موعد مباراة النصر ضد الأخدود في دوري روشن السعودي والقناة الناقلة    «بعبع» تسريب امتحانات الثانوية العامة.. هل يتكرر في 2025؟| ننشر خطة «التعليم» كاملة    عاجل.. الأرصاد تحذر من موجة حارة جديدة في هذا الموعد    أحمد زايد: تطوير الأداء في مكتبة الإسكندرية لمواكبة تحديات الذكاء الاصطناعى    868 ألف جنيه إيرادات سيكو سيكو أمس الأحد بشباك التذاكر    ب9 عروض مجانية.. «ثقافة الشرقية» تستضيف المهرجان الإقليمي الختامي لشرائح المسرح    الأربعاء.. «أوقاف المنيا» تحدد موعد اختبارات المسابقة العالمية ال32 للقرآن الكريم    "تطوير التعليم" يبحث مع معهد بحوث الإلكترونيات إنشاء حاضنات لدعم ريادة الأعمال    ألمانيا: ينبغي استئناف إدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة على الفور    توافق على تسهيل دخول اللبنانيين إلى الكويت وعودة الكويتيين للبنان    مستشار أوكراني: روسيا لا ترغب في السلام وتواصل هجماتها    برلماني يطالب بقانون جديد لمزاولة مهنة الصيدلية    كرة اليد، موعد مباراة الأهلي وبطل تونس في نصف نهائي السوبر الأفريقي للسيدات    "مبابي و24 آخرين".. الكشف عن خطة ريال مدريد للموسم المقبل    سيناريو وحيد يضمن تتويج الاتحاد بالدوري السعودي اليوم    حسام المندوه يكشف تفاصيل الوعكة الصحية لحسين لبيب    وظائف خالية اليوم.. برواتب تصل إلى 6500 ريال فرصة عمل لعمال مصريين بالسعودية    في اليوم العالمي للتمريض.. من هي فلورنس نايتنجيل؟    إصابة عاملين سقطت بهما سقالة خشبية من الطابق الثالث بطنطا    سقوط المتهم بالنصب على راغبي السفر ب«عقود وهمية»    مصرع طالب ثانوي غرقًا في نهر النيل بقنا    ضبط تجار مخدرات وأسلحة نارية في حملات أمنية موسعة بأسوان ودمياط    الرقابة المالية تقرر مد فترة تقديم القوائم المالية «المنتهية في مارس»    مدبولي يتابع جهود تحويل السيارات للعمل بالغاز ويؤكد استمرار التوسع في التحول الرقمي    «الوزير»: جذب مستثمرين لشراكات مع مصانع بقطاع الأعمال    قصف مدفعي عنيف شرق غزة.. والأمم المتحدة تحذر من مجاعة وشيكة في القطاع    «السويس تاريخها العمراني وتراثها المعماري».. أحدث إصدارات هيئة الكتاب    تداول 14 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    ورشة لتدريب مثقفي القاهرة والجيزة على التوعية بمرض «الثلاسيميا»    هيئة التأمين الصحي بأسوان تطلق حملة «تأمين شامل .. لجيل آمن»    الصحة: فريق الحوكمة يتفقد عددا من المنشآت الصحية بجنوب سيناء ويتخذ إجراءات فورية    للمشاركة في دورة دولية.. بعثة منتخب 16 سنة تغادر إلى بولندا    هدية "القصر الطائر" من قطر لترامب تثير جدلًا دستوريًا في أمريكا    عاجل- رئيس الوزراء يتابع ملفات الاتصالات.. ومبادرة "الرواد الرقميون" في صدارة المشهد    وزير العمل يعلن فرص عمل بالمقاولات فى السعودية بمرتبات تصل ل6500 ريال شهريا    إعلان الجوائز.. ختام مهرجان الفنون المسرحية لطلاب جامعة الإسكندرية- صور    سهير رمزي: بوسي شلبي جالها عرسان ورفضت بسبب محمود عبدالعزيز    هل يجوز للحامل والمرضع أداء فريضة الحج؟    جامعة المنيا: الكشف على 570 مواطنًا بالقافلة المتكاملة فى قرية بني خيار    محافظ أسيوط: توفير 706 فرصة عمل لشباب الخريجين بمراكز المحافظة    سوريون يضرمون النار بمواد غذائية وزعتها قوات إسرائيلية    لماذا يرتدي الحجاج "إزار ورداء" ولا يلبسون المخيط؟.. د. أحمد الرخ يجيب    وزير الإسكان: تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع «جنة» للفائزين بمدينة القاهرة الجديدة    براتب يصل ل 500 دينار.. 