خلال عرض فيلم «ليلي» سأل كل من عبد الوهاب وآسيا وبهيجة حافظ وماري كويني نفسه«هي أميرة أحسن مني في إيه؟» سمع طلعت باشا حرب بإصرار عزيزة أمير علي القيام بمغامرة يمكن أن تلتهم أموالها وأموال زوجها، فذهب إليها ينصحها بالعدول عن جنونها والعودة إلي التمثيل في فرقة عكاشة التي يرعاها. لكن عزيزة رفضت وقالت إنها مستعدة لخسارة الجلد والسقط من أجل إخراج أول فيلم مصري. قال لها طلعت باشا: ذنبك علي جنبك. أنا نصحتك بعدم إلقاء نفسك في البحر حتي لا تغرقي. فردت عزيزة: تأكد ياطلعت بك أنني سأعوم. وكانت نتيجة مغامرتها فيلم "ليلي"، ومع دوي القاعة بالتصفيق ليلة عرضه الأول، لم يكتف طلعت حرب بأن يشد علي يدها، إذ لمعت في ذهنه ساعتها فكرة تأسيس "استديو مصر". عشقت الطفلة مفيدة محمد غنيم (التي صارت النجمة عزيزة أمير) وهي تشب إلي التاسعة الخيالة أعجوبة زمانها. راحت تشاهد الفيلم مرة واثنتين وثلاثا. لكن ذلك لم يشف غليلها أو يكف لإشباعها، فذهبت في النهاية إلي مسيو راينسي صاحب سينما إيديال بحي عابدين، وطلبت منه إظهارها في أحد الأفلام، إذ توهمت لسذاجتها أن أصحاب دور السينما هم من يصنعون الأفلام. كاد صاحب السينما أن يموت من الضحك، وراح يشرح للطفلة كيف أن السينما تصنع في أوروبا وأمريكا لا في مصر، الأمر الذي ألهب خيالها. وبالرغم من أن مفيدة لم تحصل علي شهادة دراسية فإنها حصلت علي قسط لا بأس به من الثقافة، إذ نشأت في رحاب محمد محمود خليل باشا، صاحب متحف الفن التشكيلي الشهير، الذي كان "يحبها ويرعاها" بحكم صلات القربي بينه وبين أسرتها، وقد اهتم الرجل بتعليمها، كما صحبها في رحلة مع أسرته إلي أوروبا مما ساعد علي اتساع مداركها وآفاق تفكيرها، وزاد ولعها بالأدب والفن، بعد أن ترددت علي المسارح واستوديوهات السينما. كبرت الفتاة بعض الشيء فهام بحبها واحد من أكبر تجار القطن في مصر وتزوجها. ذهبت يوما في صحبته إلي مسرح رمسيس. بهرتها الأضواء وسحرها التمثيل وتصورت نفسها واقفة مكان روزاليوسف في دور مرجريت جوتيه، وأرمان دوفال (يوسف وهبي) يركع علي ركبتيه أمامها يناجيها بأحلي عبارات الحب والغرام. وفوجئ تاجر القطن الكبير بمفيدة تقول له أنا لا يلزمني ما تقوله من أنك تضع أموالك كلها تحت قدمي. أنا أريد مسرحا كمسرح يوسف وهبي، أو أن تشتري لي مسرح يوسف وهبي نفسه. فظن الرجل، مع كل من يعرفون مفيدة، أنها أصيبت بلوثة عقلية. أتمني أن أسمع منك كلمات الحب وفي صيف عام 1925 قرأت مفيدة في الصحف أن يوسف وهبي يطلب وجوهاً جديدة لفرقة رمسيس، التي كان قد أسسها قبل عامين. فجلست وكتبت ليوسف وهبي: "عزيزي يوسف بك قرأت في الصحف عن ترحيبك بدخول بنات العائلات المسرح، وقد رأيتك تمثل أمام السيدة روزاليوسف غادة الكاميليا، وتمنيت أن أكون أنا الواقفة أمامك، تسمع ما تقول من كلمات حب تشبه شدو البلابل. أنا أهوي التمثيل، ولهذا أرجوك الحضور إلي منزلي لتحكم بنفسك علي مدي صلاحيتي". وفوجئ يوسف وهبي بسائق سيارة أنيق يقف أمامه ويناوله الرسالة التي أرفقت بها العاشقة صورتها. استطاعت مفيدة أن توقع في شباكها، خلال لحظات، البطل المسرحي الذي دوخ أجمل النساء. سألته وهو يجلس قبالتها: ما رأيك هل أصلح للتمثيل؟ فبادرها يوسف: بل تصلحين لكل شيء... . وافق أن يضمها إلي مسرحه رغم أنها رفضت صعود السلم درجة درجة واشترطت أن تقوم بأدوار البطولة. ولما كان اسم مفيدة غنيم لا يصلح لنجمة اختار لها اسم عزيزة أمير. وألف لها خصيصا رواية "الجاه المزيف"، وأطلق علي بطلتها العروس الخجول اسم عزيزة. وتألقت مفيدة في الدور، وذهل النقاد من أن تكون لممثلة ناشئة هذه البداية الكبيرة، فلم يعرفوا أن يوسف وهبي كان يقوم بتدريبها يوميا منذ فترة ليست بالقصيرة. وأحست زوجة يوسف وهبي الأمريكية بقصة الغرام العنيفة التي تدور بين زوجها وبين عزيزة أمير، فاقتحمت غرفة عزيزة في المسرح، وأخرجت مسدسا من حقيبة يدها وصوبته إلي رأس عزيزة وهي تأمرها بالخروج. وخرجت عزيزة مرعوبة فعلا، بعد أن عملت مع يوسف وهبي موسماً واحداً. انتقلت عزيزة أمير إلي فرقة "شركة ترقية التمثيل العربي"، حيث شاركت في تمثيل مسرحيات "ليون الإفريقي، إحسان بك، المجاهدون، فرانسيسكو، الشرف الياباني"، ثم ذهبت إلي فرقة نجيب الريحاني ومثلت مسرحية "الآنسة بطاطا" قبل أن تعود إلي فرقة رمسيس، بعد أن طلق يوسف وهبي زوجته. وقد قامت ببطولة مسرحية "أولاد الذوات" التي تحولت إلي فيلم سينمائي بإيحاء منها، وكانت مرشحة لبطولته، إلا أن الدور ذهب- نتيجة بعض الملابسات الإنتاجية- إلي الفنانة أمينة رزق. هوس الاشتغال بالسينما أعاد النجاح في التمثيل لعزيزة هوس الاشتغال بالسينما، فسافرت إلي باريس، حيث صحبها قليني فهمي باشا إلي شركة سينمائية فرنسية. رحب بها المدير، وأجروا لها عدة تجارب أمام الكاميرا، وهنأوها علي الصور الفوتوجينيك، وحدد المدير اليوم التالي موعدا لتوقيع عقد فيلم تقوم ببطولته. تصوروا في الشركة أن قليني فهمي سيشارك في تمويل الفيلم، فلما أخبرهم الباشا أنه مجرد مشجع شفهي، عدلوا عن التعاقد مع عزيزة أمير، فعادت تجر أذيال الفشل إلي مصر. شاهد أحمد بك الشريعي عمدة سمالوط عزيزة وهي تمثل علي مسرح رمسيس، وأرسل بمن يبلغها رغبته في الزواج منها. وحين طلبت مهلة للتفكير أعطاها 24 ساعة ترد قبل انقضائها. وافقت فاستدعي المأذون علي الفور وعقد القران. ثارت أسرة الشريعي علي زواج ابنها بممثلة. وشاع أن بعض شباب الصعيد أقسموا أن يقتلوها تطهيرا لشرف الصعيد، مما لوثه من عار. فلزمت عزيزة بيتها ومرضت، وأراد زوجها تسليتها فاشتري لها آلة عرض 16 ميلليمترا لمشاهدة ما تريد من أفلام، لكنها طلبت منه آلة تصوير سينمائي صغيرة لتصور أفلاماً عائلية علي طريقة الهواة، ومن ثم يشاهدونها علي شاشة العرض في البيت. ألفت عزيزة أمير رواية عن قصتها مع أحمد الشريعي، ودعت صديقاتها زينب صدقي وأمينة رزق وأمينة محمد و... لتمثيل الفيلم، ولم يفتها أن تكتب في مقدمته تصوير وإخراج عزيزة أمير. حمضت الفيلم (مدته خمس دقائق) في شركة كوداك بالقاهرة، وعرضته لأصدقائها خلال سهرة في بيتها، بينما غرق الجميع في الضحك لما شاهدوه فيه من مساخر وأعاجيب. ليلي أول أفلام السينما المصرية فكرت عزيزة أن تعود إلي التمثيل في المسرح، وعارض زوجها. ولما فشلت محاولته إقناعها بأن ذلك حماية لها من القتل فوق خشبته، استرضاها وراح يغريها واعدا بمساعدتها في إخراج فيلم كبير. كانت قد سمعت بوجود المخرج التركي وداد عرفي في القاهرة، فلم تكذب خبرا. استدعته في بدايات 1926 واتفقت معه علي إخراج فيلم "نداء الله". وخلال العمل لاحظت أن المخرج يطيل ويعيد ويسوف ويؤجل. كان