رئيس جامعة الجلالة: نعمل وفق رؤية وطنية طموحة لوزارة التعليم العالي    الضرائب تعلن حصاد التسهيلات الضريبية خلال مؤتمر شكرًا    جروسي: نتابع الوضع في المنشآت النووية الإيرانية منذ بدء الهجمات الإسرائيلية    عراقجي يلقي كلمة أمام مجلس حقوق الإنسان وسط المواجهة الإسرائيلية الإيرانية    روسيا: هجمات إسرائيل على إيران تزيد من خطر كارثة نووية    إيران تبدأ هجومًا صاروخيًا وصفارات الإنذار تدوي في إسرائيل    مجموعة الأهلي، موعد مباراة بالميراس مع إنتر ميامي في كأس العالم للأندية    برشلونة يعلن التعاقد مع أولى الصفقات الصيفية    ديلي ميل: ليفربول يخفض طلباته لرحيل نونيز.. ويختار بديلين    نتيجة الشهادة الإعدادية بكفر الشيخ 2025    نار خبيز العيش امتدت لأسطوانة البوتاجاز.. إصابة سيدة في حريق بقنا    بالأسماء.. 8 مصابين في حادث بالبحيرة    الاثنين، أسرة أبو العينين شعيشع تُحيي الذكرى الرابعة عشر لرحيله بمسقط رأسه في كفر الشيخ    شيرين رضا: "مبحبش الدليفري ومش باكل من برة البيت"    يارا السكري بفستان قصير ووردة حمراء.. الجمهور: إيه مواصفات فتى أحلامك    خطيب الجمعة بالأزهر: الإيمان الصادق والوحدة سبيل عزة الأمة الإسلامية وريادتها    الحقيقة حول القهوة، هل هي مفيدة أم ضارة للصحة؟    حالة الطقس غدا السبت 21-6-2025 في محافظة الفيوم    نتيجة الشهادة الإعدادية بكفر الشيخ في هذا الموعد    إصابة 5 أشخاص إثر تصادم ملاكي مع توكتوك في مسطرد بالقليوبية    تعاون بين «الطيران المدني» وشركات عالمية لتطوير البنية التحتية والخدمات الذكية    «الجبهة الوطنية» يعلن تشكيل أمانة إدارة الأزمات والتدخلات العاجلة    وسط هدم مزيد من المباني| جيش الاحتلال يصعد عدوانه على طولكرم ومخيميها بالضفة    أُسرة الشيخ أبو العينين شعيشع تُحيي الذكرى الرابعة عشر لرحيله بمسقط رأسه في كفر الشيخ الإثنين المقبل    مبابي خارج موقعة ريال مدريد ضد باتشوكا في كأس العالم للأندية    إزالة مزارع سمكية مخالفة بجنوب بورسعيد على مساحة 141 فدانا    ضبط 12 طن دقيق مدعم في حملات على المخابز خلال 24 ساعة    مجلس الاتحاد اللوثري: خفض المساعدات يهدد القيم الإنسانية والتنمية العالمية    إصابة 18 شخصا إثر انقلاب سيارة ميكروباص على طريق ديروط الفرافرة بأسيوط    طرح البوستر الرسمي لنجوم فيلم "أحمد وأحمد"    الشيوخ يفتح ملف التنمر داخل المدارس بحضور وزير التربية والتعليم    موقع عبري: مليار شيكل يوميا لتمويل الحرب على إيران    المنظمة المصرية لحقوق الإنسان: واقع اللاجئين اليوم يتجاوز مجرد التنقل الجغرافي    دون تأثير على حركة الملاحة.. نجاح 3 قاطرات في إصلاح عطل سفينة غطس بقناة السويس    وزارة النقل: وصول أول قطار للخط الرابع للمترو مايو 2026.. ودراسة تنفيذ مراحل جديدة    أحمد سعد بعد تعرضه لحادث وتحطم سيارته: "أولادي وزوجتي بخير"    للأفضل أكاديميا.. إدراج جامعة سيناء بتصنيف التايمز 2025 (تفاصيل)    «لا مبالاة؟».. تعليق مثير من علاء ميهوب على لقطة «أفشة»    بسبب دعوى خلع.. الداخلية تكشف