الخطأ الذي تقع فيه أغلبية من يجمعهم هم السينما، هو تصورهم بما يمكن أن نسميه «الثوابت». فلسفة التعبير البصري - السمعي مازالت "ثابتة" منذ اكتمال قواعد لغة السينما - وأقول السينما فقط - في العشرينات: اكتشاف الايقاع لدي سينمائيي الطليعة الفرنسية، أمثال جيرمين ديلاك ، ولوي رد لوك وابيل جاني ورنيه كلير، إلخ ... ثم اكتشاف "ديالاتيكية" تكوين المشهد لدي ايزنشن، وتقسيمه الي مجال وعكس مجال، وكيفية كتابة الجملة السينمائية، ثم اكتشاف التباين الحاد «كونتراست) في التناقض بين أفكار هيجل وماركس ونيتشه واقع يعد البلاد للحرب، وهو ما أدي الي ظهور التعبيرية الألمانية أما في فترات الرخاء، فالسينما تقود الي الواقعية - الشاعري «رنوار الفرنسي - سيستروم السويدي ) وعندما تنتهي الحرب، تنعكس رواسب الدمار في كل شرائح المجتمع، فإذا بالسينمائيين ينزلون الي الشارع وأبطالهم هم من ساهموا في بناء الجبهة الشعبية وشاركوا في حركة المقاومة الشعبية : روسليني، دي سيكا فيسكونتي كايرينو، لقد انتقوا أبطال افلامهم من الشارع ومن أزقة روما أما مايناني مثلا، لم تكن ممثلة ولم يخطر ببالها أنها ستصبح نجمة السينما الايطالية الأولي بل كانت عاملة بسيطة تقوم بتوزيع المنشورات السياسية، منشورات المقاومة السرية في شتي شوارع وحواري روما حركات فنية لكنك لو نظرت الي هذه الحركات الفنية التي ولدت لتجيب عن أسئلة حائرة في وجدان الجماهير، ستجدها الأفلام التي حققت اعلي ايرادات لماذا ؟ لان السينما هي تكبير تفاصيل حياتنا اليومية وما لا ننتبه اليه ونحن تحت وطأة ظروف العمل أو الضغوط النفسية stresss، أو الاحساس بالظلم، تحت وطأة هذه العوامل تسلبنا همومنا عمق النظرة الي مكونات بيئتنا، وهنا يجيء دور السينما: إنها تدفعنا الي النظر الي "تدقيق النظر" الي اتخاذ موقف ما أو الدوافع في مآرب النفس إلي تجاوز أوضاعنا . في كل تلك الحركات التي هي نمو السينما من المراهقة الي عنفوان الشباب الي رزانة سن الرشد، هي ايضا ثمرة تطور في " الآلة " التي نستخدمها.. كأداة تعبير.. فلكي يحيط شخص ما بمكان، لكي تدور جماعة بحثا عن مفقودين ، لكي تتقبل موقعها وسط "موقف"هي حتما جزء منه لكنها لا تدري انها أحد عناصر هذا الموقف وانها شريكة فيما يحدث هنا السينما تجيب دائما عن سؤال يتطور مع تطور اتساع وسائل التعبير لم لا تتخذ الكاميرا وجهة نظر من يبحثون، من يدورون حول مكان من يتعذبون في موقع ما لاكتشاف المجهول، هنا لا بد من اليات جديدة وضع السينما علي عربة تتراجع بينما الشخصيات تتقدم نحونا، او العكس. وهو ما ادي الي ظهور اليات: "الترافلينج" « خلفي -امامي- دائري) . هجوم جيش علي مدينة ما، كيف نصوره الزاوية هي اعلي مكان والحركة تنتقل من زاوية عليا الي زاوية عليا تليها، ولهذا اخترعت اليات الرافعة «الكرين) لست بصدد سرد مدرسي، طوال حياتي أمقته، وإنما اود ان انبه الي ان كل ما يدرس في معاهدنا وجامعتنا من مواد الاخراج والتصوير والمونتاج لم يعد له وجود حاليا، انتهي تماما في أي مكان تنبثق فيه تيارات سينما جديدة معاصرة لم تعد السينما