بعد رحيل العلامة الكبير د. وليم سليمان قلادة الرائد في تاسيس ونشر مبدأ المواطنة في سبتمبر 1999 ترددت اقوال كثيرة حول الكتاب الموسوعي الذي كان يجهزه للنشر ولكن القدر لم يمهله لذلك والآن وبعد مرور بنحو 11 عاما علي رحيل المفكر النابغة. قامت مؤسسة المصري لدعم دراسات المواطنة وثقافة الحوار بإصدار الكتاب تحت عنوان "المواطنة المصرية حركة المحكومين نحو المساواة والمشاركة" بجهد يشكر عليه كل من سمير مرقس وسامح فوزي ورامي عطا. أما الكتاب الذي يقع في 445 صفحة من الحجم الكبير فيستحق بالفعل هذه اللهفة والاشتياق والانتظار. اكتساب المواطنة فكرة الكتاب الاساسية كما يعرضها د. سمير مرقس في مقدمة الكتاب تقول إنه يتعرض لمسيرة المواطنة في مصر عبر العصور ملقيا الضوء علي حركة المصريين (المحكومين) ونضالهم من اجل اكتساب المواطنة ومحاولاتهم المتتالية لاختراق حاجز السلطة الذي كان يستأثر به الحكام الوافديين كما يلقي الضوء علي ما انجزته الحركة من الانتقال مما يسميه الكاتب "فقه الحكام" إلي "فقه المواطنة" القاعدة التي بنيت عليها الدولة الحديثة في مصر ولم يزل المصريون من اجل تدعيم وترسيخ دعائمها انه مرجع لاغني عنه حول المواطنة وغير مسبوق في الادبيات العربية. الكتاب يقع في 12 فصلا جاء الفصل الاول تحت عنوان "مبادئ عامة" ويقدم فيه قلادة معاني ومفاهيم مهمة ومنها أن لصفة المواطن أركانا ثلاثة هي : - الانتماء للوطن أو للأرض التي يحيا عليها أعضاء الجماعة . - المشاركة في السلطة وهي المشاركة التي تجري بعد نجاح حركة. المحكومين في اختراق حاجز السلطة وبدء أعمال فقه المواطنة. - المساواة بين هولاء الاعضاء وتبدأ المساواة في اطار فقه الحكام. مساواة في الحرمان من الحقوق ويصير الوعي بها في إطار فقه المحكومين من خلال الحياة المشتركة في السلطة وأعمال مبدأ المواطنة. الحركة الدستورية خارج مصر وتعرض الفصل الثاني للحركة الدستورية خارج مصر وفكرة العقد الاجتماعي ونشأتها حيث يصل الدكتور وليم الي ان لكل حركة دستورية طابعها الخاص بسبب اختلاف ظروف كل بلد عن الآخر من ناحية تكوين الشعب ونوعية الحاجة المطلوبة .والظروف التي يتم فيها طلب المعاونة وكيفية ذلك .وكذلك موقف الرعية وصورة رد فعلها ازاء طلبات الحاكم . ويعرض الدكتور وليم نموذج انجلتراوفرنسا كشكلين مختلفين لمسار الحركة الدستورية فنموذج انجلترا تمضي الحركة في اطار نظام حكم جاء نتيجة حركة موغلة في القدم وتواصل الحركة مسارها لتقويم الانحراف في تطبيق النظام مع تطويره وساهم في الحركة توماس هوبز وجون لوك . أما في فرنسا فحركة المسار وصلت الي طريق مسدود فساد الشعب اقتناع بأنه لامناص من نفي النظام والقضاء عليه برمته وساهم فيها جان جاك روسو . ويتضح من حالة كل من انجلتراوفرنسا أن فكر الفيلسوف لايمكن فهمه إلا إذا صار ربطه بالبيئة الاجتماعية والسياسية التي نشأ فيها مرجعية المصري للانتقال للحالة المدنية وحمل الفصل الثالث عنوان "الصيغة المصرية لحالة الطبيعة" ويقصد الدكتور وليم قلادة ان الحالة الطبيعة هي المرجعية التي ينتقل الانسان منها الي الحالة المدنية السياسية وهي في الوجدان المصري يجد في الدين براءته الاولي وفي ثوابته العليا ومقاصده السامية ومثله النقية يري فيه حالة تحفظ للانسان حريته وكرامته وتضمن حقوقه وتدافع عنها وتكفل المساواة بين البشر. هذه الحالة المرجعية لدي التفكير الشعبي المصري حين يبدأ التفكير في حقوق الانسان وثمة محاور ثلاثة لهذه المرجعية هي الانسان (الجماعة) النظرة الي الارض التي يعيش عليها المصريون منذ بداية تاريخهم. وقدم الكتاب هذه المحاور ومكانتها في المسيحية والإسلام . وحول "فقه الحكام" جاء الفصل