العقد ينطوي علي بنود غريبة، مثل أن تتعهد عزيزة بتقديم ثلاث وجبات طعام وثلاث علب سجائر ديمترينو وست زجاجات بيرة الأهرام للمخرج كل يوم، طوال فترة العمل في الفيلم. ومن هنا أدركت عزيزة أنه لا يود إنهاء الفيلم. هددته بإلغاء التعاقد فلم يجد أمامه إلا إتمام الفيلم، وعرض في حفل خاص فكانت فضيحة كبيرة. لم تيأس عزيزة وقررت تكرار المحاولة من جديد. وسمع طلعت باشا حرب بإصرارها علي مغامرة يمكن أن تلتهم أموالها وأموال زوجها، فذهب إليها ينصحها بالعدول عن جنونها والعودة إلي التمثيل في فرقة عكاشة التي يرعاها. لكن عزيزة رفضت وقالت إنها مستعدة أن تخسر الجلد والسقط من أجل إخراج أول فيلم مصري. قال لها طلعت باشا ذنبك علي جنبك. أنا نصحتك بعدم إلقاء نفسك في البحر حتي لا تغرقي. فردت عزيزة تأكد يا طلعت بك أنني سأعوم. استعانت عزيزة بإستفان روستي الذي كان قد أخرج لها قبلا عدة مشاهد. وبذلا معا محاولات مضنية، حتي حولا عمل وداد عرفي المهلهل إلي فيلم حقيقي، أطلقت عليه عزيزة اسم "ليلي". كان وداد عرفي قد أخرج الفيلم في فصلين، وقام فيه بدور البطولة أمام عزيزة، فأعيد إخراجه في خمسة فصول، بعد حذف دوره، وإسناده الي أحمد علام ليصبح أول فتي أول في تاريخ السينما المصرية. أما الإخراج فقد أكمله إستفان روستي بالاشتراك مع أحمد جلال وحسين فوزي ومصور إيطالي. وقصة الفيلم تدور حول وقوع الفتاة الريفية ليلي في حب الشاب البدوي أحمد الذي يعمل دليلاً سياحياً، لكنه يقع في حب سائحة أمريكية ويرحل معها إلي الخارج، ويخلف في قلب ليلي جرحاً عميقاً. ويتخلل الفيلم أحداثاً ميلودرامية كثيرة، حيث يحبها قروي لا تجاوبه الحب، ويحاول مالك الأرض الاعتداء عليها فلا تمكنه من ذلك وتهرب من القرية إلي المدينة و... . وقد اشترك بالتمثيل في "ليلي"، مع عزيزة أمير وأحمد علام عمر وصفي، أحمد جلال، حسين فوزي، ماري منصور، والراقصة بمبة كشر (قدمت عدة رقصات) التي كانت تربطها صلات قربي مع عزيزة أمير. وشارك في التصوير المصري الهاوي حسن الهلباوي. واستأجرت عزيزة سينما متروبول، وكان في مقدمة الحاضرين ليلة العرض الأول رائد الاقتصاد المصري طلعت حرب وأمير الشعراء أحمد شوقي والموسيقار الشاب محمد عبدالوهاب، بالإضافة إلي رجال الصحافة والأدب والفن. وبعد انتهاء العرض، ومع دوي القاعة بالتصفيق، راح الجميع يزجون التهاني لأميرة ويمتدحونها، وكان في طليعتهم طلعت حرب الذي شد علي يدها متعجلا: "ألف مبروك"، ولم يكن حاضر الذهن تماما وهو يرد علي السؤال الذي وجهته إليه، وكأنها تواصل حوارا لم ينقطع بينهما: "مارأيك فيما فعلت.. هل عمت أم غرقت ياطلعت باشا"، فقد كان في غاية الانشغال بفكرة أخذت بالاختمار في رأسه ساعتها، هي تأسيس "استديو مصر". وطوال عرض الفيلم كانت آسيا وبهيجة حافظ وماري كويني وشريفة وهبي، مع طابور طويل من النساء، يفكرن في إنتاج أفلام مثل "ليلي". وكان الفنان التركي المغامر وداد عرفي جاهزا، وكان له الفضل في إقناع عدد من الفنانات مثل فاطمة رشدي وآسيا بالنزول الي ميدان الإنتاج فعلا. ورغم أن الشاب محمد عبدالوهاب لم يسأل نفسه مثل بعضهن: "هي أميرة أحسن مني في إيه؟" فقد غرق هو الآخر بالتفكير في ارتياد عالم الخيالة، ولم يمض وقت طويل حتي سأل محمد كريم البحث عن رواية تصلح لأن يشارك فيها.