45 فرصة عمل بالأردن في شركات زراعية وغذائية وصناعات خشبية (قدم الآن)    غرق شقيقان أثناء لهوهما في قناية صرف زراعي بوادي النطرون    النواب يحيل 33 تقريرا إلى الحكومة لتنفيذ توصياتها    ما حكم الأضحية إذا تبين حملها؟.. الأزهر يوضح    تعويض 2000 جنيه.. البترول تعلن خلال ساعات آلية تقديم أوراق المتضررين من البنزين.. فيديو    إصابة 4 أشخاص بطلقات نارية في مشاجرة بدار السلام بسوهاج    أكبر صندوق سيادي بالعالم يسحب استثماراته من شركة إسرائيلية بسبب المستوطنات    البنك الأهلي يرغب في ضم كريم نيدفيد    الرعاية الصحية: لدينا 13 ألف كادر تمريضي بمحافظات التأمين الصحي الشامل    رئيس «دي إتش إل» يتوقع استفادة من التوترات التجارية بين واشنطن وبكين    رئيس جامعة حلوان يشهد افتتاح فعاليات المهرجان الأول لتحالف جامعات إقليم القاهرة الكبري    ما شروط وجوب الحج؟.. مركز الأزهر للفتوى يوضح    المجلس الوطني الفلسطيني: قرار الاحتلال استئناف تسوية الأراضي في الضفة يرسخ الاستعمار    عاد إلى إفريقيا.. الوداد يحسم مشاركته في الكونفدرالية بفوز في الجولة الأخيرة    3 أبراج «مكفيين نفسهم».. منظمون يجيدون التخطيط و«بيصرفوا بعقل»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأقباط ومشهد الحضور الوطني
نشر في القاهرة يوم 15 - 11 - 2011


تحرص الكنيسة الأرثوذكسية علي الحفاظ علي تقاليد الآباء، والتذكير باستمرار بالأحداث التاريخية وبشكل خاص بالأيام الدينية البارزة بشكل عام، وسير الشهداء والقديسيين بشكل خاص.. وكان نصيب مصر هو الأوفر تاريخياً من حيث اضطهاد واستشهاد الكثير من الأقباط من أجل إيمانهم، الأمر الذي دعي المؤرخة الإنجليزية مدام بوتشر في كتابها "الأمة القبطية" أن تقول " إننا نعلم أن عجائب الدنيا سبع، ولكنه توجد عجيبة ثامنة لا يعرفها العالم ألا وهي بقاء الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر حتي يومنا هذا، رغم موجات الاضطهاد والاستشهاد التي اجتاحت أقباط مصر علي مر الزمن". الشهيد مرقس الرسول والكنيسة القبطية الأرثوذكسية لقد تأسست الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بمصر علي يد القديس العظيم مار مرقس الرسول والإنجيلي. وهو كاتب الإنجيل الثاني من الأناجيل الأربعة في العهد الجديد (الإنجيل المعروف باسمه )، وهو رسول من القرن الأول الميلادي. يحكي المتنيح الأنبا صموئيل أسقف الخدمات الذي استشهد يوم أن قتل السادات، قال: "جلسنا مع الوفود الأجنبية وصار ممثلوها يحكون تاريخ كنائسهم. فقال أحدهم كنيستي تعود إلي 50 سنة ومؤسسها فلان الفلاني، وقال آخر إن كنيستي أقدم من كنيستك فقد تأسست منذ 100سنة، وقال آخر أما أنا فكنيستي لها400 سنة منذ أيام مارتن لوثر. يقول: كنت صامتاً أثناء هذه المباراة، فسألني أحدهم: "وأنتم منذ متي تأسست كنيستكم؟" فقلت: "حقيقة أن كنيستنا تعود إلي 20 قرناً مضت" فعلق السائل قائلا: "أنا لا أسأل عن الفراعنة". فأجاب الأنبا صموئيل: "نحن من القرن الأول الميلادي حينما جاء القديس مرقس كاتب إنجيل مرقس وبشر المصريين فآمنوا بالمسيح،وكلمة "أرثوذكسية" تعني المستقيمة الرأي.. وقد استشهد