قدم ( خالد يوسف ) فيلمه الجديد كف القمر- فقد ابتعد عن النظرة التشاؤمية و نواقيس الخطر التي كانت تدق دائما في أفلامه السابقة . "قمر" الأم الصعيدية التي يقتل زوجها علي يد مهرب آثار و يترك لها خمسة اطفال ذكور تتولي تربيتهم بمفردها و حين تشتد سواعدهم يتركون امهم وينزحون الي القاهرة طلبا للرزق . وكعادة أفلامه يحمل الفيلم بعدين احدهما مباشر قصة الفيلم البسيطة، والثاني يرمز لواقع يجسد احداثا او شخصيات اخري . الواقع والرمز نري المخرج و قد رمز لشخصية (قمر) وفاء عامر بأنها مصر التي دب الشيب فيها قبل أوانها من ثقل الأعباء والتفكك وابناؤها الخمسة يمثلون طوائف الشعب المختلفة، والابن الاكبر (ذكري) خالد صالح هو الحاكم لأنه أكبر الأخوة وله حق القيادة والسيطرة طبقا للعرف وعلي الأخوة طاعته . أما (ياسين) هيثم احمد زكي الأخ الأصغر فهو يرمز الي شريحة الشباب التي ظلت صامتة طوال سنوات كثيرة حتي تمردت علي وضعها ثم أعادت البناء من جديد مثلما حدث في الفيلم وجعل طوائف الشعب من شرائح عمرية مختلفة تبني معه و يتمثل الشعب في بقية الأخوات . لبني «جومانة مراد» تجسد دور فتاة لعوب ترمز للدول اللعوبة التي تلعب علي كل السياسات لكي تدخل في الشئون الداخلية وتخلق المشاكل ثم تبدأ بالمساومة والابتزاز. و(قمر) الطفلة الصغيرة ابنة (ذكري) فتمثل مصر الجديدة التي تحتاج الي رعاية حتي تنهض وتنمو. وبعيدا عن قصة الفيلم فإن أداء (وفاء عامر) كان جديداً ويبشر بأن بداخلها امكانيات لم تظهر بعد فقد استطاع المخرج ان يخرج منها أداء لم تقدمه من قبل بقبولها دور قمر المرأة العجوز شاحبة الوجه فقد ابتعدت كل البعد عن تألقها الخارجي واعتمدت علي تركيزها في أداء الدورفقط مما جعلها تبرز موهبتها . بصمة فنان أما (خالد صالح) فكان الدور مناسبا له و بالرغم من ان هذا الدور ليس جديدا عليه الا انه استطاع أن يقدمه بصدق ومن الصعب ان يقدمه غيره والحقيقة ان خالد صالح ممثل محترف ويقدم أعماله بتلقائية شديدة و عمله مع خالد يوسف يجعله يترك بصمة في العمل كما حدث من قبل في فيلمي الريس عمر حرب و هي فوضي . (ياسر المصري) برغم انه أردني الجنسية الا انه كان مقنعا في اداء دور الرجل الصعيدي حتي انه ذكرني بالفنان الراحل (شكري سرحان) في أدائه لدور ابو العلا في فيلم (الزوجة الثانية) بهيئته وتمسكه باصوله التي تربي عليها - كما انه استطاع أيضا ان يكسر حاجز اللغة ويتحدث الصعيدية بطلاقة ولم يؤثر علي أدائه اختلاف اللهجات و هذا يفتح امامه الطريق الي أداء الأدوار المختلفة. (حسن الرداد) خرج من ثوب الشاب الوسيم حسن المظهر وظهربشكل جديد من خلال دور (بكر) و كانت ملامحه صعيدية وساعده في ذلك اتقانه للهجة الصعيدية واستطاع ان يخرج أداء جديدا يؤهله لتقديم أدوار لم يقدمها من قبل كما ان هذا الدور سيجعل نظرة المخرجين تتغير نحوه مما يفتح امامه المجال للقيام بادوار مختلفه غير تقليدية لا تعتمد علي مظهره الخارجي فقط وانما علي أدائه التمثيلي ايضا . إعادة اكتشاف (هيثم أحمد زكي) نضج نضوجا فنيا من خلال دور (يس) فقد تغير أداؤه تماما عن التجربتين السابقتين وأصبح يسير في الطريق الصحيح وكان من الممكن أن يصيبه اليأس من التجارب السابقة التي لم يكتب لها النجاح الا انه استطاع بفضل المخرج ان يبرز موهبته التي