كيف تري أدب الرحلات حالياً؟ - أدب الرحلات نوع أدبي مهمل ومظلوم في مصر والعالم العربي علي العكس تماماً من الدول الأجنبية التي تهتم به كثيراً فمن النادر أن يوجد أديب أجنبي لم يكتب في هذا المجال حيث يوجد لديهم إحساس بأن الأديب لايكتمل مشروعه الأدبي إلا بالكتابة في هذا المجال، قديماً تفرد العالم العربي في هذا المجال الا أنه انصرف عنه في العقود الأخيرة إلي أن بدأ الاهتمام به من قبل دار نشر في أبوظبي خاصة بشاعر ومثقف يدعي محمد أحمد السويدي، حيث أخذ علي عاتقه تأسيس دار لنشر أدب الرحلات المعاصر وإعادة نشر أدب الرحلة القديمة بعد تحقيقها ثم بدأ في تأسيس جائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي ومقرها في أبوظبي ولندن وهي مسابقة مكونة من عدة فروع ويشرف علي السلسلة الشاعر السوري نوري الجراح، وأعتقد أن هذه هي الجائزة الوحيدة التي تمُنح لكتاب أدب الرحلة في العالم العربي، لذا نتمني أن ينال هذا النوع الأدبي مزيداً من الاهتمام من الدوائر الأدبية الرسمية في مصر بحيث يتم إدخاله ضمن جوائز الدولة، بل إنه في أحد المؤتمرات في إحدي الدول العربية أوصي الحاضرون بإدراجه ضمن المناهج الدراسية .أدب الرحلة عموماً ما يكون فن مقارنة بين الثقافة التي ينتمي إليها كاتب الرحلة والثقافة التي سافر إليها وحاول دراستها. إذن ما المواصفات التي ينبغي توافرها في كاتب أدب الرحلات؟ - في البداية يجب علينا معرفة ما يحتاجه هذا النوع من كاتبه ونوعية الكاتب نفسه، يجب أن يكون أديباً أو مارس كتابة أي جنس أدبي بحيث يكون متعدد الاهتمامات لأن الرحلة تقتضي نسيج السرد وفي كتابة أدب الرحلة يمكن أن يشتبك فن الشعر والسرد الروائي مع الواقع السياسي والاقتصادي للدولة، وكذلك حال المرأة العربية، أي أن صعوبته تتجلي في أنه يجمع بين الأدب الذي يضم المشاعر والأحاسيس والواقع الموجود في البلد التي سافر إليها الكاتب، وعليه أن ينسج بين وقائع الحياة اليومية التي يراها المجتمع الذي سافر إليه في سرد روائي به شيء من فن السيرة وذكريات كاتب الرحلة وتداخل الأزمنة والأمكنة داخل نسيج السرد، كما يتطلب أيضاً كاتب لديه القدرة علي اختزال التجارب بداخله ليخرجها بصورة سلسة. أصدرت خمسة كتب في مجال أدب الرحلة، فما الذي جذبك لهذا النوع الأدبي؟ - أعتقد أن السببب الرئيسي أنني كنت شاعراً وقد أصدرت ديواناً وحداً تحت عنوان"الحب يسألكم المغفرة" ثم توقفت بعد ذلك عن كتابة الشعر، حيث إنني بعد ذلك لم أجد القصيدة التي أفرغ بها الطاقة الشعرية الموجودة بداخلي ففرغتها في نسيج سردي، بالإضافة إلي كتابتي المتعددة لذلك وجدتني أقدم كتاباً تلو الآخر فقدمت خمسة كتب هي أمريكا سري جداً، وردة الشمال وعشرة أيام في استوكهولم، هبة الجبل رحلة إلي لبنان، رحلة إلي المغرب والكتاب الأخير الفائز تونس البهية كما أنني بصدد تقديم كتاب عن اسطنبول. لماذا إذن توقفت عن الشعر، ولماذا لم تجمع بين أكثر من جنس أدبي؟ - أصدرت ديواناً واحداً كتب له المقدمة الشاعر السوداني محمد الفيتوري بعد هذا الديوان وفي وقفة صريحة مع النفس انتهيت إلي أن الشعر هذا الفن العظيم يجب علي كاتبه أن يخلص له جيداً ولايشرك معه شيء آخر فوجدتني وفي لحظة أليمة أقرر التوقف عن كتابة الشعر، ولكن ربما وبشكل خفي وغير إرادي ما جعلني أصدر عدة كتب في أدب الرحلة هو أنني أنشر خلال صفحات الكتب الشعر الذي سجنته بداخلي، وكذلك في ترجمتي للأعمال الروائية والشعرية أعيش تجربة تأليف الشعر مرة أخري . من أهم الكتاب الذين ربما تكون قد تأثرت بتجربتهم في هذا المجال؟ - للأسف الشديد هناك سببان جعلا الأدباء المصريين والعرب يعزفون عن هذا النوع الأدبي أولهما عدم تشجيع الدولة لكتاب أدب الرحلة أو الاعتراف به مثل الأجناس الأدبية الأخري بحيث يدخل في إطار جوائز الدولة والسبب الثاني هو كسل الأدباء أنفسهم لأن الكاتب طالما لا يجد التشجيع أو الحافز علي قراءة أدب الرحلة بالتالي يبتعد عنه ويكتب في مجال آخر، ولكن المتوفر لدينا في معظمة كتاب صحفيين يتم إرسالهم لتغطية أحداث في بعض الدول وبمجرد عودتهم يكتبون تقارير أو سلسلة من التحقيقات الصحفية عن البلد التي سافروا إليها وفي اعتقادي أن هذا لا ينتمي لأدب الرحلة لأنها تخلو من العمق المفترض وجوده في هذا الأدب، ومن أمثلة ذلك كتب أنيس منصور والتي راجت كثيراً تحت هذا المفهوم ولكن بقدر كونها لا تنتمي لمسمي أدب الرحلة الا أنني أجد فيها ميزة واحدة وهي أنها جعلت القراء يحبون السفر والارتحال وهذا في حد ذاته مقدمة في أن يبدأ الكتاب في الاتجاه لهذا النوع، فمن وقت لآخر نجد بعض الكتب التي تم نشرها بجهد فردي، ولكن ربما أكون قد تأثرت بالرسامين الأجانب الذين زاروا المشرق العربي ثم كتبوا عنه كما رسموا أجواء هذه الرحلات . ما الهدف الذي تسعي إليه من خلال كتابتك في هذا المجال؟ - أحب أن يهتم الأدباء الشبان بالسفر أولاً والانخراط في هذا النوع الأدبي وأخذه مأخذاً حقيقياً بجدية تامة بحيث يعطوه كثيراً من الوقت والجهد والتأمل والقراءة. قمت بترجمة عدة كتب فكيف تري تجربتك في مجال الترجمة؟ - أهتم في المقام الأول بالترجمة الأدبية سواء للرواية أو الشعر وفي ترجمتي للرواية أختار عملاً لروائي من آسيا أو أفريقيا بحيث تقع أحداثها في دول القارتين ويكون من النادر أيضاً قراءة رواية لمن كتبها بمعني أنه لم يسلط عليه الضوء كثيراً ومكان الحدث نفسه جديد علي وهذا يلبي لدي حاجة مهمة وكأنني سافرت لهذة الدولة، وقد ترجمت ثلاث روايات الأولي لنادين جودمر التي نالت جائزة نوبل في الأدب عام 1991 بعنوان "الشعب يريد" ورواية هندية بعنوان «ميراث الخسارة» والرواية الثالثة للنيجيرية تشيما مندا أديتشي بعنوان «زهرة الكركديه» بالإضافة إلي عشرة كتب في مجال السياسة منها «فاروق ملك مصر.. حياة لاهية وموت مأسوي» وكذلك عائلة كيندي والصعود للهاوية. هل توقعت الجائزة، وكيف تري ثورة 25يناير؟ - لم أكن أتوقع أي جائزة، حيث إنني أكتب ولا أضع الجائزة نصب عيني، فقد أرسلت الكتاب مخطوطاً بالبريد الأليكتروني لدار ارتياد الآفاق عله يجد طريقه للنشر وبعد أشهر قليلة فوجئت بخبر الحصول علي الجائزة من خلال وكالات الأنباء، وأعتقد أنه عبر تسلمهم الكتاب بالإيميل هم من أرسلوه للمسابقة ثم نال الجائزه.بالنسبة لثورة 25يناير فإنني أحمد الله أنني عشت حتي جاء هذا اليوم وأعتبره يوم ميلاد جديد لي لأنني طوال العقود التي عشتها كان يوم ميلادي هو 25 الماضي أي عيد الشرطة فكنت أحزن لذلك، ولكنه تحول لثورة انتظرناها طويلاً وبقدر سعادتي أني عشت حتي جاء هذا الحدث العظيم بقدر حزني لأن لي أصدقاء رحلوا قبل رؤية هذه الثورة.