الرابع ويقصد المفكر الراحل بفقه الحكام أي الحكم السياسي بدون شوري ويرجع هذا الحكم إلي العصبية وحالة الحرب والنتيجة هي حدوث انفصال بينن الحكام والمحكومين فثمة حاجز افقي يقسم الجماعة الي شريحتين منفصلتين أما التغيير في شريحة الحكام فكان يحدث افقيا اعلي الحاجز عصبية تزيح اخري فتتابعت العصبيات العربية فالفارسية فالتركية فالمملوكية ثم العثمانية ولكن دون تغيير في نظام الحكم المطلق القائم علي استبعاد الشوري. فقه المحكومين وفي الفصل التالي "فقه المحكومين" يؤكد دكتور قلادة ان المصريين لم تكن لهم عصبية تنازع علي الحكم وتستطيع ان تنتزعه من الحاكمين وتعرض الفصل الي الفروق الفردية بين الحكام التي وضعت لحكم مصر ثم المحاولات المبكرة لثورات المحكومين سواء عن طريق الجيش او أحداث الانقسام بين مكونات المحكومين الثائرين ثم قدم الكتاب في فصوله التالية قراءة لاشكال الدول المستقلة التي مرت بها مصر مثل الدولة الطولونية والاخشيدية والفاطمية والأيوبية حيث اشار الي ان قيام الدولتين الطولونية والاخشيدية كانتا ثمرة ثورات وحركات سابقة عليها وذلك في اطار التفتيش عن جذور الحركة الوطنية الدستورية في مناطق قد تبدو غير تقليدية - مجهولة او مهملة - في التاريخ والوجدان المصريين فيتابع الكتاب من منطلقه الفريد البدايات الجنينية و مسارها للنمو الذي تنمو معه قدرات المصريين . ثم قدم الكاتب تحليلا وافيا لحكم المماليك والدولة العثمانية وتعرض لثورتان وقعت في مصر في القرن ال18 ومثلت محاولة من المحكومين لاستخلاص حقوقهم في بلادهم حيث هب في الثورة الاولي مكونات الجماعة اسفل حاجز السلطة العرب الهوراة والفلاحين المسلمين والاقباط بزعامة شيخ العرب همام امير قبيلة الهوراة وينجحون في الاستقلال بالصعيد من المنيا الي الشلال عن سلطة العثمانين والمماليك اما الثورة الثانية فكانت في السلطة نفسها وهي ثورة علي بك الكبير وحول مقومات الكيان المصري كتب الدكتور وليم سليمان قلادة ان هناك مقومات تمثل البيئة الحاضنة لحركة الجماعة المصرية وهي العوامل المادية والمعنوية التي صنعت منذ فجر الزمان وعلي امتداد الكيان المعروف باسم مصر فالمتابع المتأني للتاريخ المصري يجد امامه معطيات طبيعية وبشرية وتنظمية وحضارية مستمرة ومتطورة صارت هي العناصر التكوينية للكيان المصر ي والمقومات يشملها رضا اهل الارض بالحياة المشتركة والمهم هنا ان هذا الرضا يتواصل ويجري دائما اقراره وتدعيمة بالحياة المشتركة والحركة المستمرة . والمقومات لم تنشأ دفعة واحدة بل هي ثمرة تراكم وتتطور استمر أجيال متعاقبة. وتشمل الجغرافيا اي ارض مصر - البشر ( المصريون ) - المشروع المصري - الدولة - الحضارة - التعددية الدينية - التاريخ وفي هذا كله يتمثل التاريخ اي مسار الحركة المصرية في مختلف مجالاتها. فالتراث الديني المصري القبطي والاسلامي يعتبر ارض مصر هي الجنة في الدنيا وكان رفاعة الطهطاوي يقول ان حب الوطن من الايمان والمصريين هم من اشد شعوب الارض تجانسا في الصفات العرقية والمقاسات الجسمية ويؤكد الدكتور قلادة ان ممارسة التعددية اي احترام الآخر وتبادل الرأي معه للوصول للموقف المقبول من الطرفين هذه الممارسة تعني ان للطرفين مرجعية مشتركة هي في المحل الاول احترام العقل ورؤية الامور من خلاله ولذلك فإنه يمكن القول بأن العقلانية هي النتيجة الطبيعة للتعددية الوئمية. الكتاب بالفعل مرجع مهم وجديد في مجاله .وصدوره في هذا التوقيت الذي تتشكل فيه مصر من جديد يعد مساهمة من المفكر الكبير وليم سليمان قلادة في اثراء الفكر الدستوري والمواطنة بعد ثورة 25 يناير.هذا اذا تمت قراءة الكتاب والانصات إلي سطوره . التي تمجد مصر وتعشقها.