن من أنت؟ أنا إبن نقيب الأشراف. اذهب إلي أبيك واعلمه بما جري ودعه يجمع الأشراف ويطلع بهم إلي الديوان. السمع والطاعة يا مولاي. أما أولاد الحسنية فقد قالوا للأمير : لا تخف فأرواحنا لك فداء ونحن كلنا شاهدون، فسر بنا الآن إلي قاضي الحسنية حتي نشهد بما رأيناه، ثم انهم ساروا إلي القاضي وشهدوا بما حدث فأصدر القاضي حكما بفسق رشقون ، فأخذ الظاهر الحكم ووضعه في جيبه وعاد إلي دكان العرقسوس. (مشهد الارتكاز مرة أخري) أخذ رجال الدرك قتلاهم وذهبوا إلي الديوان، وأخبروا الملك أن القاتل هو أحد مماليك الوزير نجم الدين البندقداري، فاستولي الغضب علي الملك وقال: هذا المملوك المقصوف العمر يقتل رجال الدرك ويخرق القانون، فلا كان ولا استكان ولا عمرت به أوطان. وهنا يقول قاضي الديوان: يا مولانا القاتل يقتل شرعا.. غير أن الملك لا يتسرع ويقول للوزير نجم الدين: روح هاته.. عشان نعرف منه قتلهم ليه.. فسار إلي بيته فما وجده فسأل عليه أحد الخدم أنا رأيته قاعدا بدكان في الحسنية. يا لجمال ونعومة المشهد، لقد كان من السهل أن يذهب الوزير نجم الدين إلي الدكان مباشرة، غير أن الحكاء يريد أن يهدئ المتفرج لثوان ليعده للمواجهة في المشهد التالي، إنها المواجهة التي ستمثل ذروة الحدث Climax هو لا يتعمد المط والتطويل، بل يريد للمتفرج أن يكون أكثر هدوءا وهو يدخل علي المشهد الجديد ، كما أنه من الطبيعي أن يتصور نجم الدين أن الظاهر بعد هذه المقتلة لابد أن يعود إلي بيته. يذهب الظاهر إلي الديوان وأمام الملك يقول انه كان في حالة دفاع شرعي عن النفس ثم قدم له الحكم الذي حكم به القاضي، غير أن علماء الديوان أفتوا بأن هذا الحكم لا يعفيه من القصاص.. هنا نصل إلي لحظة تأزم تتطلب دخول شخصية جديدة لتقدم ما يحرك المشهد في اتجاه نجاة البطل، وهنا يدخل نقيب الأشراف ومعه جماعة من الأشراف وقالوا: والله ما حمانا وحمي عرضنا إلا هذا الهمام. هنا يكون المؤلف قد أجاب علي تساؤلك: ماذا كان سيفعل رئيس الدرك بالغلام. الواقع أن الإجابة كانت قد بدأت في الاتضاح عندما حكم القاض «بفسق» رئيس الدرك، وهنا يلتفت الملك إلي علماء الديوان الذين أفتوا من قبل بحتمية قتل الظاهر ويسألهم: ماذا أنتم قائلون يا علماء الإسلام؟ فقالوا: لقد ثبتت براءة هذا الفتي..لأنه كان في موقف دفاع عن نفسه وهؤلاء جماعة أشرار دأبهم الاعتداء علي الناس وأعراضهم فنالوا جزاءهم. أريدك أن تدرس كيف انتهي المشهد فيما يشبه " الاختفاء التدريجي" لينتقل صاعدا إلي مشهد جديد هو نتيجة طبيعية للمشهد السابق. قال الملك: حيث انهم شهدوا ببيرس الصلاح والغيرة والمروءة، فألبسه ياحاج شاهين رئيسا للدرك . فألبسه الوزير وقال له: أوليتك رئاسة الدرك. أما الأشراف فقد تصافحوا مع السلطان ونزلوا إلي حال سبيلهم. راجع المشهد من بدايته، ولاحظ كيف تحرك من أقصي اليسار إلي أقصي اليمين، كل الأحداث السابقة المقصود بها أن تعرف «كيف» تم تعيين الظاهر بيبرس رئيسا للدرك في مصر، غير أن الحكاء استطاع تسريب عدد من الأفكار إلي وجدان المتفرج بغير أن يدعوهم إلي ذلك مباشرة أو في شكل خطابي.. فكرة الذهاب إلي القاضي ، فكرة الناس «الجدعان» الذين ذهبوا ليشهدوا معه بحقيقة ما حدث، ثم الاحتفاظ بالحكم في جيب البطل استعدادا لإظهاره عند الحاجة إليه. أما أخطر ما أشار إليه الحكاء، فهو مواصفات الموظف العام كما يراها هو وهي كما قال الملك " الصلاح والغيرة والمروءة"، ثم الطريقة التي يجب أن تتبع عند تعيين الموظف العام في منصب خطير، إن قرار تعيينه صدر مستندا لشهادات الآخرين، بل ان الحكاء كان حريصا علي استخدام جملة حيث «أنهم» شهدوا ببيرس الصلاح والغيرة والمروءة .. إلخ. ليست الخبرة أو الثراء أو العلم أو الأسرة والعصبية أو الذكاء أو الخبث، بل الصلاح والغيرة والمروءة. الآن قام المؤلف الشعبي بتعيين الظاهر بيبرس رئيسا لأمن مصر في حركة إصلاح تم بها التخلص من أشخاص فاسدين، فماذا سيفعل به في المشاهد التالية..؟

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.