عندما يصل هذا العدد الي يد القارئ، تكون نتائج الدورة ال27 من مهرجان الاسكندرية السينمائي قد اعلنت، قبلها بساعات قليله،ولايساورني الشك لحظة في حصول فيلم "كف القمر" علي جائزة أو عدة جوائز،أولا.. لأنه الفيلم المصري الوحيد المشارك في المسابقة، وثانياً.. لأن لجنة التحكيم تضم عضوين مصريين مؤثرين هما خالد الصاوي، وجيهان فاضل لكن الأهم من أولا وثانياً هو أن فيلم «كف القمر» يستحق التقدير فعلا! وبالإضافة إلي كف القمر أعتقد ان هناك فرصا جيده لفوز كل من الايطالي "حياتنا" والبوسني "سيرك فانتازيا" رغم أن كل منهما سبق عرضه في مهرجانات سابقة! البيت المهدوم يقدم خالد يوسف مع السيناريست ناصر عبدالرحمن حالة إبداعية مميزة في أحدث افلامهما «كف القمر»،الذي يطول زمن عرضه لأكثر من ساعتين وثلث الساعة، بينما تدورأحداثه خلال ثلاثين عاماً تقريباً،يقدمان خلالها رحلة في الزمان والمكان،تبدأ في إحدي قري الصعيد،حيث تعيش العجوز المتآكلة "قمر" وفاء عامر ،بمفردها في منزل شديد التواضع، اعتاد لصوص القرية،سرقته بين الحين والآخر،لدرجه نزع جدرانه،وأبوابه ومحتوياته،بينما تحاول المرأة العجوز التصدي لهم، مستعينة بكلبها الأمين،الذي يلازمها بعد أن تركها أبناؤها الخمسة،وعندما يشتد المرض علي قمر،تطلب استدعاء الأبناء وتحمل "زكري"خالد صالح ولدها الكبير،مهمة البحث عن اشقائه والعودة بهم مجتمعين،في شبابها كانت "قمر" تفاخر بابنائها الذكور البالغ عددهم خمسة،مثل أصابع الكف،كانت تريد الأصابع الخمسة مجتمعين دائما في كف واحده،ومن أجل ذلك كانت تحمل الابن الاكبر مهمة حماية اشقائه ورعايتهم،بعد ان فقدت زوجها،الذي قتل اثناء بحثه عن آثار!الطبيعة قاسية،والرزق قليل وشاحح،وقمر لاتملك من حطام الدنيا إلا رجالها الخمسة ،ومع ذلك قررت أن ترسلهم جميعا،للقاهره بحثاً عن الرزق،علي ان يعودوا يوماً،لإعادة بناء الدار التي تهدمت بفعل عوامل الطبيعة! لكن الأبناء الخمسة "زكري"خالدصالح، و"ضاحي"الأردني ياسر المصري،وياسين "هيثم احمدزكي"،وجوده"صبري فواز"وبكر "حسن الرداد"، قد تفرقت بهم السبل،وعاش كل منهم يلهث خلف حلمه الخاص،مفضلا مصلحته علي بقية إخوته!بل علي حلم أمهم قمر،التي انتظرت سنوات عودتهم إليها لتعمير الدار المتهدم،وحماية ظهرها من اعتداءات الغرباء! زكري كبيرهم فضَّل العمل في مجال المقاولات، ولم يكن يؤرقه سوي فشله المتكرر من الزواج بحبيبته جميلة،التي أرغمها اهلها علي الزواج من غيره أكثر من مرة،ولما أنجبت من أحدهم كرهت جنينها ورفضت ان تمنحه صدرها،فمات بعد ايام من ولادته"مشهد جميل أدته غادة عبد الرازق بصدق،يخلع القلب" ،فماكان من أهل جميله إلا أن أودعوها مستشفي للأمراض العقلية،ومع ذلك استطاع زكري ان يتسلل اليها،ويتزوجها داخل المستشفي،فلما بلغ اهلها الامر قرروا خطف أمه قمر،لمساومته لتسليمهم جميلة زوجته،مقابل عودة قمر سالمة!زكري يتاجر في السلاح ليحقق ثروه تساعده في تحقيق حلمه في مجال المقاولات،ولكنه يورط شقيقه الطيب ضاحي،ثم يعالج ذلك بالاستعانه بمحام يجيد فنون التلاعب بثغرات القانون! حب الفتاة اللعوب أما جوده"صبري فواز" فهو يتجه لتجارة المخدرات،وعندما يقع يلجأ شقيقه الأكبر إلي نفس المحامي ليخرجه من القضية خروج الشعر من العجين،ومع ذلك فلا"ضاحي" ولابكر يشعران بالإمتنان لزكري ،بل يحملانه مسئولية كل ما يلقيانه من مشاكل وأزمات،أما بكر"حسن الرداد،فنظراً لبراءته وقلة خبرته بالحياة فقد وقع حتي أذنيه في حب" لبني"جومانه مراد،وهي فتاة لعوب تدعي العفة،والطهارة،لتجبر بكر علي الزواج بها،في الوقت الذي،كانت تقيم علاقة مع شقيقه الأكبر زكري!