لم تتردد اسرائيل في المسارعة الي السطو علي اوبرا "عايدة"، لتحقق ارباحا اقتصادية وسياحية ودعائية علي المستوي الاعلامي، مستغلة عدم استقرار الاوضاع والاحتجاجات المستمرة بمصر، مع ملاحظة ان اسرائيل تكتمت علي تفكيرها وتخطيطها ومشاوراتها واتفاقاتها حتي اللحظات الاخيرة، حيث من المنتظر عرض الاوبرا خلال ايام قليلة، مطلع شهر يونية. وقالت وسائل الاعلام الاسرائيلية ان اسرائيل قدمت نفسها باعتبارها بديلاً متاحاً وأكثر امنا لشركات السياحة والانتاج السينمائي والعروض الفنية والحفلات، التي اعتادت تصوير أو اقامة حفلات تتعلق بالفراعنة أو الآثار في مصر، بل وسارعت الحكومة الاسرائيلية الي توفير كل الميزانيات المطلوبة لاقامة مواقع تاريخية "مقلدة" تشبه المناطق الاثرية الحقيقية الموجودة في مصر، مع الاستعانة بوسائل التكنولوجيا لتسهيل الامر، وتمريره للسياح حتي لا يشعروا بوجود فارق بين اسرائيل ومصر في هذه النقطة. وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أن اسرائيل أقامت مسرحاً فرعونياً عند جبل ماسادا بصحراء النقب، لعرض أوبرا "عايدة"، واشادت بنجاح مسئولي الأوبرا الاسرائيلية في انشاء مسرح ضخم في قلب الصحراء، مع الاشارة الي ان العمل في بناء المسرح بموقعه الحالي بدأ قبل شهرين من الان، بما يشير الي ان اسرائيل سارعت الي حصد مكاسبها من الظروف التي مرت بها مصر خلال وعقب ثورة 25 يناير. استعدادات استعانت اسرائيل بجيش من مهندسي الديكور والكهرباء والاضاءة والتصميم لصناعة مسرح فرعوني يعج بكل مظاهر الابهار، مستعينا بأحدث اجهزة الإنارة والمؤثرات الضوئية، وفقا لرؤية مخرج العرض الفرنسي شارل وربو ابن المخرج الراحل جان شارل. وتقول الأرقام ان اسرائيل باعت 70 ألف تذكرة لاسرائيليين وسياح من جميع انحاء العالم رغبوا في مشاهدة اوبرا عايدة، الامر الذي اعتبره المسئولون عن العرض نجاحا انتاجيا وتسويقيا هائلا، فضلا عن توفير ألفين وخمسمائة فرصة عمل، وتم خلاله الاستعانة بفرقة الرقص البدوية المعروفة باسم "كان زمان"، ومجموعات من الاطفال ومهاجرات جدد من اثيوبيا، بمشاركة وزارة الثقافة، ومجلس تنمية النقب والجليل وبنك ديسكونت بتكلفة 10 ملايين دولار. وتقول حنا مونيتش، مديرة دار الاوبرا الاسرائيلية وصاحبة فكرة السطو علي اوبرا عايدة من مصر، ان العمل بدأ في انشاء المسرح قبل 3 شهور، مشيرة الي ان المسرح يستوعب 7700 مشاهد في العرض الواحد. وقال وزير السياحة الإسرائيلي ستام ميسنزموفتشن، الذي يرعي الأوبرا وساهم في دعمها بنحو 700 الف شيكل فضلا عن توفير مليون شيكل للترويج للعرض في الخارج، إن الهدف من هذا العرض إظهار مدي اهتمام الإسرائيليين بالثقافة والفن، وقدرتهم علي رعاية أكبر العروض العالمية، معربا عن ثقته ان هذه الخطوة ستنعكس بالايجاب علي تنشيط السياحة في اسرائيل. وأوضحت صحيفة يديعوت احرونوت أن المسرح اشتمل علي انشاء عدد من التماثيل الفرعونية الضخمة، لكن أضخم التماثيل التي تم تصميمها هو تمثال الملك سفنكس، الذي يبلغ طوله 22 متراً، وهو علي شكل إنسان وجسم أسد أي ما يشبه تمثال أبو الهول، وتماثيل أخري لفراعنة مصريين مثل رمسيس الثاني وأمنحوتب وغيرهما، فضلا عن المسلات الفرعونية. رمزية الموقع يتسم الموقع الذي اختارته اسرائيل لاقامة مسرح أوبرا عايدة عليه، بابعاد اسطورية وتاريخية، تصب في صالح الترويج للدعاية الصهيونية علي المستوي الدولي، إذ تقول المعلومات ان ماسادا" كلمة عبرية تعني الحصن أو القلعة، وهي قلعة قديمة اكتشفت عام 1842م في جنوب شرقي فلسطين، علي قمة جبل صخري (ىُعرف في المصادر العبرية