تفاصيل فيديو اعتداء سيدة على أخرى بالدقهلية    الصحة: فرق الحوكمة والمراجعة تتابع 392 منشأة صحية وترصد تحسنا بمستوى الخدمة    محافظ الإسكندرية يشهد فاعليات الحفل الختامي للمؤتمر الدولي لأمراض القلب    فيتسل: سعيد باللعب بعد 6 أشهر صعبة    طائرة في مران ريال مدريد استعدادًا لمواجهة باتشوكا    "القابضة لمياه الشرب" تعلن فتح باب القبول بالمدارس الثانوية الفنية    "التنمية المحلية × أسبوع" رصد أنشطة الوزارة خلال 13–19 يونيو 2025    وزير الدفاع الإسرائيلى: نواصل مهاجمة المنشآت والعلماء لإحباط البرنامج النووى لإيران    تشغيل مستشفى القنطرة شرق بعد تطويرها بتكلفة 400 مليون جنيه    أسرار استجابة دعاء يوم الجمعة وساعة الإجابة.. هذه أفضل السنن    حسن الخاتمه.. مسن يتوفي في صلاة الفجر بالمحلة الكبرى    القومي للأشخاص ذوي الإعاقة يشارك في احتفالية مؤسسة "دليل الخير"    رئيس وزراء جمهورية صربيا يزور المتحف الكبير والحضارة    الإسلام والانتماء.. كيف يجتمع حب الدين والوطن؟    محافظ أسيوط يوجه بتخصيص أماكن لعرض منتجات طلاب كلية التربية النوعية    بنجاح وبدون معوقات.. ختام موسم الحج البري بميناء نويبع    أوقاف شمال سيناء تطلق حملة موسعة لنظافة وصيانة المساجد    البوري ب130 جنيه... أسعار الأسماك في أسواق كفر الشيخ    التشكيل المتوقع لمباراة فلامنجو وتشيلسي في كأس العالم للأندية    الاتحاد الأفريقي يعلن مواعيد دوري الأبطال والكونفدرالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التاريخ بين اللحية والشارب
نشر في القاهرة يوم 30 - 08 - 2011


لك وجهٌ، فكن حريصاً، فأنت مسئول عن كل ما يظهر عليه من تعبيرات، وما يطرأ عليه من تغيرات، حتي وإن كانت بسيطة، كأن تسمح لبعض الشعر بالنمو في أجزاء منه، كالذقن مثلاً، مكوناً علامة ثابتة فيه، هي اللحية، التي تعرفها كل ثقافات العالم منذ زمن طويل، والتي كانت، برغم بساطتها، مصدر جدل في كل أوان، كما يرد ذكرها في كثير من المواقف والأحداث التاريخية، لعل أغربها ضريبة فرضتها الملكة إليزابيث الأولي، في أعقاب تتويجها ملكة لانجلترا، علي كل من يطلق لحيته؛ كما يري بعضُ المهتمين بالتاريخ الأمريكي أن لحية أبراهام لينكولن كانت أحد أسباب انتزاعه الفوز في انتخابات الرئاسة، عام 1860، وكان إطلاق القساوسة البروتستانت للحاهم - في جانب منه - إعلاناً لنهاية البتولية المفروضة عليهم من الكنيسة. أما الإسكندر الأكبر، فقد أمر جنوده المقدونيين بأن يتخلصوا من لحاهم قبل أن يبدأ حملته العسكرية ضد الفرس، فوقف يخطب فيهم عام 323 ق.م. قائلاً : "أنا لا أطلب منكم شيئاً ذا بال عندما آمركم بأن تزيلوا لحاكم، فليس ثمة أفضل من اللحية أداة للسيطرة علي رجل، إن تمكن منها غريمه عند النزال"!. وفي الوقت الحالي، اختلط الحابل بالنابل في أمور عديدة، منها دلالة اللحية، فقد يعمد المعوزون إلي إطلاقها لافتقارهم لثمن شفرات الحلاقة، جنباً إلي جنب مع الموسرين القادرين علي توفير أدوات ومواد العناية بها. ولا تمانع جيوش كثيرة معاصرة من أن يربي جنودها لحاهم، إلا