أدانت منظمة العفو الدولية الحكم الذي أصدرته احدي المحاكم الأمريكية بإعدام 6 من المتهمين في أحداث سبتمبر2001 . وهذه الإدانة تنطلق من موقف مبدئي للمنظمة العالمية، إذ نص قانونها الأساسي علي حث حكومات العالم لإلغاء عقوبة الإعدام والعقوبات البدنية مثل الجلد وقطع اليد. يتأسس موقف المنظمة علي بعد إنساني وفلسفي من شقين: الأول قانون الاحتمالات، أي احتمال ظهوربراءة المتهم بعد تنفيذ الحكم . إذْ ماهو الوضع بعد الجلد أوقطع اليد والرقبة؟ في العقوبات المدنية (الحبس، السجن إلخ) يحق للمتهم الذي تثبت براءته بعد تنفيذ الحكم، أن يطالب بتعويض أدبي ومادي . ولكن كيف يمكن محوالألم النفسي لمن تم جلده، خاصة اذا ظهرت أدلة تؤكد براءته، وكيف يمكن تعويض من قُطعت يده، وكيف يكون إنسانًا صالحًا ومنتجًا واليد هي أداة العمل؟ وكيف يمكن تعويض من قُطعت رأسه ثم تبين أنه بريء ؟ استخدام متزايد في أمريكا تعتبر منظمة العفو أنّ من بين فضائح الولاياتالمتحدةالأمريكية في مجال حقوق الإنسان، مسألة (الاستخدام المتزايد لعقوبة الإعدام) (نشرة سبتمبر92) خاصة بعد أن ثبت براءة 23 إنسانًا بعد إعدامهم. كما أصدرت المحكمة العليا الأمريكية قرارًا يجيز إعدام مرتكبي الجرائم البالغين من العمر 16عامًا وكذلك المتخلفين عقليا، إلاّ ولاية واحدة حظرت إعدام المتخلفين عقليا . وواصلت المنظمة التحقيق في القضايا الجنائية التي زعُم أنّ الدعاوي قد أقيمت فيها بدوافع سياسية (انظر تقريرمنظمة العفوالدولية لعام 90 ص 258، 259) . ورصد تقريرالمنظمة لعام 89 استمرارفرض عقوبة الإعدام بأسلوب يتصف بالتمييزالعنصري . فعلي الرغم من أنّ البيض والسود كانوا ضحايا جرائم قتل بأعداد متساوية تقريبًا. فإنّ عقوبة الإعدام كانت في أغلب الحالات تفرض عندما يكون الضحايا من البيض . وأنه تم إعدام 120متهمًا في الفترة من عام 76 ونهاية 89 ولم يحدث خلال هذه الفترة قط أن تم إعدام أي متهم أبيض علي قتل شخص أسود (المصدر السابق ص 259) ويؤكد تقريرالمنظمة في نفس المصفحة أن الأبحاث أفردت الأصل العرقي باعتباره عاملا رئيسيا في فرض عقوبة الإعدام . إعدامات سياسية وعن الإعدامات السياسية، سجّلت المنظمة أسماء ما يزيد علي 2000سجين في إيران الخومينية، ورد وقوعهم ضحية لموجة من الإعدامات السياسية السرية في الفترة من يوليو 88 ويناير 89 (كتاب انتهاكات حقوق الإنسان في إيران من عام 87 إلي 90 وهو من مطبوعات منظمة العفو) وأوضح (آية الله يزدي) رئيس الهيئة القضائية أنّ أعضاء جماعات المعارضة مثل منظمة مجاهدي خلق، مدانون بصورة جماعية (بشن حرب علي الله . وبالفساد في الأرض. ومن ثم فهم معرضون للحكم عليهم بالإعدام) (صحيفة اطلاعات بتاريخ 30/ 5/ 1990) وذكرتقريرالمنظمة أنّ آلاف المعارضين السياسيين، تم إعدامهم في السنوات الأولي لحكم الخميني (المصدرالسابق ص 10). وفي الأردن حكمت محكمة أمن الدولة بإعدام 6 بتهمة ارتكابهم لأعمال إرهابية والانتماء لمنظمة غيرمشروعة تدعي (جيش محمد) ولكن الملك حسين أصدرأمرًا بتخفيف أحكام الإعدام إلي السجن مدي الحياة (النشرة الاخبارية لمنظمة العفو نوفمبر92) أي لولاتدخل الملك لتم إعدامهم . وذكرت المنظمة أنه في عام 80 اعتمد النظام الحاكم في ليبيا رسميا سياسة التصفية الجسدية للخصوم السياسيين (كتاب عقوبة الإعدام ضد حقوق الإنسان - ص 194) أما نظام صدام حسين في الفترة من 85 - 88 فقد تم إبلاغ المنظمة عن (إعدام المئات كل عام . والإعدام كان علنيا والمحاكمات غيرعادلة. ولا حق في الاستئناف ضد أحكام تفرضها محكمة الثورة والمحاكم الخاصة المؤقتة. وتطبيق القانون بأثررجعي . والأخطر هو إعدام أطفال . وإعدام سجناء رغم