ويبقي الصغير ياسين "هيثم احمد زكي" الذي يعمل في محل لبيع شرائط الكاسيت،وتفتنه راقصة شابة"حورية فرغلي" تغير من حياته،فيتحول الي راقص تنورة يصاحبها في الافراح، ثم يدخل لعالم الدروشة بعد ان يصاب بأزمة نفسية يسببها شقيقه الأكبر الذي يجبره علي التخلي عن حبيبه قلبه ! يزدحم الفيلم بالأفكار،ويرهقه كثرة الحوار في بعض المناطق، لكنه مثل معظم افلام خالد يوسف يلجأ الي السخرية المطعمة بالمرارة،للتعبير عن أعقد القضايا،ويصبح أمام المشاهد مستويين من الطرح، متابعه الحدوتة التي أراها مسلية للغاية،اما المستوي الثاني فهو يكمن بين ثنايا الحدوته ويتضمن محاولة لمعرفة اسباب الفرقة والتناحر بين ابناء الوطن الواحد،في محاولة للوصول الي اهداف عظيمة تجمع أبناء الأمة بدلاً من أن تفرقنا رغبه كل منا في تحقيق منافعه الخاصة علي حساب مصالح الآخرين،«كف القمر» يسير في اتجاه معاكس لمعظم أفلام خالد يوسف فهو يبدو هنا أكثر تفاؤلاً بالمستقبل،محفزاً علي العمل، مؤكداً أن طريق النجاة يبدأ بوحدة اشقاء الوطن الواحد،ونبذ اسباب الخلافات بينهم. البعد الملحمي كاميرا رمسيس مرزوق مع ديكورات عادل المغربي ومونتاج غادة عز الدين من أهم عناصر تألق الفيلم، موسيقي وغناء أحمد سعد مع اشعار جمال بخيت اضافوا بعداً ملحميا ً للأحداث، أما أداء الممثلين فيبدو وكأن عصاً سحرية تمر علي ابطال خالد يوسف تجعلهم يبدون في حالة من التوهج،وأشعر بالدهشة وأنا اتابع مشاهد غادة عبدالرازق العاشقة المدلهة،التي تكتوي بنار الحب من ناحية،وغلظة أكباد اشقائها الذين زجوا بها إلي أحضان أزواج لاتطيق اقتراب احدهم منها،وكسروا كبرياء انوثتها واذلوها حتي تنسي ارتباطها واحتياجها لقلب رجل أحبته وأحبها،إن مشاهدها القليله في «كف القمر» "أبرك" واكثر قيمه من كل ماقدمته في مسلسلات «الباطنية» و«زهرة وأزواجها» و«سمارة» مجتمعين ! حسن الرداد في دور"بكر" الفتي الصعيدي الغرير،في أهم إطلاله له علي شاشه السينما والتليفزيون،هيثم احمد زكي وأداء متلون يجمع بين التمرد والإستكانة،صبري فواز" جوده"بحر هادر من الموهبة،تظهر ملامحها جليه حتي في مشاهد الصمت، الممثل الاردني ياسر المصري بداية تبشر بالخير في دور شاب يمتلئ بالرجولة والكبرياء يرفض كل اشكال الانحناء والمساومة، يلعب دور الاب والابن ضاحي،جومانة مراد "الدموع في عيون وقحة" امرأة افعوانية تلعب البيضة والحجر، دور جديد قدمته جومانة ببراعه من عاشت عمرها في تلافيف المناطق الشعبية!حورية فرغلي لم تقدم جديدا،خالد صالح الذي يجمع خطايا الدنيا وبراءتها،يوقع اشقاءه في كل مصيبة والتانية، لكنه قادر بعون الله وإمكانيات محامية المراوغ علي إخراجهم منها بطرق ملتوية،إنه الشخصية المحركة للأحداث،يضخ إشعاعات من موهبته علي الجميع، وفاء عامر في دور عمرها،الأم الصعيديه الآمره الناهية التي تحرك ابناها عن بعد،فيعملان حسابا لغضبها ألف مرة،انها عمود الخيمة التي إن مالت ،مال حال الجميع، صلبة ،قوية كالنخل يموت واقفاً! ويكاد يكون الماكياج هو العيب الوحيد الذي خصم من روعه حضور "وفاء عامر" «كف القمر» تكملة لسلسلة أفلام بدأها خالد يوسف مع السيناريسيت ناصر عبد الرحمن "هي فوضي-حين ميسره- دكان شحاته "تتحدث جميعها عن حال المواطن المصري في زمن القهر والفساد،الذي ينخر كالسوس في جسد المجتمع ويهدد بانفجار بركان الثورة،ولكن في «كف القمر» تنتصر روح الثورة علي اليأس ويعود الأمل في غد أفضل ينتظر المواطن المصري،لو استطاع ان يفهم جيداً عبرة التاريخ!