لسبب جوهري من صنف حظر إطلاق اللحية في الجيش والبحرية الأمريكيين، في منتصف عشرينات القرن الماضي، إبان الحرب العظمي الأولي، حيث عرفت الغازات الحربية واستخدمت، وكانت اللحي تحول دون إحكام تثبيت الأقنعة الواقية من الغازات السامة علي أوجه الجنود، فأزالوا لحاهم. لحية وشارب والبشر مجبولون علي حب التغيير، وقد حرصوا، في كل عصور التاريخ، علي أن يعيدوا ترتيب ما يحيط بهم من أشياء، وعلي أن يبدلوا في مظهرهم، من حين لآخر، استجابةً لحاجة لديهم، أو رغبة في التعبير عن مشاعر وأحاسيس. وقد شمل ذلك الحرص علي التغيير الملبسَ والحلي وأدوات الزينة وطرق قص وتصفيف شعر الرأس - نساء ورجالا - وشعر وجه الرجل (لحية وشارب)؛ وكانت اللحية، بجميع أشكالها، وسيلة للإعراب عن أشياء كثيرة، بدءاً من المعتقد الديني والفكري، أو التصنيف السياسي، وقد تكون دالة علي الوضع الاجتماعي؛ كما أن وجودها، بحد ذاته، يمكن أن يكون إعلاناً عن الرجولة والقوة البدنية. ويقدم لنا أحد المتخصصين في علم النفس التطوري تفسيراً بيولوجياً لجاذبية اللحية، فيقول إنها نوع من الزينة أو الزخرفة الجسدية، نشأت - من وجهة نظر تطورية - بتأثير من الميول الجنسية للإناث، في عصور تاريخية قديمة. ولما كانت مظاهر وحركات التودد والغزل مقصورة علي البالغين، فإن أي سمة واضحة تتبدي في الذكر أو في الأنثي، بعد بلوغ الحلم (مثل بروز الثديين في الإناث، أو اكتمال نمو الأعضاء الذكورية وظهور اللحية في الذكور) هو أقرب لأن يكون نتيجة خيار جنسي. قد عرف المصريون القدماء اللحية، وكان إطلاقها هو القاعدة العامة، واختص الفرعون ذاته بلحية مميزة عن لحي سائر رعيته، وكان يوليها اهتماما عظيماً، فهي رمز القوة وعنوان الهيبة. وتظهر تماثيل ونقوش الجدران أن للآلهة والملوك والجنود والوجهاء، في بلاد ما بين النهرين، وعند الفرس، اهتمامات فائقة بقص الشعر وتصفيفه، بما في ذلك اللحية، التي كان يعد غيابها، أو إهمالها، نقيصة اجتماعية لا تليق برجال الدولة وعلية القوم، في مجتمعات البابليين والفرس والآشوريين، حيث كانت اللحية ترسم الوضعية الاجتماعية لصاحبها، وتميز بين الرجال ذوي الحيثية والمواطنين العاديين. أبوللو انتقل الاهتمام باللحية إلي الإغريق، حيث كانت رمزاً لقيم ثقافية ومؤشرا علي اعتبارات طبقية؛ ولا يمكن تصور فيلسوف أو مسرحي إغريقي لا لحية له. كما كانت اللحية من مكونات الأساطير الإغريقية، وكان زيوس، كبير آلهة الإغريق، وشقيقه بوسيدون، إله البحر، ملتحيين، في حين تظهر النقوش والتماثيل الإله الابن (أبوللو) شاباً حليق اللحية. وقد اشتهر الجنود الإغريق المدججون بالسلاح والدروع بأنهم كانوا يمضون وقتاً طويلاً، قبل المعركة، في العناية بمظهرهم، وباللحية علي نحو خاص. أما روما القديمة، فكانت نظرتها للحية علي النقيض من الإغريق، واعتبرتها مظهرا بربرياً، وكان الوجه الحليق رمزاً للشخصية الرومانية المثالية، إلي أن جاء الامبراطور هادريان، الذي كان معجبا بكل ما هو إغريقي، ويميل إلي تقليد الثقافة الإغريقية، فأدخل تقليد إطلاق اللحية والعناية بها إلي المجتمع الروماني