بتل ماسادا، بينما ىُعرف في المصادر العربية بتل مصعدة، أو مسعدة)، وهو جبل منعزل في الطرف الشرقي لصحراء البحر الميت. وتتميز هذه القلعة بحصانة طبيعية، فالجبل المقامة علي قمته حاد الجوانب، فالجانب الشرقي للقلعة يصل ارتفاعه لنحو 450 مترًا، بينما الجانب الغربي 100 متر، ويبلغ طول القلعة نحو 600 متر، وعرضها يتراوح بين 130- 240 مترًا، ويرتفع الجبل عن سطح البحر الميت بنحو 462 مترًا، وينعزل عن المناطق المحيطة به بوديان عميقة، والمسالك الطبيعية المؤدية إلي القلعة وعرة للغاية، ومعقدة جدًا، كما أن القلعة محاطة بأسوار طولها 1400 متر، وسمكها أربعة أمتار، وتعلوها العديد من الأبراج، ومزودة بمخازن وآبار من مياه الأمطار، لذا أصبح الموت الأكيد هو المصير الذي ينتظر الأعداء الذين يستهدفون الوصول إليها. وطبقًا للمعلومات التي أوردها المؤرخ اليهودي يوسيف بن متتياهو 37 م - 101م (المعروف في المصادر الغربية باسم يوسيفوس فلافيوس) فإن هوردوس (74- 4 قبل الميلاد)، الذي حكم مملكة يهودا منذ عام 37- 4 قبل الميلاد، هو من بني هذه القلعة بين عامي 37 - 31 قبل الميلاد، وزودها بالمياه ومستودعات الذخيرة والأغذية، وأقام لنفسه هناك قصرًا فاخرًا، بينما يعتقد بعض من المؤرخين أنها بُنيت قبل هذا التاريخ. وتحكي أسطورة "الماسادا" اليهودية - كما تقدم للتلاميذ الإسرائيليين في الكتب المدرسية - أنه في عام 66م عند بداية التمرد اليهودي ضد الحكم الروماني الظالم، قامت جماعة من اليهود "الثوار" - تُدعي السيكاريين- بالهروب من القدس والاستيلاء علي قلعة الماسادا من الحامية الرومانية. وفي عام 70م انضمت إليهم مجموعة أخري من "السيكاريين" وأسرهم ممن فروا من القدس قبل سقوطها في يد جحافل الجيوش الرومانية، وتحصن "السيكاريون" بالقلعة تحت زعامة "إيليعازر بن يائير". وعندما علموا بزحف الرومان نحوهم قرروا القتال حتي النفس الأخير دفاعًا عن قلعة (الماسادا) ضد الجيوش الرومانية، التي ضربت حصارًا مميتًا حول هذه القلعة، ولم يستطع أحد الهروب منها. وكان عدد هؤلاء اليهود "960" شخصًا، بينهم نساء وأطفال، واستمرت هذه الجماعة في مقاومة الرومان طوال ثلاث سنوات، أي حتي عام 73م، وعندما أيقنت الجماعة اليهودية المقاومة خسارتها لا محالة وعدم قدرتها علي الصمود، وأنه لم يبق أمامهم؛ إما أن تلحق بهم هزيمة نكراء علي يد الرومان ويقتلوهم شر قتلة، أو يأخذوهم كأسري حرب، عندئذ عمد جميع أعضائها إلي حرق كل شيء داخل القلعة، ثم الانتحار الجماعي كي يحفظوا كرامتهم!. وقبل انتحارهم ألقي زعيمهم "إيليعازر بن يائير" خطبة حماسية، حثهم فيها علي الانتحار الجماعي بدلا من الاستسلام والسقوط في مهانة الأسر. وبحسب شهادات شهود العيان - التي سجلها يوسيف بن متتياهو - فإن الرجال قتلوا زوجاتهم وأبناءهم، ثم اقترع الرجال ليختاروا عشرة من بينهم ليقتلوا باقي الرجال، وبعد ذلك اختاروا منهم شخصًا يغمد سيفه في رفاقه التسعة الباقين، حتي وصل الأمر إلي آخر شخص يهودي، فقتل نفسه قبل اجتياح القلعة بالكامل. ولم يبق من نحو ألف يهودي تمترسوا بين جدران الماسادا سوي سبعة من الأطفال والنساء (امرأتين وخمسة من الأطفال) اختبأوا في قناة للمياه. وقدر لهم أن يعيشوا ليسردوا حكاية الماسادا التي ما لبثت أن أصبحت رمزًا لسلوك التضحية والإخلاص بين اليهود. ويمكن تصور الايحاءات والافكار التي تزرعها وتروج لها هذه الاسطورة في اذهان الاخرين عندما يستمعون اليها، سواء من حيث الادعاء بأن فلسطين يهودية منذ قديم الازل (قبل الميلاد)، او من حيث بسالة وشجاعة وتضحيات اليهود في مواجهة اعدائهم!