مرقس الرسول في الإسكندرية سنة 68 م، إذ ربطوا قدميه في ذيل حصان، وانطلق الحصان يعدو في شوارع الإسكندرية، وكانت رأس مارمرقس وكل جسده يصطدم بالحجارة، حتي نال إكليل الشهادة وقد روي أرض مصر بدمائه. ولعل القراءات اليومية لصفحات السنكسار في بدايات أداء طقوس صلوات القداس ما يشير إلي ذلك، و" السنكسار" هو كتاب يحوي سير الآباء القديسين و الشهداء (السنكسارات)، وتذكارات الأعياد، وأيام الصوم، مرتبة حسب أيام السنة.. وهو يستخدم التقويم القبطي، تراث تاريخي وديني ووطني رائع ومجيد يتم التذكير به بشكل دائم، فإذا أضفنا الحفاظ علي اللغة القبطية واستمرار الصلاة بحروفها في معظم الصلوات الكنسية، والإصرار علي نغمات وترانيم كنسية تراثية بديعة، وعلي حوائطها ومن أسقفها تتدلي اللوحات والأيقونات التي تُحاكي تراثاً ممتداً والبعض منها له بالفعل قيمة أثرية لانتمائها التاريخي لعصور تاريخية قديمة.. وفي النهاية نحن أمام مواطن مسيحي تم استقطابه لصالح التاريخ الكلاسيكي التقليدي الروحي المدعم بالفكر الآبائي «السلفي»، ويدعم تلك الحالة رسائل متشددة صادرة بشكل دوري، وبإلحاح من قبل رموز الكنيسة علي التشديد علي حروف النص، وتعاليم الآباء، ولعل مشاكل الأسرة المسيحية، وقصور أداء الإدارة الكنسية في تفكيك أزماتها في الفترة الأخيرة، ما يؤكد علي التأثير السلبي لذلك الالتزام التقليدي دون قراءة أكثر شمولا لواقع الناس وهمومهم.. قصدت بتلك المقدمة الطويلة نسبياً، وضع القارئ الكريم في الحالة التي عاشها ومازال المواطن المسيحي داخل كنيسته، وما مثل ذلك من حالة ارتباط روحي وعقائدي ذهبت به إلي حالة داعمة لحجب جموع الشباب عن الانخراط في الحياة العامة، والمشاركة السياسية، والعمل المجتمعي بشكل عام.. المواطن المسيحي بين تعاليم الكنيسة وتغييبهم من مشهد الحضورالوطني يعيش المواطن المسيحي علي قناعة بأنه مواطن " مشروع شهيد "، هكذا تحدثه المراجع الكنسية ويوميات السنكسار، وسير القديسين، وتاريخ عصور الشهداء.. ثم هو مواطن تم التأكيد علي مناطق شحنه بالإحباط والهزيمة، وأنه المواطن الأقل شأناً في وطنه حيث تُمارس ضده كل ألوان التمييز الحكومي، حتي بات أمر حصوله علي حقه في بناء دور العبادة أمراً يستحق الخوض في معارك لانهائية، وحلم حصوله علي مراكز قيادية أمر مستحيل ينبغي أن تضاف إلي قائمة المستحيلات الشهيرة !! ونتيجة لكل تلك الظروف ساهمت الكنيسة والمجتمع في غياب وتغييب الشخصية القبطية عن مواقع المشاركة السياسية، غيبته بالتأثير الكنسي التاريخي، ونظم الإدارة الكنسية التي تنافق السلطة، وتسعي إلي إرضاء السلاطين.. وكان تغييب الأحزاب بمختلف توجهاتها للمواطن القبطي بدعوي أن ترشيحه لتمثيل الأحزاب مقامرة خاسرة، ولا ينبغي التضحية بدوائر بدعوي التأكيد علي مظاهر الوحدة الوطنية.. وكان علي المواطن القبطي الذي يرغب في ممارسة العمل السياسي أن ينتظر الهبة السلطانية، في أمر ورود اسمه في قائمة المعينين في مجلسي الشعب والشوري، رغم ما تحمله فكرة التعيين السلطانية من مهانة حيث من العجيب أن يختار السلطان من يراه يصلح نائباً عن الشعب، بقرار يتخذه الحاكم بالنيابة عن الشعب، فيكون أمر ولاؤه للحاكم الذي منحه الكرسي، وليس للشعب تحت قبة البرلمان !!!! المواطن المسيحي والزمن المباركي وحول ظروف وأحوال المواطن المسيحي في عصر مبارك، كان قد صدر كتاب " مصر علي حافة ثورة " للكاتب