الراقي. واستمر تأثير الثقافة الإغريقية علي الحياة في روما القديمة، حتي بلغ أوجه في عصر الامبراطور الروماني جوليان أبوستاتا (332-363)، الذي كان قد ارتد عن الديانة المسيحية، وأراد أن يعيد الطقوس الوثنية القديمة، وكان شديد الإعجاب بالفلسفة الرواقية، وبه ميل إلي الزهد والتقشف، الأمر الذي دفعه دفعاً إلي الاصطدام بالنخبة المسرفة في أنطاكية، وأصدر كتابا عنوانه (ميزوبوجون)، أي كاره اللحية، يسخر فيه من مظاهر التبذير والإسراف وعدم التسامح في المجتمع الروماني. في العصور الوسطي، قل اهتمام الناس بالشعر، عموماً، واللحية علي نحو خاص، فكانوا يفضلون الوجه الحليق. فلما نشبت حرب الثلاثين سنة، عادت اللحية ملمحاً أساسياً لوجوه أبطال الجيوش المتحاربة. ومع مقدم القرن الثامن عشر، كان الأوروبيون حليقي الوجوه، باستثناءات قليلة، فقد كانت التقاليد - علي سبيل المثال - تفرض علي جنود المدفعية في جيوش ذلك الوقت تربية شواربهم ولحاهم، وكان بعض الجنود يتهرب من ذلك، ويلجأ - عند الضرورة، وتنفيذاً شكلياً لأوامر القادة - إلي رسم شوارب ولحي علي وجوههم، مستخدمين مسحوق الفحم. ولد (العالم الجديد) عندما انتهي القرن الثامن عشر بوجوهه الحليقة، لتستعيد اللحية رونقها في زمن جديد وعالم مختلف، غصَّ بالثورات والحروب، كأنها كانت وسيلته للتخلص من بقايا ملامح العالم القديم. وتجدد اهتمام الأوروبيين بلحاهم، خلال وبعد الحروب النابليونية، واشترك كل من الثوار والجنود والملوك بالشوارب واللحي المميزة، ومن الملوك الذين ارتبطت شخصياتهم بلحاهم، نابليون الثالث، إمبراطور فرنسا، وقيصر روسيا ألكسندر الثالث، وفريدريش الثالث ملك بروسيا. ويحكي عن نابليون الثالث أن شاربه و(سكسوكته) حظيا بشعبية واسعة في كل أوربا، إبان عصر الامبراطورية الفرنسية الثانية، فكان الأوروبيون يقلدون كل ما هو فرنسي، بما في ذلك لحية الامبراطور، التي لم تحل دون فشل سياساته، وانهيار امبراطوريته، وموته في المنفي. وللحية ماكسمليان، الشقيق الأصغر للامبراطور النمساوي فرانز جوزيف الأول، قصة تروي، إذ أنه كان قد أصبح - بمساعدة من فرنسا - امبراطورا للمكسيك، في مرحلة غريبة من حياته الحافلة بالمغامرات، انتهت بالثورة عليه، وتسبب اعتزازه باللحية، التي كان يشذبها مستخدماً الزنجبيل، في القضاء عليه، إذ رفض التخلص منها بعد أن لجأ إلي دير للراهبات يختبئ به من الثوار المطاردين، فدلت عليه لحيته، وانتهي به المطاف معصوب العينين أمام فرقة الإعدام. رفاهية الشارب قد اتبع الناس لحي ملوكهم، فكان النصف الثاني من القرن التاسع عشر عصراً ذهبياً للحية، لم يلبث أن أخذ في الأفول مع نشوب الحرب العظمي الأولي، وانشغال الرجال بأمور الحرب، والاكتواء بنارها، فاصبحت العناية بشارب أو لحية ضربا من الرفاهية، لا يستقيم مع أهوال تلك الحرب. فلما وضعت الحرب أوزارها، كان ضمير العالم بحاجة إلي مراجعات عميقة وقاسية، ودخلت السينما بتأثيرها في الكتل البشرية، وأُطلقت الحريات، ومن بينها حرية التعامل مع شعر الرأس والوجه.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.