أسيرة الكادر القائم علي نظريات المنظور الفلورانسي «ديللا بورتا - دافنشي الخ...) والذي يثبت العين علي منتصف الأنف البادي أمامها ثم يبدأ بتدرج المرئيات لتقصر وتقتصر حتي تصل إلي نقطة التلاشي. السينما تحررت من هذا المنظور، وبالتالي لم تعد قائمة علي اساس ان الارتفاع ثلاثة ارباع القاعدة، فلم تعد القاعدة خطا مستقيما بل هي جزيء من محيط دائرة،وتثبت هذا الجزيء يطابق نظرة شخصية ما، لكن ما ان تدور الشخصية بعينها، حولها حتي تنسحب الي نقطة تالية في محيط دائرة المنظور حلزوني . وكذلك الاضاءة وكذلك توجية الممثل . ومن ظهور الشاشات البلازما العريضة وأيضا الكاميرا "اللولبية " حركتها : كانون الجدية «وريد وان داري» استعراض عضلات أنا لا استعرض عضلات، وانما أشعر بالأسي اشعر بالأسي لتجمد مفهوم الاخراج والتصوير في قواعد لغة كانت "طفولة " السينما يأتي بعد ذلك سؤال اخر " من له حق الظهور علي الشاشة "؟ سؤال جوهري . لانه يحدد شريحة اجتماعية، تريد ان تري جنودها يهزمون الاعداء، وتستعرض عضلات قوات الامن القوي، وتركز علي الجندي، خاصة الجندي الامريكي الذي لا يقهر « كهبوط النسر الاسود الامريكي علي الشعب الصومالي فريسة المجاعة والضياع، كقلعة النسور، النسور بينما بغداد تتعرض لوابل من الغارات القاتلةالخ ... شريحة اخري : الغادة الفاتنة التي تظهر، في منطقة رسم الشخصيات الدرامية كمركز للصراع بين بطلين: واحد يريد ان يهزم الآخر ليفوز بها . أما الشعب فالموتي يبعثون والاشباح تظهر والقوي الخارقة تقوم بعمل القاتل، كلها توحي لابناء الشعب : اي انتفاضة، اي وعي بعدم المساواة في الدخول والكفارات، هو تمرد علي ارادة القدر، وها هو القدر يرسل زبائن جهنم ليقضي علي ابناء الشعوب . صورة معاصرة علميا هذا ما نسميه: "علم صياغة الموضوع الدرامي السينمائي thema tique تمثل كل هذه الطفرات في الموضوع في الرؤية السياسية الاجتماعية - النفسية، في التمرس علي استخدام تكنولوجيا الصورة المعاصرة للنفاذ إلي مكونات البنية ووضع الفرد في قلب كل هذا ضروري لنصل الي أعمق ولكن "ابسط" وسيلة تعبير جماهيرية . يبقي ما يمكن أن نسميه : «التعبئة العامة للسينمائيين» بدأت بوادرها عام 1976 عندما وضعنا نحن سينمائي البلاد العربية - الافريقية، بمناسبة افقاد دورة مهرجان قرطاج بتونس، اقول عندما وضعنا استراتيجية قوامها تكوين : اتحاد السينمائيين الافارقة اتحاد السينمائيين العرب اتحاد النقاد العرب ثم كانت عاصفة الانفتاح التي اقتلعت قلاع الثقافة العربية - الافريقية . ولكننا لم نستسلم . مع الصديق محمد بن عيسي وزير ثقافة المغرب وشاعر السنجال الكبير ورئيس جمهوريتها وقت ذاك، ليوبولد سيدر سنجور و38 عضوا من شتي البلاد العربية - الافريقية، وضعنا ميثاق المنتدي الافريقي- العربي ليقف في مواجهة تكتل منتدي حوض البحر الأبيض . وتم خنقه وأصبح السينمائي في أي بلد عربي متسولا : يتسول ميزانية تمنحه اياها وزارات الثقافة أو الاعلام في بلده فلنرفض التسول، ولنعط لابناء الشعوب العربية وفي طليعتهم شبابها حق الكلمة، حق الحركة . حق الحياة.