البريطاني والمحلل السياسي جون برادلي يذكر فيه المؤلف أن نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك كان يغذي الفتنة بين المسلمين والأقباط، مشيراً إلي أن الطرفين كانا يعيشان في سلام لولا سماح النظام بنشر الفكر المتطرف. وأكد برادلي أنه كان علي يقين بأن الشعب لن يقبل هذه الحالة من الفساد وتردي العلاقات الإنسانية بين الناس، وعن وضع الأقباط في مصر قبل وبعد الثورة، قال برادلي إنه لم يكن هناك عداء بين المسلمين والأقباط قبل الثورة، حتي لو افترضنا أن الأقباط يخشون من وصول الإخوان إلي الحكم، وما حدث بين الطرفين من محاولات لإثارة الفتن، كان بسبب السماح لنشر الفكر المتطرف، ولذلك يمكننا القول إن نظام مبارك هو الذي غذي تلك الفتنة لأنه سمح بانتشار مثل تلك الأفكار. وفي الوقت الذي بدأت فيه عناصر من الثورة المضادة الترويج لفكرة أن الأقباط كانوا أفضل وضعا في ظل النظام السابق، مستغلة أحداث قرية صول ومنشية ناصر يصدر كتاب "مبارك والأقباط.. أيام الدماء والرجاء" للكاتب الصحفي روبير الفارس لينفي تماما هذه الفكرة الخبيثة ويمحوها من أساسها. و الكتاب ينقسم الي أربعة فصول، يدور الأول منها حول استبشار الكنيسة والأقباط خيرا بتولي الرئيس مبارك حكم مصر بعد اغتيال الرئيس السادات، حيث ظهر ذلك بوضوح في تعليقات البابا شنودة الثالث، ثم يناقش الكاتب الفكرة التي ترددت حول شخصية الرئيس مبارك وهل حقا كان متسامحا، وكيف أن الواقع الفعلي كان يخالف هذه المقولة من خلال إهمال النظام لقانون دور العبادة الموحد وهموم الأقباط المتراكمة من عقود متتالية، ويثبت الفصل الثاني الذي جاء تحت عنوان تركة السادات تمدد أخطبوط الطائفية في عصر مبارك ويضع خطا تحت حقيقة تم تجاهلها عمدا وهي ترك مبارك للبابا شنودة نحو أربع سنوات تحت التحفظ بدير الأنبا بيشوي، حيث لم يفرج عنه إلا في يناير 1985، ويؤكد الكاتب علي ظهور نوع جديد من الإرهاب الأمني للأقباط في عصر مبارك ظهر بوضوح في نشر القصة الفاضحة للراهب المشلوح في جريدة النبأ، وإلغاء الأمن جلسات النصح والإرشاد المتفق عليها أثناء أزمة وفاء قسطنطين وإصدار بطاقة رقم قومي لماكس ميشيل باسم البطريرك مكسيموس، وتسهيل إنشاء الكنائس التابعة لها لضرب الكنيسة الأرثوذكسية، وأفرد الكاتب الفصل الثالث لإحصاء الدم القبطي المراق في عهد مبارك والفتن الطائفية بدءا من حادثة كنيسة الأقباط الكاثوليك عام 1989 مرورا بمذابح ديروط وصنبو والكشح ونجع حمادي، وصولا لحادثة كنيسة القديسين بالإسكندرية.وتضمن الفصل الرابع عددا من المقالات التي تناولت حال الأقباط في ظل النظام السابق.. الكنيسة والعمل السياسي وخلط الأوراق وكتبت وكتب غيري حول غرابة تصريحات القيادات الكنسية في العديد من المناسبات والمحافل المؤكدة علي مساندة ودعم نظام مبارك من منطلق شراء الرضاء السلطاني، حتي يرضي بالكنيسة والبابا الممثل الشرعي والوحيد لأقباط مصر، وكأن المواطن المصري المسيحي فُرض عليه بالإضافة للقهر السلطاني، أن يرضي بقمع الكنيسة التي سبق وغيبته في أمر تقرير مصيره وشكل حياته الاجتماعية، ولم تشركه عند وضع قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين، في إهمال رذيل لحقوقه التي ما كان ينبغي أن يسلبها منه سلاطين الرهبنة، وهم الذين لم يعرفوا الزواج، ولا الشأن الأسري، ولا أمر العلاقات الحميمة علي فراش الزوجية.. بفزاعات التيارات