الحكم عليهم بالسجن (المصدر السابق ص 167). وفي السودان تم إعدام الشيخ محمود محمد طه علنًا داخل سجن كوبر يوم 18 يناير 85 بأوامر من الخليفة جعفر النميري . علمًا بأنّ الشيخ المذكوركان علي درجة من التقوي والورع شهد له بها كل من تعاملوا معه. وكان أحد زعماء الإخوان الجمهوريين. ولم يكن ضد تطبيق الشريعة الإسلامية. ولكنه كان ضد تطبيق نميري والإسلاميين أتباعه للشريعة الإسلامية. لأنه كان ضد قطع أيدي الفقراء المعدمين. وكان يستشهد بما فعله عمربن الخطاب، عندما منع قطع يد السارق في عام المجاعة. ولم يقتنع الأصوليون بمنطقه. وقالوا من يكون عمرإزاء النص القرآني الصريح؟ وهل يعلوعمرعلي القرآن؟ ورغم نداءات الاستغاثة العالمية لإنقاذ حياة الشيخ الجليل، تم الإعدام لمجرد أنه كان يقف مع حقوق الضعفاء رغم أنّ مرجعيته كانت مرجعية دينية. وفي مصر تم إعدام العاملين محمد البقري (19سنة و6 شهور) ومصطفي خميس (18 سنة) في مذبحة عمال كفرالدواربعد 3 أسابيع من انقلاب يوليو 52 بعد محاصرة المصانع وبيوت الأهالي بالدبابات واعتقال 567 عاملا والحكم العسكري بسجن الكثيرين. وتم الإعدام أمام 1500عامل في ملعب كرة القدم. وبحضورأهالي العمال. وهوالمشهد الذي أيقظ من بئرالأحزان مذبحة دنشواي التي ارتكبها ضباط الاحتلال البريطاني عام 1906 ضد الفلاحين المصريين. أما إعدام خميس والبقري فتم علي أيدي الضباط (المصريين) الذين صدّقوا أنفسهم بأنهم (الأحرار) (انظرالمؤرخ العمالي- عبد المنعم الغزالي في كتابه "بعد أربعين عامًا براءة خميس والبقري" والمؤرخ العمالي طه سعد عثمان في كتابه "خميس والبقري يستحقان إعادة المحاكمة"- دارالخدمات النقابية بحلوان عام 93) وكما حسم النظام الناصري مشكلته مع الطبقة العاملة بإعدام عاملين صغيرين (مدرسة العين الحمراء الأمريكية) حسم خلافه مع أصحاب التيارالديني بإعدام سيد قطب و6 آخرين . أي أنه لجأ إلي استخدام سلاح التصفية الجسدية. وكان أمامه - لو أنه نظام ديمقراطي يسعي إلي مصلحة الشعب- أن يلجأ إلي سلاح العقل. أي إتاحة الفرصة لليبراليين للرد علي الأصوليين الإسلاميين الذين أشاعوا مقولة المجتمع الجاهلي الحديث. ولكنه بدلا من الاستعانة بالليبراليين أمر باعتقالهم . الاستبداد والأصولية إذا كانت الحكومات المستبدة تلجأ إلي إقصاء خصومها بتنفيذ عقوبة الإعدام، فإنّ الأصوليين الذين يستخدمون العنف لتصفية كل من يختلف معهم، لايقلون خطورة عن الحكومات المستبدة. فهم عندما ىُصدرون فتوي بتكفيرفلان، تكون المادة الثانية في الفتوي اغتيال المذكور. وهو ماحدث في اغتيال فضيلة الشيخ د. محمد حسين الذهبي وزيرالأوقاف الأسبق والرئيس المؤمن السادات والمفكر فرج فودة ومحاولة اغتيال الأديب نجيب محفوظ . واذا كانت منظمة العفو ومنظمات حقوق الإنسان في أوروبا تطالب حكومات العالم بإلغاء عقوبة الإعدام والعقوبات البدنية، فإنّ المفكرين الأحراريطالبون حكوماتهم بإشاعة الثقافة الفلسفية بمعادلتها البسيطة: أي القبول المتبادل علي قاعدة أنّ الانتماء الحقيقي هوانتماء للوطن، أي الانتماء للأرض التي تضم (كل) المواطنين بغض النظرعن معتقداتهم الدينية والمذهبية والفكرية. لأنه إذا كان الدين شيئًا ذاتيا، فإنّ الوطن هو(الموضوع) الذي يسعي إليه كل أبناء الأمة للارتقاء به. وهذا الارتقاء هو الذي يحقق الاستقرارالاجتماعي. وإذا ساد الاستقراربين جميع شعوب العالم، تعاظمت الاستفادة من التبادل والتعاون الثقافي والعلمي، فيؤدي إلي مزيد من الاستقراروالرفاهية. وبالتالي تنتقل البشرية إلي مرحلة أرقي : إذ تتحول الثقافة الفلسفية إلي ثقافة سلام وتعاون بين جميع شعوب العالم، وليس بين أبناء الشعب الواحد فقط .