بعد أن صحونا من "حلم ميدان التحرير الجميل"، بعد أن شهدنا مصر بكل نضارتها وخبرتها بعنفوان شبابها وتؤدة شيوخها، بخفة دم وتحامق ظرفائها وحكمة وجدية مفكريها، بعد أن شهدنا مصر وهي تتحدث عن نفسها بقوة ضمير "نحن" لتزيح الهم الثقيل الذي كتم علي أنفاسها لعقود طويلة، أليس غريبا بعد كل ذلك أن يصبح من الصعب علينا أن نتفاءل بقادم الأيام، بعد أن انقلب الحال وأصبح حلمنا الجميل كأنه ضرب من المحال، أليس غريبا أن نجد هؤلاء الذين ترددوا وتقاعسوا عن الخروج في 25 يناير يدعون أنهم خططوا للثورة منذ سنوات وأنهم هم الذين حموها ولولاهم لسقط الميدان. الإسلام والمتحولون أليس غريبا أن نجد جماعات الإسلام السياسي الآن يتهمون العلمانيين والشيوعيين والناصريين والوفديين وكل من هم سواهم بالتآمر علي الوطن؟! بل ووصل الأمر أن مؤيديهم من العامة يتهمون المخالفين بالكفر وبالعمل وفق " أجندات خارجية " لضرب البلاد وبلبلة العباد الذين لم يجدوا في الثورة إيجابية أكبر من تحرير الأخت عبير والأخت كاميليا والأخت وفاء والأخت.. إلي آخر الأسماء التي كلها لنساء، لا أدري لماذا تتركزالدعوة لتغيير الدين بين النساء ؟ ولِمَ لم نسمع عن تحرير الأخ فلان أو الأخ علان ؟ ربما تكون عقليتنا الملوثة بأفكار غربية عاجزة عن إدراك أن " كون النشاط الدعوي يعمل في أوساط النساء فقط " هو إيمان من الدعاة الجدد بدور المرأة واحترام لحرية الاعتقاد التي تسير في اتجاه واحد وتنقلب إلي "ردة "تستوجب عقوبة القتل إن بدا أنها قد تسير في الاتجاه الآخر. أليس غريبا أن نجد بعض محترفي الانتخابات من كوادر المعارضة المصرية الذين كانوا يستظلون بالحزب الوطني، يعرضون خدماتهم الآن علي جماعة "الإخوان المسلمين" طمعا في التنسيق معهم في الانتخابات القادمة وأن تصل تلك الخدمات لدرجة تضليل زملائهم في لجان التنسيق وافتعال الأزمات حتي لا تتمكن تلك اللجان من مجرد توجيه اللوم أو حتي مجرد النصح للإخوان بسبب محاولتهم فرض الرأي بقوة الغلبة وكأننا أمام الحزب الوطني في ثوبه الجديد، وكأننا نستبدل معاوية بيزيد أو نعيد إنتاج ديكتاتورية لا يمكننا الخلاص منها إذ ربما نجدها محمية " بمجلس صيانة الدستور"(سيكون لدينا مجلس كهذا إذا فشلنا في فرض التوافق حول الدستور الجديد). أليس غريبا أن يهاجم الإخوان صحفيا في إحدي مدن الدلتا ويجردوه من صفته كمتحدث إعلامي لمدة عشر سنوات رغم أنهم هم أنفسهم الذين تحمسوا للتجديد له قبل الثورة كمتحدث إعلامي باسم لجنة التنسيق بين الأحزاب والقوي الوطنية ويذكرون في بيانهم علي موقع إخوان الدقهلية أنهم بصدد إعادة صياغة عمل اللجنة ويمتنعون عن الحضور قبل فرض شروطهم بينما كانوا قبل الثورة يسعون إلي الانضمام إلي كل التنظيمات الجماهيرية الشرعية علي اختلاف مشاربها بحثا عن غطاء شرعي في ظل سياسة الحزب الوطني التي كانت تستخدمهم فزاعة في الخارج والداخل، أليس غريبا ألا تدرك جماعة الإخوان أن القوة الأكبر والأكثر تنظيما عليها أن ترسل رسائل لطمأنة شركاء الميدان وباقي القوي السياسية الأخري