ورثها عن أبيه وامه، والدور كان مناسبا له حيث كان الصمت سمته مما جعل هيثم يتآلف مع الكاميرا ومكنه من اتقان دوره في مسلسل (دوران شبرا) بأداء وشكل جديد ومختلف . والحقيقة أن هيثم أحمد زكي هو مفاجأة العمل فقد أعاد المخرج اكتشافه من جديد . (جومانة مراد) تحاول أن تثبت تمكنها من أداء الأدوار الشعبية فقد سبق وقدمت دور الفتاة الشعبية من خلال شخصية (نهلة) في (كباريه) و(الفرح) أيضا فهي تحاول أن تكسر حاجزاللهجة وتخرج من قالب الشكل التقليدي للفتاة الرومانسية لكنها لم تقدم جديدا لأنها تألقت من قبل في هذا الدور والذي يحسب لها انها شاركت في فيلم يعتبر محطة جديدة في تاريخها الفني . خلافات غير فنية (غادة عبد الرازق) برغم صغر مساحة الدور الا انها قدمته بتفان وصدق في الإحساس ومهما كبر أو صغر الدور فقد استطاعت أن تترك بصمتها والسؤال هنا هل قبلت غادة هذا الدور الصغير الذي كان من الممكن لممثلة اخري ليست بشهرة غادة ان تؤديه !أم ان هذا الدور كان اكبر من ذلك لكن تم تحجيمه كتصفية حسابات بينها و بين المخرج و قيامه بحذف مشاهد كثيرة لها كما يشاع ونشرعلي صفحات الجرائد نظرا للخلافات التي بينهما. الموسيقي التصويرية فإذا كان قد قام بحذف مشاهد كتصفية حسابات لما قامت به من تصريح وآراء أثناء الثورة فهذه هي الديمقراطية التي نطالب بها فهذا أدي إلي تشويه الدور والخلل بأحداث الفيلم فتصفية الحسابات لن تكون أبدا علي حساب العمل وضياع المجهود الذي بذل فيه. غلب عليها طابع المواويل الشعبية الحزينة - السائدة في المجتمع الصعيدي- للتعبير عما تعرضت له هذه الاسرة من التفكك و لسرد احداث متلاحقة من الفيلم الا انه قد يعيبها كثرة تكرارها و التطويل فيها مما يعطي شعور بالملل . رؤية إخراجية المخرج خالد يوسف يحسب له اعادة اكتشاف الممثلين في ادوار جديدة وتمكنه باحترافية من تقديم الجديد بداخلهم، لكن يؤخذ عليه أنه استعان بغادة وحورية وجومانة في أدوار كان من الممكن الاستعانة بوجوه جديدة كعادته فهذه الأدوار لم تضف إليهن شيئا ولكنه أراد أن يحشد نجوما كثيرة لإبهار الجمهور. أخيرًا ابتعد خالد يوسف عن تقديم سلبيات المجتمع المصري مثل هي فوضي وحين ميسرة ودكان شحاتة، وقدم عملاً به شيء من التفاؤل والقيم الايجابية يحسب له بصفة عامة وفي هذا الفيلم بصفة خاصة النظرة التنبؤية للمستقبل فرؤيته في فيلم دكان شحاتة قد تحققت بالفعل كما ان رؤيته في هذا الفيلم كانت نحو اعادة البناء من جديد - علي الرغم من انه تم الانتهاء من تصويره قبل اندلاع الثورة - و هذا هو المتوقع حدوثه خلال الفترة القادمة. وبرغم أن هذا الموضوع تناولته السينما كثيرا ففكرة ابناء الصعيد الذين ينزحون إلي القاهرة طلبا للرزق ليست جديدة ولكنها قدمت بشكل مقبول. أما إذا تحدثنا عن فكرة الفيلم ببعدها الثاني فنجدها مليئة بالإسقاطات السياسية بتجسيده الشخصيات كرموز، فقد استطاع أن يصور الواقع حيث إن ابناء الوطن «الإخوة» قد ابتعدوا عن وطنهم «الأم» وأصبح كل منهم يدور في فلك نفسه وعندما حدثت الفاجعة وانهار الوطن بموت «الأم» تكاتفوا واتحدت طوائف الشعب العمرية بدءا من أصغرهم الذي بدأ بالبناء وتعاونوا معه في بناء المنزل «إعمار الوطن»، فالفيلم يوجه دعوة للاتحاد والتكاتف والعمل حتي نستطيع النهوض بالوطن نحو مستقبل أفضل.