الإسلامية ، ظل سلاطين الحكم قبل اندلاع ثورة يناير يؤكدون أنهم وحدهم من يحمون الأقباط ومصالحهم، وهو ما بات محل ريبة تصل أحياناً إلي حد اليقين، عقب ما كشفت عنه وثائق تم الإفصاح عنها من مباحث أمن الدولة تشي بتورط وزارة الداخلية المصرية في عملية تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية.. الكنيسة وشبابها وثورة يناير لقد عانت الكنيسة حالة توهان ودهشة عقب نجاح ثورة يناير في 18 يوماً فقط في تحقيق انهيارأسس النظام السابق، والإطاحة برموزه إلي غياب السجون في انتظار محاكمات عادلة لم يكفلها هذا النظام الديكتاتوري لمعارضيه.. ومعاناة الكنيسة تعود لعدة أسباب، أولها تسرعها في توجيه تعليماتها لأبناء الكنيسة بعدم المشاركة في الفعاليات الأولي لثورة يناير، والتي خالفها بوطنية معهودة المواطن المصري المسيحي، لأنهم لم يروا فيه أمراً روحياً ينبغي طاعته، وهو الأمر الذي دأبت عليه الإدارة الكنسية في الفترة الأخيرة في خلط الشأن الروحي بالوطني والسياسي.. الأمر الثاني الذي أربك الإدارة الكنسية، هو ضرورة الإسراع في وضع ملامح جديدة لتوجهات الكنيسة، وبناء مواقف منطقية تجاه ما يحدث في ميادين التحرير،وإعلان تخليها عن تبني قرارات سياسية لا ينبغي أن تخرج عن مؤسسات دينية.. الأمر الثالث، هذه الحالة الثورية التي بات عليها شباب الكنيسة، فكان عليها إعلان موقفها السياسي «وهو ما اعتادت عليه في النظم السلطانية الغاشمة رغم أنه ليس من بين أدوارها» من المعتصمين في ماسبيرو غضباً علي حرق الكنائس وقطع الأذن وقتل أرواح بريئة أمام دور عبادتهم، وفي الوقت ذاته مواجهة من يعترضون علي ظلم الأحكام الكنسية بشأن الأحوال الشخصية علي باب المجلس الإكليريكي، وعليه كانت حالة الارتباك التي دعتها للمطالبة بفض الاعتصام، والتي تم مواجهتها بعدم الانصياع من جانب المعتصمين لتلك المطالب، ومواجهة أصحاب المظالم الأسرية بإطلاق الكلاب عليهم، وفي مرة ثانية بطردهم من الكاتدرائية بالقوة !! حلم عودة الزمن الليبرالي ولعل هذه المشاركة القبطية بعيدة عن حضن السلطة الأبوية، تعود بنا إلي زمن ما قبل ثورة يوليو 1952، منذ بدايات القرن العشرين، وما كانت تشهده تلك الفترة من ممارسات ليبرالية، فكان للأقباط وجوداً سياسياً واجتماعياً كمواطنين مصريين يتمتعون بحقوق المواطنة، وكان ظهور مجموعة هائلة من الرموز المسيحية في أروقة النشاط السياسي، وفي أوساط التعليم والقضاء والفن والأدب والفكرأمراً ظاهراً.. لقد كانت ثورة 19 ثورة شعب واحد ولم يخرج من يقول هوية الدولة شكلها إيه لانها كانت هوية مصرية خالصة.. عندما شكل سعد وزارة قال له الملك : عدد الأقباط في الحكومة الجديدة أكبر مما جري عليه العرف قال سعد: لقد كان الأقباط شركاء المنفي وأحكام الاعدام دون نسبة معينة وأصر علي رأيه فرضخ له الملك إنني أري أن علي الأقباط رفض الوصاية عليهم، بدعوي الرعاية الأبوية، أو عبر تخويفهم بتيارات متطرفة ينبغي أن تكون هناك قوي فوقية لحمايتهم من بطشها بهم ! أخيراً فإن الفرصة سانحة الآن أمام الأقباط لأن يعودوا للمشاركة السياسية والاجتماعية، وفق منطلقات وطنية ، بعيداً عن طائفية التفكير والتوجه، عليهم الانخراط في كل مناحي النشاط المجتمعي، والتي أتاحتها ثورة يناير العبقرية، بعيداً عن معلقات البكاء والنحيب والشكوي من الظلم الواقع عليهم.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.