بدلا من هذا التخبط الذي يشي بأن عقلية الإقصاء والإدانة هي التي مازالت تسيطر علي فكر الجماعة مع الاعتراف بأن الوجوه الشعبية كعبدالمنعم أبو الفتوح ومحمد حبيب هي التي كان ينبغي أن تكون عنوانا لانفتاح جماعة الإخوان علي كل القوي السياسية التي من المؤكد أن لديها مبررات قوية للتخوف من الخطاب الاستعلائي لبعض رموز الجماعة بعد خلع الرئيس، وأقول "خلع الرئيس" عمدا لأن الثورة لم تنتصر بعد والثوار لم يحكموا بعد! نقابات وأحزاب أليس غريبا أنه بعد أن تمكن المصريون من تأسيس بعض النقابات المهنية المستقلة بما يشبه المعجزة أن تتعارك تلك النقابات فيما بينها وأن يصل صراع النقابات المستقلة إلي ساحات المحاكم؟! أليس غريبا أن نجد خمسة أصدقاء في حزب يساري كبير يستقيلون لكي ينضموا إلي أربعة أحزاب يسارية مختلفة كل حزب يتهم الآخر إما بالعمالة للنظام السابق أو بالمراهقة السياسية أو بتحريف الاشتراكية العلمية أوبالسقوط في براثن الإقرار باقتصاد السوق، أليس غريبا أن يعوض حزب يساري كبير خروج كوادره اليسارية التي لم تجد لها مكانا في قيادة الحزب علي مدي الثلاثين عاما الماضية يعوض خروجها بقبول انضمام مائة وخمسين عضوا من فلول الحزب الوطني المنحل!! بينما يقف من تبقي من شباب ذلك الحزب عاجزا عن فعل أي شيء لحماية الحزب من التشقق والانقسام رغم أن البعض منهم كان من أكثر شباب الثورة فاعلية وقدرة علي التأثير في جماهير ميدان التحرير؟! أليس غريبا أن تستضيف إحدي القنوات الفضائية أربعة شباب من كوادر الأحزاب الاشتراكية الجديدة فتجد معرفتهم بالاشتراكية لا تتعدي معرفة المطرب العالمي "شعبان عبدالرحيم" "بالنانو تكنولجي" وعندما يتحدثون في القضايا الوطنية والاقتصادية لا تجد أية فروق جوهرية تبرر انتماءهم لأحزاب مختلفة فتدرك علي الفور أن أغنية محمد عبدالوهاب " ياوابور قولي رايح علي فين " تصلح بديلا تكتيكيا للنشيد الوطني لحين اعتراف الإخوة (الأعدقاء) بأن روح ميدان التحرير هي فقط سفينة النجاة لهذا الوطن ولكل أبنائه من إخوان وسلفيين وعلمانيين وملحدين وما يستجد من تصنيفات؟! أليس غريبا- وموجبا للانتباه وللعودة إلي جوهر مصريتنا وكرامتنا التي سعينا إليها بدماء أبنائنا من الشهداء الأبرار- أن يرقد المواطن محمد حسني مبارك المتهم بقتل ما يناهز ألف شاب من خيرة شبابنا في مستشفي سبع نجوم، بينما ظل أحد أقاربي وكان عمره فوق الثمانين أيضا وكان يعاني كل الأمراض إضافة إلي الشلل النصفي، ظل مطلوبا لتنفيذ حكم ظالم بتبديد ثلاجة وتليفزيون كانت المحكمة قد حجزت عليهما صوريا في بيته (أي انه حتي لم يعلم عن ذلك الحجز شيئا) لأنهم فبركوه وحين أعلن أبناؤه رغبتهم في تسديد المبلغ التافه إنقاذا له من السجن والبهدلة ،لم يشفع لهم لا مرضه ولا رغبته في الاعتراف بما لم يقترفه ولم ينقذه من السجن إلا الموت؟!، فلماذا إذن لا نلتفت إلي مغزي هذا التعامل مع الرئيس المفترض أنه مخلوع ومسجون ومتهم بجرائم تبديد بلد بأكمله وليس تبديد تليفزيون 12 بوصة بهوائي(إريال) مكسور، أليس هذا غريبًا؟!